الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البهائية في بلاد الرافدين

مازن لطيف علي

2015 / 7 / 8
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير



للديانة البهائية جذور في العراق ، ضمن تأريخها بين إيران وبعض بلدان الشرق الأوسط، وهي سياق ضمن فرق الروح التي موئلها الشرق الروحاني ونقرا في لمحات الوردي الاجتماعية إسهاب ولفتات وتحليل لنشوئها وأحداثها وشخوصها. ونجد من دون عنها حيث الاستاذ عباس العزاوي في تاريخ العراق بين احتلالين ج 6 ، ص 339 :حيث يرجع جذورها إلى سنة 1242 هـ- 1826 م ،وهو موعد ليس بعيد من أيامنا وذلك حينما توفى في مدينة دمشق الشيخ ( احمد الاحسائي )، الذي تنسب إليه فرقة الشيخية ،وقد شاعت نحلته على يد أكبر الآخذين عنه ، وهو السيد محمد كاظم الرشتي وفي أيامه عرفوا بـ ( الكشفية ) . ومن مشتقات الشيخية :الركنية والكشفية والبابية .ومن هذه تفرعت ( البهائية ) و(اتباع صبح أزل ) . وهذه قد غطـّت تباعا على فرقة (البابية ) .
توفي محمد كاظم الرشتي سنة 1295 هـ- 1843 م ، والغريب ان السنة التي توفى فيها (الأحسائي ) هي نفسها التي توفي فيها الشيخ خالد النقشبندي المجددي ، في المكان والأوان عينه . وهناك شخصية من اعلام الكشفية لم تـُكتـَب لها الشهرة ، وأعني به السيد (ابراهيم الزعفراني ) وهو من وجوه كربلاء ، برز كشخصية قوية في عهد الوالي محمد نجيب باشا ، الذي وُلـّيَ بغداد سنة 1258 هـ- 1842 م ، بعد عزل الوالي (علي رضا باشا اللاز )الذي حل محل داود باشا آخر الولاة المماليك(1750-1831م). ، فهو الذي بنى قصر النجيبية في بستان النجيبية على أرض ( بستان المخرَم ) الواقع في أرض العلوازية (العيواضية ) ، التي تقوم عليها اليوم مبان ِ مدينة الطب( تسمى حديقة الرضوان) ، وتـُعرَف باسمه محلة نجيب باشا على طريق الاعظمية ، وكذلك شريعة نجيب باشا على شاطىء دجلة شمال بغداد .
ظهر الباب ( علي محمد الشيرازي ) في ايران سنة 1260 هـ- 1842 م ، فمال اليه كثيرون . وسبب ظهور الافكار التي حملها ، هو تضييق نادر شاه على العلماء وإحراجهم كثيراً لـِما رأى من مخالفتهم سياسته ، ولم يتعاونوا معه ( العزاوي ج 7 ، ص 86 ) ، وانضمّ غالب المتصوفة الى دعوته . وفي بغداد كان ثمة داعية للفكر البهائي يدعى ( محمد ابن شيل ) وانضمّ اليه اتباع كثيرون مما اضطر والي بغداد ( محمد نجيب باشا ) الى حبسه وفرّ من الاقامة الجبرية على السيدة (قرّة العين ) أو ( زرين تاج ) أي ( تاج الذهب ) ، وقد مكثت في دار السيد الفقية صاحب تفسير (روح المعاني): ( ابي الثناء محمود الآلوسي ابن السيد عبد الله الخطيب البغدادي ) . وكانت هذه السيدة قد تأثرت الى مدى بعيد بأفكار وشطحات المـُغالين من المتصوفة(الدروايش) .
