الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراق والصيف وقاذفات المسوخ المتطورة

محسن لفته الجنابي
كاتب عراقي مستقل

(Mohsen Aljanaby)

2015 / 7 / 27
كتابات ساخرة


كلما يحتدم المشهد وتزداد الفوضى تسوقني الذاكرة الى زمن مضى , وتلك الحالة أعترف أنها مرضيّة تصيبني وكل المخضرمين الذين عاصروا أجيالاً مختلفة لتجعلنا مثل أصحاب الأعراف أولئك التائهين بين الجنة والنار عدا فرق واحد يميزنا , هم - وبحسب تنظير رجال الدين الذين لا أثق بهم - محشورين في نفق بنهايتين , أي أن لديهم خيارين , الأول نار مستعرة والثاني جنة المنتهى , أما نحن فتائهين لا نملك سوى خيار واحد لاشريك له , قابعين بين نارين أفضلها تحرقنا , فصار ماضينا فسحة نهرب أليه لننتشي حين نستعيد ذكرياتنا , رغم يقيننا أنها لاتختلف عما نستهلكه اليوم من عمرنا , ربما لأن المعاناة والآلام صارت ماضي أنطوى في حينها , ترانا نسبرها مطمئنين لنستذكر أيامنا , رأيت كما يرى النائم في حلم اليقظة أنني عدت الى العام 1976 والمكان بغدادنا , والأخيرة كانت مغناج تتطلع الى العالم بعيون الحرمان والبساطة التي تغلب على أهلها , حصلت حكاية في تلك الفسحة المذكورة حين أشترى الأهل من الشركة الأفريقية (مبرّده - كوولر) نستخدمها بين الحين والآخر وليس دائماً , كانت الكهرباء في ذلك العصر مستمرة ولاتنقطع مطلقاً (صدقوني وأقسم لكم ) , ففي ذلك الزمان لم تكن هناك فتحة أوزون ولا (تربان) ولا يورانيوم منضّب , درجات الحرارة التي تتبع قانون المناخ العراقي بأنه (حار جاف صيفاً وبارد ممطر شتاءاً كما ورد في كتب الجغرافية) كانت بكل الأحوال لاتصل الى الخمسين كما يحصل الآن في صيفنا, كان البلد عبارة عن بستان أو حديقة خضراء كبيره , بغداد بالذات كانت بساتينها تمتد من أبو غريب وساحة عدن والرستمية لنرى أمتداداتها في الصالحية والشاكرية والكرادة وباب المعظم , مكان الأذاعة الحالي (الذي صار مقر لدائرة عملاقة يسمونها التلفزيون) كانت بستاناً بنخيل عالي تكبد الأولاد عناءاً ليجدوا مساحة جرداء صغيره يستغلونها في لعب كرة القدم والأخيره أيضاً كانت صرعة جديدة كما شرائنا للمبرّده , ولكي لا تضيع الفكرة سأحكي لكم ماحصل بسبب تلك (المبرّده) , فبعد مراسم الذهول والفرح بالقادمة الجديدة والعزيزة , قرر الأهل أن يشغّلونها فقط عند زيارة الضيوف لبيتنا , فمن البطر أن تشتغل للعائلة , هم لايعلنون السبب لكنني أعرفه فهو لدواعي التفاخر أو(الكشخه) كما يسمونها وهي أمور عادية في مجتمعنا رغم مايقولون أن هوائها العليل يعتبر تكريماً للضيف يفوق الطعام والشاي والقهوة , الغريب في الموضوع أن تلك المبرّده وكلما تم تشغيلها كانت تقذف على الضيوف قطة من النوع الكبير الذي نسمّيه (عتوي) , وكثيراً ما يسقط (العتوي) في حضن أحد الضيوف , وهم في العادة قادمين من مناطق بعيدة , فتصيبهم رهبة لم يروها في حياتهم , تجعلهم يتركون الطعام والشاي ويسارعوا بالأنصراف والهرب , وأستمرت (المبرّدة) بقذف (العتاوي) وعجز الأهل عن منع القطط من النوم في المبردة رغم جهودهم بأغلاق كل الفتحات التي يفترض أن تدخل منها القطة , أطلقنا على تلك المبرّدة أسم (المبرّده الحاضنة) فهي حضن دافيء للرعب الذي يصيبنا ويرهب ضيوفنا , أنتهت حكاية المبردة بعد أختراع المبردات الأكثر تطوراً , فقد صارت محكمة حتى أوشكت على الأنقراض بعد أختراع التكييف الذي صار بأنواع وأشكال شتى , لكن مع تطور تلك الأجهزة , أنتقلت العدوى لأجهزة وأماكن أخرى , ففي السنين الأخيرة رأيت فيما رأيت شاشات للتلفاز تقذفنا بمخلوقات غريبة , شبكات النت ومواقع (السوشيال ميديا) ترمينا بأشياء قذرة ودبقة , الشوارع والمحلّات والأزقة هي الأخرى تقذفنا بكائنات عجيبة ممسوخة , تصوروا أن بينها ديناصورات أتت من عصور سحيقة , وحمير تعود لألف سنة , وجرذان تسقط في الحضن لتبطح الضحية وتلتهمه بلحظة , سلاحف و تماسيح تدلق الدموع لتفترسنا , حتى راودتني فكرة مرعبة , جعلتني على يقين بأن فرانكشتاين عاد للعراق ومعه ملايين من شاكلته يصنعون المسوخ ليقذفوها بأحضاننا , فهربت للماضي وترحمت على المبرّدة أيّاها والتي سميناها (حاضنه) فهي أرحم من مهرجان القذف الذي أفقدنا حاضرنا ومعه ذاكرتنا , أنتهى .











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا