الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل من علاقة بين الأديان والثقافات وعمر الإنسان ؟

عبد اللطيف بن سالم

2015 / 7 / 14
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


إنّ الفكر الذي لا يهزّ الكيان ولا يحرّك السواكن هو عملة مزيّفة

هل من علاقة بين الأديان والثقافات وعمر الإنسان؟


على هامش ندوة " كوبنهاقن" حول " الحوار بين الأديان والثقافات" التي دعا لها السيد Per Stig Moller وزير الخارجية الدانماركية مباشرة بعد ظهور تلك االصور الكاريكاتورية المسيئة للرسول محمد في الصحافة الدانماركية .

قد يكون وجود مفكرين أحرار حياديين نافعا جدّا في هذا الحوار، أشخاص لا منتمين لأيّ دين- وهم كثر أيضا- في مجتمعنا العالمي وسينظرون إلى المسألة من خارج الدوائر المتحاكه إذا لم نقل المتصارعة منذ زمان بعيد، ينظرون إليها من وجهة نظر أخرى لها هي أيضا مستنداتها ومقوّماتها وأهدافها الإنسانية النبيلة التي لا تقلّ أهميّة عمّا للأديان، ويطالبون في الوقت نفسه بحقهم في تبادل الاحترام والتقدير في ما بيننا وبينهم.
ماذا يمثل الدّين في حياة الإنسان؟ ولماذا كان؟
الدين في نظر العلم، علم التطوّّر وهو العلم الوحيد الحالي الذي يمكن أن ننظر منه إلى الأديان من خارجها، يمثل مرحلة من الوعي والإدراك يبلغها المرء في فترة ما من فترات العمر التي يمرّ بها وهي شبيهة في رأينا بفترة المراهقة التي يمرّ بها الإنسان الفرد ثمّ يتجاوزها إذا أمكن له أن يتجاوزها أي إذا وجد من يأخذ بيده ويساعده على الخروج منها وإلاّ واصل بقيّة أيّام عمره على تلك الحالة حتّى يفارق الدّنيا وينوبه فيها آخرون. والذين يبقون على هذه الحال يظنون دائما "وبعض الظن إثم أحيانا" أنّه ليس هناك في الدنيا مستوى من الفهم والإدراك خير من مستواهم وليس هناك دين خير من دينهم في حين تقول الإحصائيات أنّ هناك في الدنيا أكثر من ألف دين وأنّ الإنسانية في الواقع السليم تمرّ في حياتها بجميع المراحل العمرية التي يمرّ بها الإنسان الفرد، من الطفولة إلى الشباب أو المراهقة إلى الكهولة ثمّ إلى الشيخوخة، ولكلّ مرحلة من العمر كما هو معروف لدى الباحثين في الأنتروبولوجيا أو علوم التطور خصائصها الايجابية والسلبية المميزة لها كما هو الحال بالنسبة إلى المراحل العمرية التي يمرّ بها الإنسان الفرد العادي ما لم يصب في مرحلة من هذه المراحل بالانغلاق على نفسه والتعصّب لها كما لو كانت هذه المرحلة قوقعة يمنع عليه فيها الخروج منها وبالتالي فليس له إلاّ أن يدافع عن وضعه ذاك كما لو كان هو الحقيقة المطلقة التي ما بعدها حقيقة أبدا ، وبالفعل فإنّ البحوث النفسية- الاجتماعية تؤكد على وجود أناس كثيرين في العالم من هذا النوع الذي يقف نموّه العقلي في مرحلة ما من مراحل العمر ويصبح محدودا به Borné ولا يرى الدنيا إلاّ من داخل قوقعته أو "كهفه" الذي يعيش فيه ويعتقد مع ذلك أنّه دائما على حق وقد يهون الأمر لو وقف عند هذا الحدّ وإنّما المؤسف جدّا والمؤلم أحيانا أنّ هؤلاء النّاس الذين يرون أنفسهم دائما على حقّ يتصوّرون غيرهم على باطل ومنهم من يدّعون الزعامة على هذا العالم وكأنّما المرحلة التي هم فيها هي نهاية ما يمكن أن تبلغه الإنسانية من الفهم والإدراك في حين أنّ المشوار لا يزال طويلا" ولا يمكن لأحد منّا مهما أوتي من العلم والدراية التنبّؤ بعواقبه وحتّى " الأديان السماوية" في مجملها تعترف بأنّ الإنسان لم يؤت من العلم إلا قليلا وبأنّ استيعابه لمقاصد الشريعة - أية شريعة - يبقى دائما محدودا مهما أوتي من قدرة على الفهم والإدراك حتّى أنّه قد ورد في الآثار الإسلامية "أنّ القرآن يأتي يوم القيامة بكرا" أي لم تحلّ ألغازه ولم تفتح أبوابه للمتعلمين والمريدين إلاّ قليلا لذلك فإنّ شرحه أو تفسيره لم ينته منه الناس حتى الآن وكذلك الأمر بالنسبة لأصحاب الأديان الأخرى، وبالتالي فإنّ أي دين لا يمتلك لنفسه حق الإدّعاء بأنّه آخر ما انتهت إليه البشرية من الوعي والإدراك فيما يخصّ تمثّل العالم و اكتناه فحواه بدليل ما عرفناه- أيضا- عبر مسيرتنا التاريخية من تحولات في القدرة البشرية والطاقات الفكرية التي قد حققت أخيرا وليس آخرا انجازات علمية وتكنولوجية باهرة ما كان للإنسان أن يحلم بها أبدا في الزمن الماضي حتى أنّ بعضا من الناس لم يصدّق بعد بوقوعها وهناك من الناس من اعتبرها من المعجزات التي تفوق طاقة البشرمثل ارتياد الفضاء والهبوط على القمر وتركيز منصات في الفضاء الخارجي إلى غير ذ لك من المنجزات .
وإذا كان عمر الإنسان المفكّر Homo- Sapien كما يقول جون روستان أحد علماء الأنتروبولوجياالمحدثين في كتابه "الإنسان" "لا تزيد عن ألف قرن من الزمان وهذه المدّة لا تمثل سوى نسبة واحد من عشرين ألف من مجمل التاريخ أي ما يقارب أربع ثوان من نهاية يوم بأربع وعشرين ساعة، أمّا عن التاريخ الفعلي للإنسان المتحضّر فخمس الثانية الأخيرة من الساعة الأخيرة من هذا اليوم" فما عسى أن يكون إذن الحال من عمر هذا الإنسان الذي يدّعي الآن امتلاكه للحقيقة ولم يمض على وجوده و " تنوّره" إلاّ بعض من بعض ثانية من تاريخ العالم؟
هكذا يمكن القول عن الشعوب والجماعات البشرية التي هي بدورها تنمو ما يقال عن الأفراد. وقد تقف هي أيضا في مرحلة ما من مراحل نموها العقلي أو " الحضاري" وتتكلس وتتجمّد وتتقوقع في ما يعرف لدينا الآن بـ"المجموعة الاتنية" Groupe Ethnique التي لم تعد ترى الوجود إلا من داخلها لأنّها متمركزة حول ذاتها ولم تخرج بعد عن دائرتها وتصلبت في ثقافتها رغم ما يتاح لها أحيانا من فرص الاحتكاك بالآخرين وانتشار الأنوار حولها ورغم ما يسمح لها هذا الاحتكاك بمعرفة أنّ " الحقيقة ذات وجوه" وليست هناك في العلم أيّة حقيقة مطلقة.
نظرية علمية حول عمر الإنسانية