يمتلك الاستاذ ( عباس العزاوي ) مجموعة نادرة بخط اليد وبخط كاتبه الخاص ( محمد ابن حسين ابن عبد الله ) ولعلها آلت اليه بالشراء أو هي أصلاً من مـُخلفات الآلوسيين .و (حديقة النجيبية ) التي ورد ذكرها ، راحت تشهد اجتماعات للبهائيين ابتداءً من سنة 1279 هـ- 1862 م ، حيث ظهرت شخصية ( حسين علي ابن عباس النوري ) ، الذي قصد بغداد بقصد زيارة الأضرحة الاسلامية ، وبدأت الدعوة تنتشر في بغداد ، وظهر نشاط ولده ( عباس أفندي ) في نشر تلك الدعوة . وكان من تلاميذ العلامة ( عبد السلام الشواف )، وهو من ابناء محلة الشيخ صندل في الكرخ ، ودار الشواف رُكن تواجه دار المفتي (ابي الثناء الآلوسي ) ، وكان ( عباس أفندي ) يتردد على الشواف ليتم درس ما بداه عليه في رحاب الحضرة الگيلانية،وهي دروس العربية .
و ( عباس أفندي ) عـُر ِفَ فيما بعد بـ ( عبد البهاء ) وان السيدة (فرو غيت ) هي بنت البهاء .. ومن أسس الدعوة البهائية عقيدة وحدة الوجود السابقة لهم والتي تبنتها ملل عدة.وقد توفي البهاءسنة 1890 م وكتبهُ مشهورة ومنها : ( جواهر الأسرار ) و ( الأقدس ) و ( الاشراقات ) و ( الطرازات ) و ( الألواح ).وبحسب علي الوردي فإن الأقدس هو كتابهم الديني، الذي وجه إليه النقد المنهجي ولاسيما في الصياغة اللغوية الركيكة. وكان ولده عباس أفندي أقدر منه في الكتابة والبيان والإيضاح وكان خلفاً له .ومن ذرية عباس أفندي، جاء الى بغداد بعد الاحتلال البريطاني ( حسين أفنان ) ، وشـَغـِلَ وظائف عالية ، وعلى يده انتشرت ( البهائية ) في العراق ودول الجوار.ونتذكر جميعا إحدى رموزها رئيس وزراء إيران الأنيق، في عهد الشاه عباس خلعتبري.
ويقف القلم عند شخصية يثار حولها الجدل، هي السيدة ( قرة العين ) الراعية والداعية الى هذا الدين ، حتى ضاقت بها حدود العلماء في ايران وبعض مدن العراق فحرضوا عليها الوالي ( نجيب باشا ) فأودعت في بيته ، وجرى بين المفتي وبينها محاورات دونـّها في اوراق- تشبه المحضر- ثمّ سلمها الى الوالي في سراياه . ووجد البهائيون ان هذه السيدة هي بـِحـُكم السجينة لدى ( ابي الثناء ) فراحوا يرسلون اليه التهديدات ليـُطلـِق سرحها ، ولكنه خاف عليها فسلمها الى مختار محلة ( العوينة ) كبير شقاوات زمانه،وذو السمعة التي مكثت قرن من بعده وضرب به مثل الكرم”خواردلوغيه”: ( أبو جاسم لـَرّ ) .
كان الشيخ الحنبلي ( سليمان الغنام )،وهو من شخصيات بغداد المعروفة ذو الأصول النجدية(العكيلي) المتواجدة في حائل والمعروفة بتجارتها مع الجزيرة ودول الشرق.وهذا الرجل من أهل الكرخ ، وقد بنى مسجداً في المحلة المـُسماة بأسمه الى اليوم ( محلة سليمان الغنام ) ، وتقع بين محلتي الشيخ صندل والشيخ بشار ، وله دار كبرى هي ملتقى الشعراء والأدباء والعلماء وشيوخ عشيرة ( عقيل ) .وقد أصطدم هذا الشيخ العربي الجليل بالوالي ( محمد نجيب باشا ) فأمر بصلبه على رأس الجسر الخشبي سنة 1258 هـ- 1842 م لأسباب لاتزال مجهولة ، ونرجح من أجل الإستحواذ على ماله الذي جمعه من قوافل الأبل العابرة للصحراء. وقد رثاه الشعراء ومنهم السيد عبد الغفار الأخرس لشجاعته وجرأته ونزعته”العروبية” وكرمه . وداره العامرة كان لها ملحق هو بمثابة دار للضيافة ، وقد آلت الى معبد للبهائية فيما بعد وجرت عليها ظروب الخطوب. بل وصل أمر النزاع عليها بين (الشيعة ) والبهائيين الى أعلى