الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المدينة هي الزمان، والصباح هو المكان

ناصر ثابت

2015 / 7 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


المدينة هي الزمان، والصباح هو المكان
نص ناصر ثابت

أقف على ناصيةِ الشارع لا أنظر خلفي
أتأملُ صمتَ المدينة
ونهوضَها التدريجي من نومها
كنتُ أفعل ذلك في رام الله
والآن أفعلُه في "ثاوزاند أوكس"
أول مرة أكتشفُ أن كلَّ مدينة أسكنُها تحمل اسماً من مقطعين!
أتأمل الهدوءَ العادي المتناثر بين الأشياء
بين قطراتِ الندى الصباحي، وعلى وجوه الناس الذين بدأوا يقتحمون ضوءَ النهار شيئاً فشيئاً
بين الأرصفةِ الفارغة، والشوارع المملوءة بالضباب
وبين الأشجار المتناثرة في كل مكان في "ثاوزاند أوكس" وفي أماكن نادرة في رام الله
يسحرني اللون الأخضر
ويثير انتباهيَ بعضُ الجرافيتي
هنالك موسيقى ما ترافق تصاعد الحياة في عروق المدينة
موسيقى هادئة، وثلاثية الأبعاد. تكرر نفسها لكنها ليست مملة
أبادلُ الأشياء التحايا
أبوابَ البقالاتِ المغلقة
السياراتِ المتروكة ليلاً في مكانها، فريسة للندى والعتمة
العصافيرَ التي قضت ليلها في العراء
المنازلَ الجاثمة على سطور الأيام، بشكل مثير للانتباه
الجسورَ التي تتعالى على الشارع
المساحاتِ التي كانت تقبِّل الغيمَ في غبش الهدوء الليلي، وتركته وشأنه الآن لكي تعدَّ نفسَها للانطلاق
الأشياءَ المعقدة الطرية الفاخرة
واحياناً، عندما أخرجُ في جولة صباحية ما، أتبادل التحية مع الذئبِ القيوط
هذا ما يحدث لي في الزمان المسمى رام الله أو"ثاوزاند أوكس"
وفي المكان المسمى صباحاً
المدينة هي الزمن
والصباح هو المكان
والفكرة أن الحياة تدور في مفهومين لا ثالث لهما
وأن هذين المفهومين، لا يناسبان فكرة الخلود الأنانية
إذ أن الإنسان إذا مات، خرج منهما سليماً معافى
وظل المفهوم الرطب للأحلام ملازماً له
وانتصر على ذاته، وبقي في خلودٍ خفيفٍ لا بداية له ولا نهاية
يدخله، فتكون سنوات العمر لا شيء
ينسى أن يحسبَها، فتقل أهمية المكان والزمان في قلوبنا
يصبح الوطن فكرة هلامية لا نعرف تفسيرها
تتعالى على نظرية المكان الذي كنا فيها أو الذي سنرقد فيه في نهاية المطاف
الوطن هو الحب
الحب وطننا الخصوصي، ولا نحتاج إلا إليه لكي نقضي الوقت الذي يسبق الأبد
أما فيما عدا ذلك من تعريفات، فهي عملية تصغير مضحكة للكون
مثير للسخرية أن يصبح الكون قطعة نقد نضعُها في جيوبنا ونصرفها عند أول بقالة تفتح أبوابها في الصباح
ومثير للسخرية أيضاً أن يصبح الكون فكرة مستهلكة، يمضغُها الخطباء كالعلكة الرديئة
أو أن يصبح منطقاً لذبح الإنسانية، بسكين المعتقدات المليئة بالحكمة المزعومة
أو أن نستمتع بفكرة العصبية، والعرقية والعماء كأننا نعشقُ أدوات الحرب التاريخية التي قتلت الملايين بحجة نشر الخير في الأرض
يصبح الوطن كرةً، نلقيها على صفحة الماء، ونتركُ للتيار أن يحدد اتجاهها
أما نحن فنشترك مع الآخرين في الخطايا اليومية للبشر
***
فيما عدا ذلك،
لا ينبعي لنا الآن، في حدود هذه القصيدة الحزينة
إلا ان نتحدث عن تسلق المدينة لدرجات النهار الندية
شيئاً فشيئاً،
حتى يصل النور إلى نهايته
ويصل الشارع إلى قمة الجبل التي لا نعرف ماذا تخبئ لنا
عند المنحدر القادم!

28-6-2015








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لبنان.. مزيد من التصعيد بين إسرائيل وحزب الله | #غرفة_الأخبا


.. ماذا حققت إسرائيل بعد 200 يوم من الحرب؟ | #غرفة_الأخبار




.. قضية -شراء الصمت-.. الادعاء يتهم ترامب بإفساد انتخابات 2016


.. طلاب الجامعة الأمريكية بالقاهرة يهتفون دعما لفلسطين




.. قفزة في الإنفاق العسكري العالمي.. تعرف على أكبر الدول المنفق