الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خطاب التعبئة الدينية والسوق الموازية

العربي عقون

2015 / 7 / 10
الارهاب, الحرب والسلام


العاطفة الدينية من أقوى العواطف التي يمكن أن تحقق التعبئة العامّة في ظرف وجيز وأن ترصّ الصفوف سواء على المستوى الشعبي أو على مستوى الجيوش النظامية والمعروف انه خلال قيام الحروب تروج تجارة الأسلحة من كل نوع إلا نوعا واحدا لا يباع بل ينتج محليا وهو سلاح "المعنويات" وهذا السلاح يكون في تمام فعاليته عندما يشحن بالعاطفة الدينية بحيث يتم اختيار مشاهد من التاريخ القومي ومن النصوص الدينية لشحذ الهمم ويكون "الاستشهاد" في أعلى هرم القيم الوطنية.
في التاريخ الحديث رأينا كيف أن التعبئة "الدينية" ساهمت بقسط كبير في الحث على التضحية من أجل حرية الشعوب وكرامتها ، لكن وكما يبدو أنّ من قادوا حركات الاستقلال في العالم العربي "السنّي" لم ينتبهوا – بعد تحقيق استقلال الأوطان - إلى الخطر الذي يمكن أن تكون له عواقب وخيمة إذا تركوا الأمر كما هو دون تدبّر أي إذا لم يتمّ التحكّم في الخطاب "التعبوي" الديني - الذي يمكن أن يستهدف استقرار البلد أو قلب نظام الحكم أو جر الجماهير إلى ثورات مضادّة - وهو كما أشرنا أمضى سلاح وأخطره خاصة في الأوساط الشعبية وبالذات وسط جماهير سنّية ليس لها تأطير منتظم مما يجعل الانفلات واردا وسهلا.
كان الخطاب الديني التعبوي يستهدف الاستعمار الأجنبي ويسترخص النفس والنفيس في سبيل تحرير الأوطان والإنسان فاستجابت الشعوب لذلك الخطاب وانتصرت وتحررت لكن انتقال تلك البلدان إلى وضع جديد في ظل الدولة الوطنية يتطلب التحكم في ذلك الخطاب والحؤول دون اختطاف الأوساط الظلامية له خاصة وان القيادات غير الكفأة التي استلمت الحكم غداة الاستقلال كانت تعتمد على قوة حمقاء خرقاء لا تعرف الا الانقلابات واستيراد فلسفات دون فهم جوهرها ومدى انسجامها مع ذهنيات شعوبها ولم تكن في مستوى يسمح لها بحسن التدبر واستشراف المستقبل.
قيادات لا تعرف أبسط أبجديات السياسة ، ولو سألت أحدهم حينها ما هي الثورة المضادّة ما أجابك ، قيادات أمسكت بالقوة الخشنة وغفلت عن الدور المشبوه الذي تقوم به "قوة ناعمة" ، لقد تركت سلك التعليم والمناهج التربوية وإعداد المقررات المدرسية لتلك القوة "الناعمة" التي ظلت تشتغل في راحة تامة لتقويض أركان دولة الاستقلال وزرع بل تاسيس طائفيات مدمّرة للشعوب ومحبِطة لنضالاتها.
قيادات تجهل تاريخ بلادها في عمقه ، لو كان هؤلاء على اطلاع بقصة بابك الخرّمي وقلعة ألاموت وأبي عبد الله الصنعاني وأيديولوجية المهدي المنتظر التي غُرِّر بها سذّج الجزائر ذات تاريخ في ذات عصر ما تكرر ذات الفعل باستقدام مشايخ الطائفية والمذهبية التي ستحرق أوطانهم ، التي لم تكن أبدا في حاجة إلى احياء "أخلاق وطقوس" من عهود الانحطاط والظلام وتغرير الجماهير بيوتوبيا الخلافة !
بعد الدين لا شيء أخطر من التاريخ ، أما إذا التقى التاريخ بالدين وأصبح الاثنان في أيدي حمقى أو منظرين لخراب الأوطان ومدمّري الشعوب - خارج الفضاء الأكاديمي المنهجي- في ما يشبه سوق موازية l’informel religieux تروّج للثأر والانتقام وتزرع الكراهية وتقرا التاريخ "المقدس" قراءة نصية دوغمائية فإن الكارثة ستحُل ولن يوقفها أحد ، وسينتشر "عصاب" التاريخ بشعاراته العدوانية "النازية" التي تستدعي أشباح الماضي على غرار ما نرى من اتخاذ أسماء قادة حروب "الفتوحات" وأسماء من العربي الفصيح "أبو كذا ... " ومن آيات النصوص المقدّسة وكلها أسماء مستعارة Pseudonymes من التاريخ الاسلامي لها تأثيرها العميق على نفوس المؤمنين من جماهير العامّة على الخصوص.
