الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بلد المتاعب والصراعات

عبد الحسين العطواني

2015 / 8 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


د.عبد الحسين العطواني
بلد المتاعب والصراعات
عندما يتحقق الاستقرار السياسي في بلد ما فانه بدون أدنى شك سيتحقق الاستقرار الأمني, وكذلك الاقتصادي كونهما مرتبطان ارتباطا وثيقا بالأوضاع السياسية , ونحن نتطلع إلى استقرار بلادنا, فلابد من إبراز حقيقة هي أن المناخات السياسية العراقية السائدة , دائما ما تساعد على تأجيج الخلافات الطائفية والمناطقية التي تثير الأفكار المتطرفة, فلم يحدث قط أن نجحت سياسة متطرفة في صنع التاريخ , إذ ظل المتطرفون دوما على هامش التاريخ , ولان طبيعة العلاقة بين الِحاكم والمحكوم في البلدان العربية وكما تعودنا عليها في العراق تقوم على فكرة السيادة بالقوة وقهر الشعوب , وهذه العلاقة تفرض نمطا من الاستبداد والقسوة , لذلك ومما دعنا أن نتناول هذا الموضوع هو ما أفرزته الأوضاع التي تظهر على الساحة العراقية والمآسي التي يعيشها العراقيين من مشكلات أمنية واقتصادية , عجز السياسيون عن حلها لتأثيرات يدعي البعض منهم أنها لم تكن وليدت الوضع الحالي والسياسة الخاطئة التي يمارسونها تجاه الشعب بل لتراكمات ورثوها ,كتبرير لفشلهم في إدارة الدولة , على الرغم من مضئ أكثر من اثنتي عشرة سنة على عملية التغيير السياسي , وتوافر الإمكانيات المادية التي دأبوا على تشريعها وتسخيرها لمنافعهم الخاصة مستغلين صلاحياتهم الدستورية , وترك القرارات التي تهم مصالح الشعب جانبا , وظل المجتمع العراقي محروما ومظلوما ليس بزمن هؤلاء الذين تعهدوا التغيير والتطوير بلباس الديمقراطية الذي نحن فيه الآن , بل على مر العقود المنصرمة , التي سنتطرق لها وفقا لما يأتي لغرض الاستئناس كتوصيف قانوني لا لاستذكار الآلام :
بدأ تفاقم المشكلات العسكرية والسياسية والاقتصادية على العراق– منذ الحرب العراقية – الإيرانية 1980- 1988التي استمر ت ثماني سنوات وما تلاها , تركت أثارا مدمرة في معظم نواحي الحياة , بلغت خسارة العراق في الأرواح نحو (100 ) شخص , عدا الإعداد الأكثر من المصابين , كما ألحقت خسائر كبيرة بالبنية الأساسية باستنزاف الجيش موارد الخزانة العامة , وبلغ حجم ديون الدول الخارجية وخصوصا دول الخليج , نحو( 100) مليار دولار , لكل من: من دولة الكويت , والسعودية , ودول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية , والاتحاد السوفيتي السابق , والمصارف الخاصة , أما حجم الخسارة في البنية الأساسية فقدر بحوالي ( 200 ) مليار دولار للدين الخارجي , والخسائر التقديرية في العائدات النفطية وفي الناتج القومي الإجمالي فقد بلغت تكلفة الحرب إلى ما يقرب (452 ) مليار دولار , بعدها دخل العراق حرب الخليج الثانية عام 1991 وواجه
أكثر من ثلاثين دولة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية , بسبب دخول العراق الكويت في 2 اب 1990 وما تخللها من قصف أمريكي أطلسي , فالحرب لم تستهدف البني العسكرية , بل استهدفت البنى التحتية للبلد , وبعد توقف الحرب بدأت مرحلة الحصار الاقتصادي الذي استمر ثلاثة عشر سنة وما رافقها من استنزاف لثروات العراق الاقتصادية , مما أدى إلى عجز الشعب عن توفير حاجاته الأساسية , بل وصلت الحالة لدى بعض العوائل العراقية صعوبة توفير لقمة العيش وقوتها اليومي من شراء ارخص أنواع الطحين الذي تشكل فيه ( النخالة , والغبار ),أكثر من نصف , ثم ارتبطت صادرات النفط العراقية ببرنامج النفط مقابل الغذاء والدواء , فضلا عن محدودية هذه الصادرات وبالتالي عدم إمكانية سد حاجات العراق , كما فرضت على العراق مناطق حظر في شماله وجنوبه , لتكون خارج سيطرة السلطة , مما سهل دخول شركات , ومنظمات عالمية تحت مسميات عديدة , وبالتعاون مع دول الجوار, مارست مهامها خارج الضوابط والاتفاقيات الدولية , انعكس بشكل واضح على ضعف السلطة والتماسك الوطني بين العراقيين , وأثرت على النفس العراقية , ومكوناتها الأساسية , هذه الإجراءات في مجملها مهدت لتفكك الهوية الوطنية العراقية قبل احتلال العراق وإخضاعها لعملية تأهيل واستبدال إلى انتماءات فرعية, وإقليمية , وطائفية , ولدت استبداد سياسي يقوم على رفض الأخر وتهميشه , وأسست لأفكار منغلقة بعيدة عن التسامح الذي لا يمكن أن يقوم في ظل التفرد والاستبداد وانتهاك الحقوق السياسية للآخرين.