المحافل الدولية (بيت بهاء الله الذي سكنه اثناء اقامته في بغداد وقد حالت ملكيته للبهائيين بعد ان تم أهدائه لهم من قبل عائلة الغنام ووقد اثيرت حوله فتنة وتم تزوير وثائق في عشرينيات القرن الماضي (بعد ان تم تجديده من قبل البهائيين بأمر من عباس أفندي) وأستولو على البيت وجعلوه حسينية) وتوكل الشيخ ( أمجد الزهاوي ) رحمه الله محارباً مدافعاً عن وجهة نظر (الشيعة ) فصدر حكم المحكمة لصالحهم .وكان القائم على أمر خدمتها المرحوم (محمود عيسى القذيني ) والد المرحوم ( عبد العزيز القذيني ) ، وكان رجلاً ساكناً ، دمث الاخلاق ، قليل الكلام .
والبهائيون يحاولون الابتعاد عن الخوض في السياسة، وهم وديعون مسالمون، لا يعلنون تكفير للآخر، ولا ينشرون افكارهم بين الطبقات الدنيا في المجتمعات ، وكان للمرحوم ( حسين الفلفلي ) صاحب ( مكتبة الزوراء ) معلومات وفيرة عنهم ، ذلك انه عاش في محلة الشيخ بشار قريباً منهم وحاورهم وأطلـّع على الكثير من آرائهم .
وفي عائلة آل النواب التي سكن كثير منها أطراف الكاظمية ويشاع أنهم من أصل شيعي هندي، من آمن بالفكر البهائي ، وكانت السيدة ( نعيمة الوكيل ) صاحبة جريدة 14 تموز على اطلاع واسع في تاريخ الحركة البهائية . وجريدة ( الشرق ) التي أصدرها الاستاذ ( حسين افنان ) الذي تلقـّب ب ( الفلسطيني ) ،والتي صدر عددها الأول في بغداد بتأريخ 30- آب- 1920 ، التي روجت ودعمت السياسة البريطانية واستمرت أقل من شهرين ، حيث توقفت في 18- تشرين الثاني- 1920 ، وذلك لتعيين صاحبها بوظيفة سكرتير ديوان بمجلس الوزراء عند قيام الحكومة الوطنية ، ومن الطريف انه كتب تحت اسم الصحيفة ( سعر الواحدة آنة ، وإذا فات يومها فآنتان ) ،وهي مفارقة، حيث أن الصحف تفقد قيمتها بعد مرور الأيام. ونجد اليوم جملة من اعدادها في مكتبة المتحف ، و في دار الوثائق ، ولم نجد على صفحاتها شيئاً من فكر البهائية .
ومن السابقين الذين كتبوا في ( البهائية ) :المعلم بطرس البستاني في ( دائرة المعارف ، ج 5 ، ص 26- 28 ، بيروت ، ط 1 عام 1881 م ) . والسيد فضل الله- وهو منهم- في مجلة المقتطف- القاهرة عام 1896 ، مجلد 20 ، ص 650- 657 . ومحمد فريد وجدي في دائرة معارف القرن العشرين ، الرابع عشر الهجري . 2 - 1605 ، القاهرة عام 1911 . وللسيد محمود شكري الآلوسي في كتابه ( مختصر التحفة الاثني عشرية ) كلام مختصر فيهم ، طبع في الهند .ولديهم تجمعات كبيرة في أوربا والهند وأمريكا ولاسيما البرازيل.
والبهائيين يتجهون- اثناء طقوسهم الى مدينة عكا ، فهي من الأماكن المقدسة لديهم ، وهي بمثابة القبلة لديهم ، وذلك ان ( البهاء ) وأتباعه تم نفيهم الى هذه المدينة فأقاموا بها ، وقد توفي سنة 1892 م وكان أبعد الى فلسطين من مدينة ( أدرنة ) التركية بعد مشادة جرت بينه وبين ( صبح الأزل ) سنة 1285 هـ- 1868 م و (صبح ) وأسمه ( يحيى ) أتخذ من جزيرة ( قبرص ) سكناً له .وفي حيفا اليوم لديهم معبد ،يعد من أجمل الصروح المعمارية، وكذلك في الهند المشهور بهيئته على شكل وردة اللوتس.
