الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ممارسة الفلسفة -التفلسف- غيّر نمط حياتك

احسان طالب

2015 / 8 / 1
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


النجاح، السعادة، الرضا، إثبات الذات، التفوق، الغنى و الزواج، كل تلك الأمنيات قابلة للتحقق، هكذا ببساطة يتوجه نحونا علماء النفس أو المرشدون الاجتماعيون بالقول: لكن الواقع أصعب وأعقد من ذلك بكثير، والأدهى من ذلك أننا نجد أولئك الناصحين يعيشون جوانب مزرية في حياتهم فنجدهم أحيانا أشبه بخبير تغذية مدمن على الوجبات السريعة والمعلبات ، ما يفقده المصداقية ويضعف قدرته على التغيير ، والحقيقة أن معايير السعادة أو النجاح أو التفوق نسبية بل هي معايير مرنة جدا وقابلة للتغيير ، بيد أن هناك نماذج قد لا يُختلف عليها كثيرا، وغالبا ما تحل القناعة والرضا في النفس لتكون هي المورد الأول للشعور بالسعادة، وهذا ليس خطأ ، لكنه يتعارض أحيانا مع الطموح والتطلع نحو الأفضل وإرادة التغيير وتحقيق الأهداف. هكذا تبدو لنا المسألة البسيطة أكثر تعقيدا ، والواقع أن المسألة شخصية بالدرجة الأولى و اجتماعية في المقام الثاني. فالبيئة والثقافة السائدة والامكانات الذاتية والتعليم كلها عوامل مؤثرة وغالبا ما تحدد المعايير وتضع الحدود.
تكمن البداية في تنظيم الأفكار، وطرح المثبطات جانبا ، فالارتجال اللفظي أو السلوكي ناجم عن دوافع أو قناعات في اللاوعي ـ العقل الباطن ـ تراكم من حيث لا ندري وأخذت مكانها القيادي في حياتنا وحتى قراراتنا،، حتى تلك القرارات المدروسة والمتأنية يتدخل فيها عقلنا الباطن وربما تكون له الغلبة هنا أيضاً.
إذن فمسألة تحقيق الأمنيات والوصول للأهداف مسألة عقلية ،الفكرة بداية، وعليه ندرك أهمية تنظيم الأفكار، قد يظن البعض أن التركيز وحده كافيا ، وهو وإن كان ضروريا فليس كافيا أنت لن تخرج الزبدة من خض الماء. كي تقوم بفعل التركيز ينبغي توفر الأدوات والمادة ـ بمفهومها المجرد فالفكرة هنا مادة "موضوع" ـ والشروط ، ولتوفر الأدوات والمادة لا بد من التحصيل والاستمرار والتحضير ،
بصورة أوضح نقول : الأدوات اللازمة هنا هي مستوى معين من التعلم والخبرات، أما المادة فهي فكرة أو مجموعة أفكار واعية، مشتتة أو واضحة لا يهم هنا، فالمهم هو مادة الفكر الذي سنشتغل عليه، أما الشروط، ـ فهي توفر الاختيار المناسب لإنتاج ما ـ باعتبار الفكرة نتاج عقلي ومعرفي ـ فأنت لن تتمكن من زراعة بذور القمح فوق صخرة ملساء لا تحبس الماء.
تجلس خلف حاسوبك الشخصي تفتح بريدك الإلكتروني مرة بعد مرة وتنتظر أن تأتيك رسالة مهمة ، تتوقع أن يبحث عنك شخص ما في مكان ما من العالم كي يقدم لك عرضا مغريا ومنصبا مرموقا يغير مسار حياتك، كلما طال بك الزمن طال بك الانتظار ، اخرج إلى العالم الواقعي وابحث بصورة عملية ، طبعا يمكن البحث عن العالم الحقيقي عبر الوسيلة الافتراضية بشرط أن يكون الباحث واقعيا منطلقا من معطيات عملية ، فمثلا لا تتوقع حصولك على عمل مناسب لمجرد وجود اسمك ولقبك وسيرتك الذاتية على مواقع التواصل ، فأنت هنا كمن يلقي بكيس من القمح فوق قطعة رخام وينتظر الحصاد. هكذا ندرك حقيقة ارتباط التغيير بالتغيير ؛ فتحقيق الطموحات لا يحصل بالأمنيات الصادقة حتى ولو كانت واقعية ، المسألة هنا أشبه بثقل ورافعة ، فمحصلة قوة الرفع يجب أن تتغلب على مجموع مقدار الثقل لتحقيق الحركة. لكن أيضا المسألة برمتها ليست ميكانيكية بحتة ، فهناك جانب نفسي وآخر معرفي ؛ طفل نشأ وترعرع في غابة مطرية بجوار نهر الأمازون ، سيكون عليه عسيرا جدا التفكير بمهنة رائد فضاء ، قد يطمح للطيران لكنه بالتأكيد لن يتمنى أن يصبح قائد طائرة ، في حين ينزع طفل نشأ وترعرع في مدينة صناعية كي يصبح مهندسا أو صاحب مصنع أو ما شابه ، هكذا ببساطة يختلط العامل النفسي بالعامل المعرفي ويتدخلا في صناعة العامل المادي ، البيئة المعرفية والطبيعية تتدخل في صنع خياراتنا وترسم صور أمنياتنا وطموحاتنا.
