الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكاية عمر الشريف مع الكوريين!

محمود عبد الغفار غيضان

2015 / 7 / 11
الادب والفن




بداخلنا جميعًا رغبة في بقاء الذكر بعد تركنا هذه الحياة الدنيا. ومن أبلغ ما قرأت تجسيدًا لهذه الحالة الإنسانية العامة ما قاله "أندرو بنّت": (لو أحبني الناس فسوف تكون لي حياة مؤقتة بعد موتى في ذكريات من يحبونني، ولو كنت قائدًا سياسيًّا أو عسكريًّا فسوف أبقى كجزء من تاريخ أُمَّتي، ولو أنني أؤمن بالله فسيمكنني أن أتخيل لروحي حياة بعد الموت، ولو كنت كاتبًا فإنني سوف أحيا في حياة الأوراق التي كتبتها كما يعبر(Wallace Stevens) عن ذلك بقوله:
لقد تركنا ما هو أكثر من العظام
تركنا ما يزال كتاب الأشياء،
تركنا ما شعرنا به،
وما رأيناه ( )

ليس هناك ضمان لبقاء ذكر الكاتب أو الفنان بشكل عام غير الناس. وجود الكتب وحدها أو الأعمال الفنية دون قارئ أو متابع لا قيمة له على الإطلاق. أما عن تعلق الناس بكاتب دون آخر أو فنان معين فهذا أمر من أصعب الأمور التي يمكن لباحث أن يفسرها. وقد توقفت عند العوامل التي تصنع نجومية الشاعر- مثلا- في أطروحتي للماجستير وطرحت العديد من الفرضيات مع الكثير من العوامل سعيًا لتفسير ما أسميته في نهاية المطاف "لغز الشهرة الأدبية"، وحتى لا نبتعد عن موضوعنا الآن فسأكتفي بالقول بأن الصدق بجانب الكيمياء الإنسانية والتكوينة الخاصة بالفنان كلها عوامل تؤثر في حب الجمهور وتعلقه بالكاتب أو الفنان. هذا الحب الذي يظهر في مناسبات عديدة في حياة الفنان لكنه يظهر بأقصى درجات الوضوح عند سماع خبر "موته".

صباح اليوم، العاشر من يوليو 2015م، لم أعرف خبر موت الفنان "عمر الشريف" من موقع أو محطة إخبارية، وإنما عرفت ذلك من صفحات الكثير من الأصدقاء الذين تداولوا الخبر داعين له بالرحمة والمغفرة ولعل هذا أنبل وأجمل ما كان عمر الشريف نفسه يتمنى أن ينال حيًّا أو ميَّتًا. بل إنني عرفت للمرة الأولى أن لعمر الشريف "ابن" مما أكد فكرتي عن زيف الاعتقاد المتأصل في ثقافتنا بأن "الابن" هو خير ضمان لبقاء ذكر الأب بعد الموت!!!

قبل عدة سنوات وعندما وصلت إلى كوريا الجنوبية لاحظت بعد مرات قليلة من دخولي إلى الـــ"سوبر ماركت" القريب من بيتي وجود نوع من السجائر اسمه "عمر الشريف". بعد أن أصبح وجهي مألوفًا للبائع وبعد أن عرف أنني مصري وصرنا نتبادل التحية كلما دخلت إلى المحل سألته: "هل تعرف من أي بلد عمر الشريف؟ قال: "مي جوك"؟ فابتسمت دون مبالغة كي لا أغضبه. ففي ذلك الوقت وفي الجنوب حيث كنت أسكن كان عدد الأجانب قليلاً وكان يُنظر إليهم جميعًا على أنهم "أمريكان". حتى أنا ومع ملامحي الشرقية الواضحة كان سائقو التاكسي عند السؤال عن جنسيتي يقولون "ميجوك سارام؟ هل أنت أمريكي؟". مرت سنوات وتعلم الكوريون الكثير بعد ازدياد الأجانب بشكل يفوق الوصف فأصبح السائقون يقولون "إندو سارام؟" هل أنت هندي؟ وبعضهم كان يخمن أنني عربي فكنت أسعد بالتخمين ولا أدري سر غيظي من نسبتي إلى الهند؟!. على أية حال قلت للبائع آنذاك إن عمر الشريف مصري الجنسية. فكان الرجل يغبطني على هذه الصلة بيني وبين عمر الشريف وكأنني قلت له إن مصر هي صاحبة شركة "سامسونج" مثلا.
عرفت بعد ذلك أن الكوريين متابعين جيدين جدًا للسينما العالمية وبخاصة الأمريكية. لن تجد ممثلا أو مخرجًا أمريكيًّا إلا ويعرفه الكوريون. تحضرني هنا مقولة طريفة للنجم الأمريكي الشهير "روبرت دواني" بطل سلسلة أفلام "Iron Man": (كلما افتقدتُ إلى الإحساس أنني نجم مشهور ووسيم سافرت إلى كوريا الجنوبية.) ذلك لأن وصوله إلى هناك كفيل بأن يتجمع الآلاف حول المطار لاستقباله بشكل أسطوري. لقد شاهد الكوريون أهم الأفلام التي شارك فيها عمر الشريف وأحبوه حتى حملت علب السجائر اسمه. بل إن بعض الشركات الأخرى قد وضعت اسم عمر الشريف على الكثير من منتجاتها. هذا يعني أنَّ عمر الشريف قدم لمصر في دولة واحدة ما تعجز الخارجية المصرية عن تقديمه ولو افتتحت أفرعًا لسفارتها بعدد الأقاليم الكورية دون أن يكلف الخزانة المصرية مليمًا واحدًا بل على العكس قدم لها من الدعايا ما لا يمكن للهيئة العامة للاستعلامات بجلالة قدرها أن تقدمه!!
رحم الله عمر الشريف وغفر له وأسكنه فسيح جناته.
محمود عبد الغفار
أكاديمي بجامعة القاهرة
.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع


.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي




.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل


.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج




.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما