الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إيران خامنئي وإيران روحاني والعرب

عصام الخفاجي

2015 / 7 / 19
مواضيع وابحاث سياسية




قرأت مقالا مثيرا كتبه أمريكي كان سجينا في إيران بتهمة التجسّس الأثيرة، وقد تكون صحيحة، إلى قلوب الإيرانيين شديدي الحساسية تجاه سيادتهم وكرامتهم الوطنية. ربما يذكر بعض القرّاء قصّته إذ كان واحدا من ثلاثة شباب قالوا أنهم كانوا يقومون بجولة على الأقدام في كردستان العراق ولم يدركوا أنهم عبروا الحدود إلى إيران. وُضع كل من السجناء الثلاثة في زنزانة انفرادية حتى أضرب كاتب المقال عن الطعام مطالبا برؤية أصدقائه بشكل دوري. وبعد أيام قليلة سمح له السجّانون، وهم حسب ما كتب تابعون لوزارة الخارجية وليسوا موظفين في وزارة العدل أو الداخلية، بلقاء زملائه ففكّ إضرابه عن الطعام. لكن ذلك كان لقاءه الأخير بزملائه. فحين طالبهم بتنفيذ وعدهم بتكرار اللقاءات أبلغوه بأن زميليه قالا بأنهما لا يريدان اللقاء به. وكان الأمر كذلك حين طالب بتسليمه الرسائل التي يبعثها أهله له فجاءه الجواب بأنهم انقطعوا عن الكتابة إليه. ويبني الكاتب على تجربته ليتوصّل، وهنا المثير في المقال، إلى ضرورة إبرام الإتفاق النووي مع إيران لأنه أفضل السبل للتعاطي مع قيادة شديدة الدهاء والمراوغة.
تؤكد هذه القصة رأيا يتبنّاه كثيرون، وأنا منهم، يدعو إلى التخلّي عن النظر إلى القيادات الإيرانية كمجموعة من المتعصّبين المكرّسين أنفسهم للقتال من أجل نشر المذهب الشيعي وفرض قيَم ثورتهم الإسلامية على العالم أو على الشرق الأوسط. ربّما كان هذا هو حالهم خلال العقد الأول من الثورة، وهو ماتشترك به إيران مع كل النظم الآيديولوجية التي تأتي إلى الحكم وهي ترى العالم من منظور عقيدة تؤمن بأنها الترياق الصحيح الوحيد لحل مشاكل العالم لتكتشف بعد حين أن العالم أكبر من آيديولوجيتها وأنه قادر على حل مشاكله من دون اعتناق مبادئ كتاب القذّافي الأخضر أو أفكار الوحدة والحرية والإشتراكية البعثية والناصرية أو الأممية البروليتارية الشيوعية، بل لعل هذا العالم نجح في حل مشاكله لأنه تجنّب اعتناق عقائدها.
لاشك أن الغالبية السكانية الشيعية في العراق والبحرين وغلبة الشيعة السكّانية على لبنان والحكم العلوي في سوريا والكتلة السكّانية الزيدية في اليمن تقدّم مبررات آيديولوجية توظّفها القيادة الإيرانية لمدّ نفوذها، لكن تلك القيادة برهنت على قدرتها على تطويع البعد المذهبي أو الديني حيثما تطلّبت مصلحتها. فهي مع حماس السنّية ضد السلطة الفلسطينية السنّية، وهي بعيدة عن التورط في الدفاع عن شيعة أفغانستان تجنّبا للصدام مع حركة طالبان، وهي غير مستعدّة لرفع الصوت ضد اضطهاد المسلمين في الصين على حساب تحالفها مع الأخيرة، وهي تسند أرمينيا المسيحية في وجه غريمتها أذربيجان المسلمة المدعومة من تركيا، وهي لم تفعل شيئا لنجدة مسلمي البوسنة حين كانوا ضحية مذابح الصرب حلفاء حليفهم الروسي. لكن ثمة سابقة أهم بكثير تلقي الضوء على السياسة الخارجية الإيرانية تتمثّل في موقفها المشجّع للأسد على تدريب مئات، وربما آلاف، من عناصر القاعدة وتسهيل عبورهم إلى العراق خلال السنوات الثلاث الأولى من الإحتلال الأمريكي غير مبالية بالفظائع التي ارتكبوها بحق الشيعة مادام ذلك يضعف خصمهم.