عوض أن تتجه هذه "التعبئة" إلى تهذيب الإنسان وترقية السلوك الفردي والجماعي بالمثل والقيم التي تبني الحضارات كالحث على الأخلاق العملية والصدق في القول والعمل والحضور إلى موقع العمل في الوقت والمغادرة في الوقت ونبذ البيروقراطية واحترام كرامة الإنسان وهي أخلاق تدعو إليها كل الديانات التي مهما اختلفت في الشكل فإنها تتفق في المضمون إلا أنّ ما حدث في عالم الإسلام السني هو الانفلات التام في غياب وجود هيئة دينية يتم فيها التدرج في الوظائف بحجة ساذجة وهي لا واسطة بين الله والإنسان وان الإسلام ليس فيه "اكليروس" هذه المغالاة في تنفيذ هذه الحجة الساذجة هي التي جعلت أيّ أفّاق يمكن أن يعتلي المنابر السنية لنشر البلبلة وزرع بذور الفتنة وهو ما نراه اليوم في العالم السني.
هذا الوضع أفرز سوقا موازية يروج فيها خطاب ديني متشدد متزمت معادٍ للتحضر والحضارة والتعايش السلمي يفرض على أتباعه زيا واحدا على غرار شبيبة موسوليني الفاشية وظل هذا الخطاب "التعبوي" يتضخم حتى سيطر على المجتمع وهو يتوثب لاختطاف السلطة من الحكومات القائمة مستغلا فشلها لتنصيب محاكم تفتيش وتسليط أحكام الحساب والعقاب على الناس في دنياهم قبل آخرتهم.
يحذرون من عبد الله بن سبـأ ولا يعرفون عنه شيئا بدليل ترك الجماهير بين أيدي عشرات "السبئيين" يجوبون البلاد طولا وعرضا وأصواتهم المنكرة وسمومهم القاتلة تنطلق من المآذن وتنزل من الساتل كالصواعق القاتلة ، ولما تحقق لهم ما يريدون حيث أصبحت جماهير المجتمعات "السنّية" أسيرة الفعل المنعكس الشرطي "الانتخابي الاسلاموي" أصبحوا يلوِّحون بشعارات الديمقراطية "الكهنوتية" ومشروعية الصندوق بعد أن شلوا الإرادة الجماهيرية وقايضوا كل شيء في سوقهم الموازية بالحور والولدان وأنهار اللبن والعسل فسبحان الله ولا حول ولا قوة الا بالله.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - يا جزائريين ... احذروا الوهابية التكفيرية
الشهيد كسيلة ( 2015 / 7 / 12 - 03:31 )
ان كنت تلمّح للجزائر فهي الى اليوم ليس فيها من يقف امام اكتساح ايديولوجيا النكفير الوهابية وكانت الطبقةالحاكمة ولا تزال لا تدرك ابعاد ما يخطط له الوهابيون والدليل العجز التام بل الغفلة وقلة الاكتراث لما يحدث في غرداية الى ان وصل الوضع الى ما وصل

وانظر هنا كيف ان مقالا هاما كهذا لا احد يهتم به او يكترث له من الجزائريين مما يدل على انهم لا يقراون افكار التنويبر ولو كتبت في مدح طقوس الموت وزرع الفتنة لوجدت هنا عشرات المهللين

كل التقدير لك دكتور

اخر الافلام

.. أهلا بكم في أسعد -أتعس دولة في العالم-!| الأخبار


.. الهند في عهد مودي.. قوة يستهان بها؟ | بتوقيت برلين




.. الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تزداد في الجامعات الأمريكية..


.. فرنسا.. إعاقات لا تراها العين • فرانس 24 / FRANCE 24




.. أميركا تستفز روسيا بإرسال صورايخ سراً إلى أوكراينا.. فكيف ير