الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حقوق المرأة السياسية في الدساتير العراقية ، دراسة مقارنة.

عقيل الناصري

2015 / 7 / 13
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


حقوق المرأة السياسية في الدساتير العراقية ، دراسة مقارنة.

عرض كتاب: حقوق المرأة السياسية في الدساتير العراقية ، دراسة مقارنة.
بدأت، منذ قرابة قرن مضى، تحتل مسألة حقوق المرأة في الادب السياسي والاجتماعي، مكانتها المعرفية وتم تبنيها من قبل بعض الافراد المحوريين من النخبة المثقفة سياسيا في ظروف، اقل ما يقال عنها، أن المراة كانت تقبع في دارها، لا تخرج منه إلا للزواج أو القبر، وفي مجتمع ذكوري القيم كانت المرأة تُعد جزءً من ملكية الرجل وقوام عليها، ويرى أن تعليم المرأة هي دعوة إلى التفسخ والانحلال، ما بالك عن المساهمة في عملية الانتاج الاجتماعي والتمتع بما اعطتها الطبيعة من دور كبير للتوازن الاجتمانفسي والحفاظ على الجنس البشري.
لقد تميزت الحركة النسوية في العراق في سياق تحقيق ذاتها ورؤيتها المساواتية المتكافئة، كما اعتقد، بمرحلتين متداخلتين:
الأولى: مرحلة النشوء والتكوين:
لقد ظهرت هذه البوادر منذ مطلع القرن العشرين رغم قساوة الظروف وسيادة التخلف وما رافقها من البدع الخرافية والتفسيرات الاسطورية في عقول والسلوك الاجتمانفسي لإغلبية الناس، ومع ذلك فقد انبرت شخصيات لها مكانتها في الوسط الاجتماثقافي تناصر الحق الطبيعي للمرأة في المساواة، كان منهم في هذه المرحلة المرجع الديني الاصلاحي البارز محمد حسين النائيني والشيخ أحمد الداوود، داعين إلى ضرورة الاهتمام بالمراة وتعليمها. كما ساهم الشاعر جميل صدقي الزهاوي للدفاع عن تحرير المرأة من القيود الاجتماعية البالية ومنحها حقوقها ومساواتها بالرجل وعاضده الشاعر معروف الرصافي في مواقفه هذه . وأخذت صيرورة الدفاع عن المرأة وحقوقها الطبيعية على الاقل، تأخذ موضع الصدارة والتوسع رويدا رويدا وقد ازدادت وتيرتها بعد نهاية الحرب العالمية الأولى وبالتحديد منذ عام 1919 ، ومن ثم بعد تأسيس الدولة العراقية المعاصرة في 1921.
وأول من تلقف هذا الموضوع وتبناه وعالجه على اسس علمية ذو نظرة تقدمية، هم حركة الرواد الأوائل للفكر الاشتراكي (جماعة حسين الرحال ومجلتهم الصحيفة )منذ عام 1920 ، وقد طالبوا عبر مجلتهم، بتحرير المرأة الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. ومن بعدهم تشكلت اول جمعية نسوية عام 1923 برئاسة اسماء الزهاوي، تزامن معها، صدور اول مجلة نسوية (مجلة ليلى) في ذات العام من قبل بولينا حسون. ومن ثم تبني هذه الفكرة وطورها الجيل الثاني للرواد الاوائل المتمثل بكل من: جماعة الاهالي وأعضاء الحلقات الماركسية، واصبحت أهم ما يميزهم عن الحركات الاجتماسياسية الأخرى. مما وسم هذه الظاهرة بالنظرة التقدمية. كما ان توسيع التعليم العالي واقتحام المرأة العراقية هذا المجال قد فتح الابواب على مصرعيها امام النساء المتعلمات ليرفعن وتيرة المطالبة المساواتية، حسب الممكن والمتاح، من خلال جمعياتهن وتجمعاتهن وتبني الحركات الديمقراطية واليسارية