إيران الدولة ذات المصالح شديدة المرونة في التعاطي مع المتغيرات على عكس إيران الآيديولوجيا التي ترهن مصالح الدولة بتعظيم سلطتها المذهبية إقليميا. إيران الآيديولوجيا تستند إلى مرشد يدرك أنه سيفقد أساس سلطته على شعبه إن لم يّكسيها بعمامة رجل الدين. إيران الدولة تدرك أن أولى الأولويات اليوم هي انفتاح الغرب، لاسيّما أمريكا، عليها لكي ترسّخ قوتها داخليا وإقليميا. والإحتفالات الجماهيرية الصاخبة بتوقيع الإتفاق لن تدخل روحاني في سجل القادة التاريخيين لإيران فقط، بل هي ستساعده على لجم رجال الآيديولوجيا الذين أطلقوا حملة إعلامية صاخبة تحذّر من الإحتفال بالمناسبة لأن الإتفاق جاء لمصلحة الغرب كما روّجوا أو لأن الإحتفال سيرسل رسالة إلى الغرب توحي بأن الإيرانيين مستميتين للوصول إلى اتّفاق بأي ثمن.
لكن التخوّف أو الترحيب بالإتفاق سابق لأوانه كما أظن، ولايكمن السبب في أنه ينتظر موافقة المرشد الإيراني ومجلس تشخيص مصلحة النظام عليه. فالآيديولوجيون يدركون أنهم قد يواجهون مايشبه الثورة الشعبية إن أحجموا على التوقيع. التخوف أو الترحيب سابق لأوانه لأن نتائج الإتفاق الإيجابية على إيران لن تظهر كاملة في المدى القريب. فالإتفاق ملئ بالشروط التي على المجتمع الدولي التثبّت من تلبية إيران لها. وعودة الصادرات النفطية إلى سابق عهدها سيتطلّب سنتين على الأقل، كما يرى الخبراء، لأسباب تقنية. وأسعار النفط تتزايد انخفاضا. والإطلاق الفوري لأرصدة إيرانية مجمّدة تقدّر بمئة مليون دولار لن يحل مشكلة التضخّم الفلكي ولا بطالة ربع الشباب في بلد سكّانه ثمانين مليونا. ومع أن الإتفاق سيمرّ أمريكيا لأن الرئيس أوباما هدّد باستخدام الفيتو إذا رفضه الكونغرس، إلا أن رفع إيران من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وهو ما يجعلها خاضعة لمجموعة أخرى من العقوبات، لن يمرّ بسهولة ولن يتحقق قريبا.
قد يكون قلق معظم دول مجلس التعاون الخليجي من الإتفاق مبرّرا، لكن التعاطي المرن معه والترحيب المحسوب به قد يكون الإسلوب الأفضل للتقليل من نتائجه السلبية، بل ولتحقيق بعض المكاسب. فالجديد في هذا الإتفاق يكمن في أنه لم يُبرم بين إيران والغرب فقط، بل هو بين إيران والغرب فضلا عن روسيا والصين الراميتين بثقلهما وراء إيران، وهو ليس بالتالي اتفاقا يمكن الضغط على أمريكا للتخلي عنه بالإستناد إلى طرف دولي تتقاطع مصالحه مع المصالح الأمريكي. ومن مصلحة العرب دعم إيران روحاني الرامي بثقله وراء الإتفاق في مواجهة تعصّب خامنئي المذهبي المعارض للإتفاق. لن تتخلى إيران عن مواقع نفوذها في العراق من دون بلورة كل العراقيين لموقف موحّد تجاهها. لكنها، وهي الساعية إلى التخلّص من صورتها كدولة داعمة للإرهاب، قد تُجبر على تقديم تنازلات من أجل تسوية منتصف طريق في سوريا ولبنان واليمن.
جرّب نتنياهو، ولايزال يجرّب، طريق المجابهة المتعجرفة لمنع الوصول إليه وانتهى معزولا أوربيا ومكروها من قطاع كبير من مؤسسة الحكم الأمريكية. وجرّبت إيران طريق المرونة وطول النفس وحققت بعض، لا كل، ما أرادت. ولعل هذه الفرصة الأولى التي يستطيع العرب أن يتفوّقوا فيها على إسرائيل في فن الدبلوماسية وإدارة العلاقات الدولية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جعفر الميرغني : -الجيش حامي للوطن وللمواطن السوداني-


.. ما التصريحات الجديدة في إسرائيل على الانفجارات في إيران؟




.. رد إسرائيلي على الهجوم الإيراني.. لحفظ ماء الوجه فقط؟


.. ومضات في سماء أصفهان بالقرب من الموقع الذي ضربت فيه إسرائيل




.. بوتين يتحدى الناتو فوق سقف العالم | #وثائقيات_سكاي