وثمة حقيقة بأن كثير من الذين كتبوا عن ( البهائية ) لم يطلعوا على مؤلفاتهم وأفكارهم ، لذلك نأوا عن الحقيقة نأياً بيناً واتهموهم بالانحلال الخلقي والكفر والالحاد، عدا بحوث قليلة مثل التي قدمها رشيد الخيون اخيراً . وكان عبد الرزاق الحسني كتب عنهم واصبح مصدرا مهما .
والغريب ان القوم لم يتركوا آثاراً اجتماعية أو ثقافية في بغداد، رغم أن كان لهم تجمع في ديالى أكثر .ولا يمكن مقارنتهم بيهود بغداد مثلا، الذين كانت لهم مآثر وآثار واسعة في العراق. واليوم نجد في حي بغداد الجديدة جنوب العاصمة مقبرة للبهائيين لعلها لازالت قائمة الى يومنا هذا ، وفي عهد الزعيم عبد الكريم قاسم أقرت وزارة الداخلية كتابة ( الاسلام ) في حقل ( الديانة ) من دفاتر نفوسهم وحذفت كلمة ( البهائية ) منها. كانت وزارة الداخلية قد أصدرت كتاباً برقم 2668 في 11- 4- 1965 ، حرمـّت بموجبه نشاط البهائية في العراق استناداً الى الفقرة 16 من المادة الرابعة من قانون السلامة الوطنية رقم 4 لسنة 1965 ، وقد تقرر فيه غلق جميع المحافل البهائية في العراق وضبط محتوياتها .
إلا ان السلطات يومئذٍ لم تكن جادة في تنفيذ القرار فبقي للنشاط البهائي وجود ولو محدود ……
ومازالت الكتابة عن الديانة البهائية تحتاج الى الدقة والنزاهة وشيئاً من الحيادية البعيدة عن التعصب والنقد الجارح، والتعامل مع تأريخهم على أنه جزء من الأرث الثقافي العراقي فضلاً عن انهم ديانة معترف بها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الشبهات حول البهائية
سليم عيسى ( 2015 / 7 / 9 - 04:39 )
تحية استاذ مازن, في الستينات ونتيجة انتماء بعض اليهود العراقيين الى البهائية ووجود المعبد البهائي في اسرائيل, فقد دفع الامن احد ضباطه للتظاهر بالانتماء الى البهائية وبالتالي الحصول على بعض المعلومات التي اعتبرتها الحكومة انذاك كافية لربط البهائية باسرائيل. كما تفضلت اغلقت وصودرت الممتلكات البهائية ولم يجري سجن اي من البهائيين, او على الاقل لم يحاكم. فشل البهائيون بالحصول على اعتراف الحكومة بديانتهم بعد عام 1968. في عام 1977 ان لم اكن مخطأ اعتقل نشطاء البهائية وحوكموا وصدرت بحقهم احكام تراوحت بين الاعدام وبضع سنوات سجن, الا ان اي من عقوبات الاعدام لم تنفذ. عندما اصبح المرحوم صدام رئيسا اصدر عفوا عن البهائيين وكذا الماسونيين وجماعة مسيحية لم تكن مجازة, السبب, ان اي من تلكم الجماعات لم تكن قد ارتكبت جرائم وفق القانون العراقي. المهم, لقد اثبت التاريخ ان الاضطهاد لن ينهي اية عقيدة, اكانت دينية او سيايسية... , ان لم يكن في الحقيقة يقويها. آن لنا ان نفتح عقولنا وان نتقبل الاخر. مع فائق احترامي

اخر الافلام

.. من هي نعمت شفيق؟ ولماذا اتهمت بتأجيج الأوضاع في الجامعات الأ


.. لماذا تحارب الدول التطبيق الأكثر فرفشة وشبابًا؟ | ببساطة مع




.. سهرات ومعارض ثقافية.. المدينة القديمة في طرابلس الليبية تعود


.. لبنان وإسرائيل.. نقطة اللاعودة؟ | #الظهيرة




.. الجيش الإسرائيلي يعلن استهداف بنى تحتية لحزب الله جنوبي لبنا