لها، الذي اقترن بأن ينتخب الحزب الشيوعي العراقي أحد النسوة ( أمينة الرحال) إلى عضوية اللجنة المركزية له مما أدى ، ولأول مرة في تاريخ الاحزاب السياسية، إلى انضمام الكثير من النساء له.. مما حدى بالاكاديمي حنا بطاطو إلى أن يستقرأ الحالة ويقول: ( الماركسية دخلت إلى عقول العراقيين بشكل غير معلن وغير ملحوظ مرتدية ثياب تحرر المرأة ). مما ساعد على انتشار شعاع وعي الحقوق النسوية وتبنيه من قبل قطاعات اجتماعية واسعة من الذكور والاناث على السواء، والدليل على ذلك بروز جمعيات تهتم بشؤون المرأة الاجتماعية والثقافية. وهكذا خرجت عملية تحرير المرأة من مجرد دعوات اخلاقية متفرقة من هذا المصلح إلى ذلك السياسي إلى صيرورة اجتماسياسية وفكرية رافقت العملية التاريخية لتطور الظاهرة العراقية بكل ابعادها.
الثانية : التبلور والارتقاء
وهذه المرحلة تتداخل ماهياتها الزمنية مع المرحلة السابقة، وتبتدأ منذ مطلع الاربعينيات، بعد التوسع في مناحي التعليم النسوي وازدادت وتائره النوعية والكمية بالارتقاء، بحيث أخذ نشاط المرأة ليس مقتصرا على البعد الاجتماعي والصحي بل ساهمت في الممارسة السياسية من خلال، في البدء، الجمعية النسائية لمكافحة النازية والفاشية، ثم الرابطة النسائية وفي الخمسينيات ضمن رابطة الدفاع عن حقوق المرأة.
وقد تعمق واشتد نضال المرأة العراقية بصورة خاصة بعد ثورة 14 تموز، حيث تعددت التنظيمات النسوية واتسع نشاطها ليشمل العراق جغرافيةً ومكونات اجتماعية، كما تعددت انتماءاتها السياسية والفكرية وتعمقت في الوقت نفسه الدراسة الاكاديمية والسياسية والمطلبية الاجتماعية ( المتحرر من الاضطهاد الطبقي والقومي والاثني والنفسي والذكوري الابوي)، بعد ارتفاع وتيرة التأثير {من القاع} قبل وبعد صدور قانون الاحوال الشخصية لعام 1959. وأستيزار اول أمرأة في العالم العربي. وما رافق ذلك من تحولات اجتصادية سياسية فكرية طالت الشرائح الاجتماعية برمتها. فكان عهد التنوير والحداثة ليس لوضعية المرأة وبخاصة المدينية، بل لعموم الواقع العراقي.
والكتاب الذي نستعرضه هو ثمرة من ثمار الجهد الاكاديمي والدراسات المعمقة التي تناولت موضوع حقوق المرأة السياسية دستوريا ليس بالعراق وحده ، وانما بالمقارنة مع ذات الحقوق في كل من مصر ولبنان والمغرب . يتكون الكتاب من ثلاثة فصول، وكل فصل احتوى على مبحثين، وكل مبحث قُسم إلى عدة مطالب. كما استخدم المؤلف كم كبير من المصادر توزعت بين : الكتب (64) ؛ الاطاريح والرسائل (8) ؛ الدساتير والقوانين والانظمة (65) ؛ المواثيق الدولية (12) ؛ قرارات المحاكم (8) ؛ المقالات (3) . وقد استخدم (8) مواقع الكترونية.
لقد توزعت هذه المصادر على مختلف المدارس الفكرية القانونية والسياسية، كذلك على قرارات المحكمة الدستورية. اتسم بعضها بالرؤية المحلية والأخرى بالقانونية العامة. هذا الكم الوفير من المصادر انعكس في ماهيات الكتاب وتحليللاته للمواد الدستورية المقارنة على وفق المشترك العام لهذه البلدان والتركيز على المحلية الخاصة بهذا البلد أو ذاك. مما وسم الكتاب بنكهة خاصة اساسها الصدق والموضوعية ومنبتها المفاهية العلمية ومنهجها التحليلي المقارن بتاريخيته.
