الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رحلة مع الموسيقى...قصة قصيرة

جمال حكمت عبيد

2015 / 7 / 14
الادب والفن


أيامٌ تمحو أيام، وعذابات تسعى لوداع الماضي الجميل.
لم يعد شيئاً يلاحقهما سوى ملل حياتهما الفاترة ..وترديده لكلمات مظفر النواب "ملل يشبه علكة بغي لصقته الأيام في قلبي " ..
عقارب الساعة تدور ببطءٍ، تجرف معها شظايا الحَسرات ، تراكمها وتلقيها في طريق الذاكرة المعتمة التي ما عادت ترى سوى ذكريات الماضي الجميل تستأنس فيها...
أصبحا يبحثان بخجل عن ذلك الحُبّ الذي جمعهما. فما عاد الوصال بينهما، ولا الأيام قادرة على كسر عنادهما. والزَوجة ما عادت تلك الفتاة صاحبة الجمال لتتباهى به، ولا تلك الأم القويّة كي تعطي المزيد. خصوصاً في تلك البلاد البعيدة التي زرعت الكرمة فيها ولم تُورق بعد، رغم مجيء فصل الربيع!!. أما الزَوج لم يعد ذلك الفتى الذي يتباهى بقوّته ولا أحد يثنيه عن طموحه؛ بل أصبح منهكاً بعد أن علا جسده صدأ السنين العجاف في بلده، والغربة نخِرت عِظامه، وصار كدلوٍ مُتدلٍ بحبل الغربة يترنح.
كانت المناسبة جميلة: إذ حصلا على بطاقة "حفلة موسيقية" هدية أولادهما في اليوبيل الفضي لزواجهما!! .
جلسا وسط الصالة الكبيرة المزدحمة بالجمهور الذين بانت استثارة المرح في وجوههم تأهباً لبدء الحفل.. فجأة !! خفتت الأنوار من حولهم وتوهجت عند مِنَصّة العرض. ظهرت فرقة موسيقية من الرجال والنساء. وقفوا حاملين آلاتهم الموسيقية ، فاق عددهم الثلاثين ، انتصب أمامهم قائدهم حمل آلة الكمان الموسيقية ، بدا بشعره الفضي المسدول على وجهه كقط مدلل، وبسترته الطويلة السوداء كأميرٍ في القرون الوسطى، اِنحنى مع فرقته للجمهور، صفّق لهم الجمهور تحية له ولفرقته، ثم استدار نحو فرقته وجلسوا. رفع آلة الكمان على كتفه وأمال رقبته عليها، سحب عصا قوسه و أومأ إلى العازفين فشرعوا العزف معه .. اِنسابت انغام العزف بهدوء من آلات عازفيها، وصداها انتشر في فضاء المسرح، باعثةٌ لحناً متسق الأنغام جميلاً، مَلكَ اللحن قلوب الحاضرين وملأ جنبات صدورهم شوقاً ، جعلهم في سرَحانٍ، يتمايلون بأجسادهم مع اللحن كسّعَفُ النخيل عند هبوب النسائم الطيبة ، طافوا مع انغام الموسيقى إلى عالمٍ آخر تبحث الروح عنه، تسبح معه بعيداً في الفضاء، تَسمَع أصوات الأحبة البعاد هناك في البرزخ .. تمرّ عليهم، تستأنس برؤياهم فتنتشي بخيالها.. ثم تعود الروح هابطة مع الأنغام كفراشة ترفرف فوق الحقول والمروج الخضراء، تنطرح عائمة مستلقية فوق مياه الأنهار الهادئة، تنجرف مع السيل باسترخاء مستمتعة بخرير الماء ، تتصفح سنين العمر في ثنايا خيالاتها، تلتقط احداثها كخَرَزات المِسْبَحة المنزوعة.
عند احدى المعزوفات الجميلة، سقط الضوء على سيدة ممتلئة، اِرتقَت الجهة اليمنى من خشبة المسرح، بدت كعروس في ليلة زفافها ببدلتها البيضاء ، طوّق رقبتها عِقداً متلألأً . أومأ قائد الفرقة برأسه اليها، فسكتت جميع الآلات باستثناء ألة البيانو الموسيقية، عزف صاحبها لحناً خفيفاً زحفت به أصابعه بخفة على قطع البيانو وكأنه يرسم لوحة فنية في الرمل. شرعت المُغنّية بصوتها( الأوبرالي ) ترش ندى العاطفة على الحاضرين...نغمات صوتها تَخرج من حنجرتها كأنها صوت الملاك بل الملائكة اجتمعت فيه!! لحَقَها صوت الموسيقى الخارج من آلة الكمان وهي تسحب حنين خيالات الجمهور بعصا القوس، وينقذف مع صوت المغنّية بانسيابية كالسَّيْل، في رحلة عاطفية (رومانتيكية) تعجز الكلمات استخراجها ، تنسلت روحهم فيها من رحم اجسادهم، تُحَلّق مرَّة أخرى نحو الأماكن البعيدة، تُفَتش في فضاءات الخيال عن مستقر لها. تعلو الروح سامقة في السماء وتنحدر هابطة متمايلة مع صوت مغنّية الأوبرا، كطائرة ورقية حلّقت في السماء وانقطع خيطها فتهاوت متمايلة. والحنين المنبعث من صوتها يذرّ الخشوع كرذاذ الماء على صدور وقلوب الحاضرين فتستهل مدامعهم كماء الينبوع في أول موسمه، يطبقون اجفانهم تأملاً فينساب الدمع من عيونهم كحبات اللؤلؤ متدحرجاً على خدودهم...
اسندت رأسها على كتفه وأخذتها وسْنَةُ احلامها. لم يكتفيا امتصاص الدفء الذي غمرهما بل ذهبا يعتصران اصابعهما المتشابكة.. هدوء في الصالة، لا صوت فيها سوى صوت الملائكة...
أي حنين هذا اقتحم شغاف القلوب ، ملأها بالحبّ والرأفة والحنان، وأخرج كل شائبة من الأعماق، وما عادت ولا ثانية واحدة للعتب والخصام ما دامت الروح منغمسة غاطسة بلباسها الأبيض، تتطهر في نهر اللحن النقي، تتعمد فيه وبسحر الصوت الملائكي...
مضى الوقت دون أن يدركاه حتى نهاية الحفل... نظرا الى بعظهما بشوق وحنين افتقَداه منذ زمن ، أشرقت ابتسامة على شفتيهما .. خرجا من القاعة متلاصقي الكفّين .. عند باب الخروج ... اندفعت نحوه ودَسّت رأسها تحت ذراعه وسارا ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر


.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة




.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي


.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة




.. فيلم -شقو- بطولة عمرو يوسف يحصد 916 ألف جنيه آخر ليلة عرض با