إنّ ما يدخل البهجة والسرور في نفس أيّ إنسان هو إحساسه بأنّه ليس وحده في هذه الدنيا وأنّه في تواصل مع الذين معه وأنّه معهم في تعاون مثمر وبنّاء. وإنّه لخير دليل على سلامة هذا الإحساس وحاجة الإنسان إليه ما صار يتحقق بالفعل في هذه الحقبة الأخيرة من هذا العصر من تكتّلات بشريّة ضخمة هنا وهناك على سطح هذه الأرض والتي ما كانت لتظهر في الحق - عن وعي منّا أو عن غير وعي- إلا لمواجهة ظاهرتي الموت والقلق اللتين تنخران كياننا على طول الحياة التي نعيشها وتهدّداننا بالزّوال والاندثار، لكن ومن وجهة نظر أخرى لما يحدث يبدو أنّ البشريّة في مجملها قد بلغت في هذه الحقبة من الزمن أوج مراهقتها ببلوغها اليوم أشدّ توتّرها وأنّ هذه التكتّلات البشريّة التي تكوّنت أخيرا في العالم لهي شبيهة جدّا في شكلها ومضمونها بتلك العصابات التي يكوّنها المراهقون في مختلف المدن والقرى ليهاجموا بها بعضهم بعضا أو يدافعوا بها بعضهم عن بعض. ويقوم هذا دليلا قاطعا على أنّ الإنسانية حقّا في عمر مراهقتها وقلقها الشديد ولكنّه من المأمول والمتوقع أنّها ستجتاز هذا الامتحان الصعب بنجاح وفي أسرع وقت ممكن إذا هي عرفت كيف تستشرف المستقبل وتخطط له بالحكمة والموعظة الحسنة وتساعد نفسها على هذه النقلة العمرية من المراهقة إلى زمن النضج وحسن التدبير. لكنّ هذا لا يمنع من وقوع إنسان هذا العصر في نوع من القلق الوجودي ذي خصوصيات معينة نتيجة طبيعية لما يحدث عادة لكل من الجنسين (المرأة والرجل) من تغيرات فيزيولوجية ونفسية في هذه المرحلة بالذات ونتيجة أيضا لما يصحبهما في هذا العصر بالذات من التغيّرات الاجتماعية المتسارعة وغير المعهودة في ما سبق من الأزمان فما هي ترى هذه الخصوصيات؟
إنّ عمر الإنسان (الكلّ) واحد ويمكن قياسه كما ذكرنا من خلال قياسنا لعمر الأرض التي ظهر فيها وعمر الكون الذي ننتمي إليه وعمر (الكلمة) التي انطلقت من عقالها فيه أمّا عمر الإنسان الفرد فمختلف في رأينا باختلاف الأشخاص أنفسهم من حيث طرائق عيشهم وتربيتهم ومن حيث اختلاف جذورهم ومنابتهم وبيئاتهم وباختلاف حضاراتهم التي ينتمون إليها وباختلاف درجة تحضّرهم فيها. أولم يقل نزار قباني شاعرنا الكبير وله الحق في ذلك:
تعبت من السفر الطويل حقائبي وتعبت من خيلي ومن غزواتــي
كـلّ السنين أنا بهـا فكأنّـما عمري ملايــين من السنـوات ؟
إنّنا الآن ونحن في " قريتنا الصغيرة" هذه التي تقلصت فيها المسافات واقترب بعضها من بعض مدعوون إلى أن نعرف أنفسنا ونتعارف أكثر من أيّ وقت مضى لأنّنا بالفعل صرنا أقارب ولا بدّ أن نؤسّس لعلاقات جديدة تقوم على الثقة المتبادلة والتعاون الحرّ النزيه، علاقات تتناسب ومقتضيات هذا العصر عصر العولمة التي هي الآن بصدد التشكل والتكوّن لا محالة بالرغم من المعارضين وغير المقتنعين بها وبالرغم من سلبياتها الكثيرة التي قد يحوّلها إنسان المستقبل إلى ايجابيات إذا صار صادقا مع نفسه أكثر ومستوعبا لمقتضيات الحال بعقلية أنضج وأفضل وليس- كما يقال- تغيير الحال من المحال.
عبد اللطيف بن سالم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بشكل طريف فهد يفشل في معرفة مثل مصري ????


.. إسرائيل وإيران.. الضربات كشفت حقيقة قدرات الجيشين




.. سيناريو يوم القيامة النووي.. بين إيران وإسرائيل | #ملف_اليوم


.. المدفعية الإسرائيلية تطلق قذائف من الجليل الأعلى على محيط بل




.. كتائب القسام تستهدف جرافة عسكرية بقذيفة -الياسين 105- وسط قط