بالتأكيد للعامل النفسي دور مهم جدا في موضوع صناعة الحاضر والغد ، والقضية برمتها قد تبدو للبعض قدرا لا مفر منه، ففي حين ينظر الشخص الروحي لمسيرة حياته باعتبارها إعادة عرض لفيلم سبق وكتب ومثل وأخرج وأنتج ، ينظر الشخص المادي إلى مسلسل حياته كنص يكتبه هو ويتحكم بكامل مفاصله وأحداثه، تلك القناعات ليست شأنا عابرا ، أو مجرد أفكار مخزونة في الوعي والعقل الباطن ، بل هي مؤثرات فاعلة ومحفزات حقيقية، والطريف هنا أن المغرق في المادية يصل بالنهاية إلى ما وصل إليه المغرق في الروحية أو الغيبية، فالحتمية المادية التي ترى كل شيء مفسر بالمادة والحركة كونهما أزليتان خاضعتان لقوانين الحركة والمادة ، فالإرادة تابعة لحركة الدماغ وليس لأي سبب آخر رغم ارتباطها بمؤثرات داخلية أو خارجية إلا أنها محكومة بقوانين الحركة الثابتة والأزلية، تلك المفارقة تضعنا أمام تساؤل ضروري : ما هو مدى قدرتنا على التأثير في مسار حياتنا والتحكم بالحاضر والمستقبل، وهل نحن حقا محكومون بإرادة عليا وما تدخلاتنا إلا تنفيذ أو تطبق لمحتوى كتاب مكتوب وقانون جبري منجز؟
دعونا ننظر للفكرة من منظار عملي تطبيقي : أي إنسان يجد نفسه في ظروف وبيئة مقررة دون أي تدخل أو استشارة أو تلبية لطلباته، وبالتالي هو محكوم بالبيئة وبإرثه البيولوجي والجغرافي، بجانب آخر لا يخطئ العاقل رؤية نتائج سعي الفرد لتحقيق مراده ، فعلى سبيل المثال يمكننا ببساطة مشاهدة نتائج الإصرار والعمل الدؤوب للطلاب الدارسين ، فكل طالب درس واجتهد وفق منهجية ناجحة حقق التفوق والنجاح، أيضا في مجال الأعمال يمكننا تطبيق حيثيات المثل السابق، لنرى نتائج مشابهة أو متطابقة، وربما يكون الحال أكثر تعقيدا في المضامين ذات المحتوى الاجتماعي والعاطفي ، فليس كل من طلب المكانة وسعى لها وجدها وليس كل من طلب الحب وجده، والسر هنا يكمن في مقاييس الحكم ومعايير النجاح والاخفاق ، الأولى عقلية والثانية ذاتية اجتماعية ، فعندما تكون مقاييس حكمنا على الأشياء أو الحالات أو المواقف عقلية أي منطقية أي قريبة من معايير العلم و متسقة مع مسلمات وبديهيات العقل تكون نجاحاتنا بنسبة أعلى وتكون خيباتنا بنسب أقل ،أما الثانية ـ المعايير ـ فكلما كانت منضبطة بأقيسة سائدة وشبه متفق عليها ؛ تكون إراداتنا وتطلعاتنا إيجابية أكثر ذات جدوى أكبر هذا في الجانب الاجتماعي ، أما في الجانب الذاتي فينبغي علينا الاعتراف بقدراتنا وبصوابية أو خطأ اختياراتنا مع الحكم بموضوعية على مدى الجهد والعمل الذي قدمناه لتحقيق مبتغانا وأهدافنا.
تقول الفيلسوفة الوجودية الفرنسية سيمون دو بفوار : أن الحرية التي يتمتع بها ـ الإنسان ـ هي التي تمكنه من أن يرسم لنفسه بكيفية أكيدة الغايات التي يسعى إلى تحقيقها ، وليست هناك أية عوامل خارجية يمكنها أن تهدم ما رسمه لذاته وفعله بنفسه فالإنسان هو وحده السيد والمتحكم في مصيره.
في الجانب الأخر المغرق بالروحانية والتأمل نجد قطبا من أقطاب عالم الفلسفة الإشراقية يرى المسألة من منظور مفارق، بيد أن الملخصات متقاربة يقول: ابن عربي: ما يحكم علينا الا بنا، بل نحن نحكم علينا بنا ولكن فيه
‹‹فالمحكوم عليه بما هو فيه حاكم على الحاكم ان يحكم عليه بذلك
والمقصود بالكلام هنا تحمل الإنسان للمسؤولية تجاه حياته ومصائره، فما قرر له إنما قرر بما سيكون منه ، وليس ما تواجهه انت من حالات وشؤون إلا إخراج من الموجود بالعلم إلى حيز الموجود بالفعل فما أنت عليه موجود بالقوة انتقل إلى وجود بالحقيقة بواسطة الفعل. ولعلنا نلاحظ افتراقا واتفاقا بين التفسير الوجودي والتفسير الصوفي للحرية والجبر ، فالاتفاق بينهما يلج حيز التحكم والمسؤولية عن الحرية المؤهلة لبلوغ الارادات وتحمل عاقبة النتائج ، فيما الافتراق يبلغ ذروته في الوجود الغيبي والعلم الأولي للحق.
عند تحويل تلك الخلاصات الفلسفية لممارسة ونمط فكري يمكننا البوح بأسرار التحكم بمسارات حياتنا الفردية وهي ثلاثة:
1 ـ نمط التفكير الفعال
2 ـ الهمة والنشاط
3 ـ تحمل المسؤولية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو: حماس تمارس إبادة جماعية ورفضت جميع المقترحات المتعل


.. الدكتور مصطفى البرغوثي: ما حدث في غزة كشف عورة النظام العالم




.. الزعيم كيم يشرف على مناورة تحاكي -هجوماً نووياً مضاداً-


.. إيطاليا تعتزم توظيف عمال مهاجرين من كوت ديفوار وإثيوبيا ولبن




.. مشاهد جديدة وثقتها كاميرات المراقبة للحظة وقوع زلزال تايوان