وفي الوقت نفسه تتبع الكتاب بصورة مكثفة جدا التطورات الدستورية لموضوعة الحقوق السياسية للمرأة ما قبل تأسيس الدولة العراقية أي الفترة العثمانية المظلمة ومن ثم القانون الاساسي (الدستور) لعام 1925 وتعديلاته ومن ثم الدستور المؤقت للجمهورية الأولى لعام 1958 وكذلك دساتير 1964و 1968 و1970، ومن ثم التوقف الموسع للدستور الدائم لعام 2005. مشيرا إلى ماهيات هذه الحقوق ليس من خلال النص الدستوري فحسب بل المساهمة الفعلية لممارسة هذا الحقوق على أرض الواقع المادي وتطوراته في الأزمان المختلفة.
لقد تناول الفصل الأول (78 ص) الحقوق السياسية للمرأة في البدء، كمفاهيم مجردة ومن ثم تابع تطوراتها التاريخية المشتقة من تطور كفاح المرأة وانعكاساته على الجانب الدستوري ومن المواثيق الدولية . ومن ثم عكف على ما يخص العراق، مؤكد (ص.37) على ان القانون الاساسي العراقي لعام 1925، "... لم يتضمن منح المرأة حقوقا سياسية، حيث نصت المادة السادسة منه على أنه : لا فرق بين العراقيين في الحقوق أمام القانون، وإن اختلفوا في القومية واللغة والدين. أي انه لم يذكر الاختلاف في الجنس... والنص يخص الذكور ولم يكن شاملاً للإناث". وخلص الفصل إلى عقد مقارنة مع ماهو سائد في مصر ولبنان والمغرب.
اما الفصل الثاني (91ص) فقد تناول حقوق المرأة في الانتخاب والترشيح في النظام الدستوري العراقي والدول المقارن معها.. بالنسبة للعراق فقد تناول الموضوع على وفق تسلسله التاريخي في المرحلة الملكية والجمهورية وقسم كل مرحلة إلى أجزائها.. مشيرا (ص.105) إلى أن الدستور المؤقت لعام 1958، لأول مرة يتم إلغاء التمييز بسبب الجنس على وفق المادة التاسعة منه. وأن المشرعقد ساوى بينهما في ممارسة الحقوق السياسية. ولهذا ولأزل مرة في العهد الجمهوري تصبح المرأة العراقية دستوريا ذات مكانة اجتماعية وتمن حقوقا لمشاركتها في الحياة العامة. ثم تابع هاتين الموضوعتين حسب الدساتير التي أقرت سواءُ بالعهد الملكي او الجمهوري.
اما الفصل الثالث ( 135ص) فقد عالج الوضع الدستوري الحالي للمرأة في النظام العراقي سواءً على المركز( البرلمان) أو المحافضات ( المجالس المحلية)، متطرقاً إلى تطور مفهوم حق الانتخاب والترشيح للمرأة في النضام الديتوري، مشيرا بعد ذلك إلى مشاركة المرأة في العمل البرلماني خاتما هذا الفصل بفحص عياني تقيمي لممارستهن في هذه المجالس التشريعية من خلال التمييز الايجابي والذي يعنى به هنا (صفحة 235): " تحديد نسبة معينة أو عدد محدد من المقاعد في السلطة التشريعية أو غيرها للمرأة، أو لمكون اجتماعي صغيركما في العراق للمرأة وللصابئة المندائيين أو المسيحيين أو الإيزيديين أو الشبك أو الكورد الفيليين...". منطلقا من ان هذا النظام هو جزء من اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة. وقد شرح قانونيا ممواقف الرؤى المعارضة والمؤيدة لهذه الفكرة.
وفي خاتمة هذا البحث الاكاديمي يستنتج المؤلف جملة من الاستنتاجات الأراسية منها :
أن الحقوق السياسية للمرأة لم تأت هبة أو منحة من الانظمة الحاكمة، بل تنتزع من خلال النضال الدؤوب والمتواصل ؛ ضرورة التغيير في الثقافة السياسية للرجل والمرأة على السواء ؛ للنظام السياسي دوراً في التأثير على التشريعات الحقوقية من أجل المساواة ؛ دستوريا تعتبر المرأة اللبنانية( 1952) أول من تمتع من النساء العربيات بحقوقها السياسية، وبعدها مصر(1956) فالعراق (1958) ومن ثم المغرب (1962) ؛ تحتل المرأة العراقية المركز الأول في تمثيلها في البرلمان (25%) ومصر (10%) ؛ تعتبر مصر (1979) أول دولة عربية تأخذ بسياسة التمييز الايجابي.
وهناك استنتاجات رئيسية تمثلت في :
تحديد عمر الناخب ؛ تحديد عمر المرشح ؛ تأرخت استيزار أول أمرأة في العالم العربي (نزيه الدليمي) ؛ تراجع الحقوق السياسية في العراق حسب الدستورالمؤقت لعام 1970 بسبب سياسة التبعيث ؛ تراجع مصر على مستوى الحقوق الياسية للمرأة حيث انخفضت نسبة تمثيلها من 12,5% عام 2010 إلى 2% عام 2011.
وعليه أرى ان هذا الكتاب قد اتصف ، بصورة مكثفة ب : التاريخية المقارنة ، الموضوعية في تناول حقوق المرأة السياسية ، اقتران القراءة الدستورية بالتحليل مع الواقع الملموس، الاستخدام العلمي لمنظومة المفاهيم والمقولات الدستورية. ومن سمات الرسالة الاكاديمية ايضاً أنها خرجت بجملة من التوصيات العملية سواءً منها القانونية والسياسية والفكرية ترجمتها الرسالة إلى منهاج عمل للحركات السياسية والحكومات وبخاصة ذات البعد اللبرالي والتقدمي .
ومن هذا العرض أرى ان الكتاب سيملء فراغا في المكتبة العربية عامة والعراقية بخاصة. واتمنى من المنظمات النسوية وغيرها التشبع بماهيات الكتاب ، ذات الطابع الاكاديمي، وتركيز النضال من اجل مجتمع متكافئ في الحقوق والواجبات وإلغاء التميز ضد النساء.
*** المؤلف: جاسم علي هداد.
*** دار النشر: دار الرواد المزدهرة ، بغداد 2015.
*** عدد الصفحات: 265 صفحة من القطع الكبير.
الهوامش:
- للمزيد راجع: موفق خلف غانم ، نزيه الدليمي ، ودورها في الحركة الوطنية والسياسية العراقية؛ كذلك حنا بطاطو، الطبقات الاجتماعية والحركات الثورية في العهد العثماني حتى قيام الجمهورية ، ترجمة عفيف الرزاز، المؤسسة الابحاث العربية بيروت1999.
2 - لم تكن عدد مدارس الانثاث تذكر في العهد العثماني ، وكانت تعد على الاصابع، اقتصرت مناهجها على القراءة والكتابة وبعض من علوم الدين.وفي عام 1913 تأسست اربعة مدارس لهن في بغداد فيها تطور من حيث المناهج . وفي عام 1919 تم افتتاح مدرسة حديثة بناء على توصية مس بيل. واالتي تعتمد على المناهج الحديثة آنذاك. وبعدها تم افتتاح عدة مدارس في مدن أخرى. للمزيد راجع موفق غانم، مصدر سابق.
3 - مستل من المصدر السابق، ص.28 وما بعدها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صحة وقمر - قمر الطائي تجرب التاكو السعودي بالكبدة مع الشيف ل


.. لحظة تدمير فيضانات جارفة لجسر وسط الطقس المتقلب بالشرق الأوس




.. بعد 200 يوم.. كتائب القسام: إسرائيل لم تقض على مقاتلينا في غ


.. -طريق التنمية-.. خطة أنقرة للربط بين الخليج العربي وأوروبا ع




.. سمير جعجع لسكاي نيوز عربية: حزب الله هو الأقوى عسكريا لأنه م