وبعد الاحتلال الأمريكي للعراق في 9 نيسان 2003 واجه العراق مشكلات وأزمات سياسية واقتصادية , فضلا عن الأثر المدمر للحصار الذي طال كل مظاهر الحياة كما اشرنا, والسجناء الذين أطلق سراحهم النظام السابق قبل مدة قصيرة جدا من الحرب والذين يقدر عددهم ( 100 ) سجين اغلبهم من أرباب السوابق والمحكومين بالإعدام عن جرائم قتل وسرقة , ونهب , واغتصاب , وزنا بالمحارم , وكانت هذه المجاميع من أولى أسباب إحداث الفوضى , صاحبه عنف طائفي بسبب التدخل الدولي والإقليمي في شؤونه نتيجة لفتح الحدود , ليصبح العراق ساحة تصفية لحسابات قوى الشر والإرهاب , بتنفيذ عمليات القتل والاغتيال , مع استهداف مركز لأساتذة الجامعات , والضباط الطيارين , والعلماء والمفكرين , بعدها شمل القتل عامة المواطنين ورافقه تهجير على الهوية , مع عزل طائفي للمدن العراقية , واستمرار التفجيرات الإرهابية تغذيها قوى إقليمية غالبا ما تستهدف مكون معين , مع تداخل مفهوم المقاومة والإرهاب , كل هذه التداعيات أوجدتها سقوط الدولة , وغياب السلطة وسيادة القانون , فانتشر التطرف الديني ليتحول إلى مسوغ لقتل الناس وانتهاك حرياتهم , من خلال الإقصاء , والإنكار لأي توجه يختلف معه سواء في الرأي , أو في العقيدة , معتمدا طابعا دينيا تكفيريا للأخر .
والملاحظ أن أول من تبنى خطاب الانتقال من المفاهيم الوطنية إلى المفاهيم الطائفية , هي إدارة الاحتلال الأمريكي ذاتها بأسلوب التركيز على مفردات ( شيعي , سني , كردي ...الخ ) لم تكن متداولة قبل الاحتلال في الخطاب السياسي , مع ترسيخ ثقافة مسمى ( الفيدرالية ) حتى تمهد الطريق لتحقيق هدفها الأساسي وهو تقسيم العراق , ونمو النزعة الإقليمية , والطائفية على حساب الإيمان بالهوية الوطنية .
فالدولة العراقية مؤلفة من مكونات عدة تعيش في فضاءات جغرافية مختلفة , كانت مهيأة سلفا للحكم السلطوي كما أوضحنا , لكن ذلك لا يعني أن الآمر كان قدرا حتميا , أما ما ساعد على قيام السلطوية فهو التدخل الأجنبي في شؤون العراق , ورد الفعل على ذلك من قبل المؤسسة الأكثر تقدما في العراق , وهو الجيش , وبفضل الإرث ألتأريخي , برز الجيش بوصفه حصن القومية العربية العلمانية في دولة يتنوع سكانها بين قوميات ,أكثرية عربية , وأقليات غير عربية .
فالديمقراطية ليست الحل الوحيد للمجتمعات التي ترفض التضامن , ومعنى المسؤولية , فهي لاستطيع أن توفر المستلزمات المطلوبة لمواجهة المشكلات الحقيقية والعالقة , فالعراق في موقعه الجيو – سياسي بالنسبة للمنطقة وما يواجه من تحديات خارجية ممثلة بالتدخلات الدولية والإقليمية , والإرهاب , وزمر داعش الإرهابية , سوف يؤدي إلى زيادة قدرة الإطراف مجتمعة بمواجهة هذه التحديات التي سوف تواجههم , بل واجهت البعض منهم , بما من شأنه ينعكس ايجابيا على الأوضاع الأمنية للمنطقة بشكل عام , وكذلك يؤدي إلى تأسيس واقع جيو – سياسي متين يزيد من منعة واقتدار المنطقة تجاه القوى التي تستهدفها , فالأوضاع غير المستقرة , وتزايد المخاوف من القوى الخارجية الأخرى, والإقليمية الدولية يلزم العراق ودول الجوار بأحداث نقلة في مهمتها ورؤيتها للأوضاع الآنية , والمستقبلية , واستغلال كل من شأنه أن يزيد من قدرتها على التطور ومواجهة التحديات .
وأخيرا فقد حدث ما حدث في العراق من التغيير المتوقع حصوله , ولم يعد أمام السياسيين إلا التعامل مع الواقع بطريقة تتناسب وحجم التحديات الحالية , والابتعاد عن تضخيم النعرات الطائفية والفئوية في عقول المكونات العراقية لاعتبارات نفسية تغذي التحريض , وبالتالي دفع الشعب العراقي إلى تشكيل سلوك فئوي , وجهوي يشجع على العنف , والقتال , لا سبيل له سوى تدمير المجتمع بعمليات إرهابية لا تتوقف وتطال الجميع , وان يتحملوا مسؤولياتهم الدستورية تجاه الشعب بوضع الحلول المناسبة والناجعة لإنقاذ الشعب العراقي من محنته الأمنية المتمثلة بالتفجيرات الإرهابية التي تحصد أرواح المواطنين الأبرياء يوميا , ومحاربة الفساد المستشري في البلد , والأزمات الاقتصادية , بتفشي البطالة , وعدم وجود فرص العمل, من خلال عدم إطلاق التعيينات الوظيفية في دوائر الدولة , ومعالجة الجوانب الخدمية تأتي في مقدمتها أزمة الكهرباء التي أصبحت حالة مستعصية ومشكلة العصر لعدم إيجاد الحلول المناسبة لها , على الرغم من الأموال الطائلة التي أنفقت عليها , وأزمة السكن, وما إلى ذلك من شحه الموارد المائية في انهار العراق وانعكاساتها على الثروة الزراعية والحيوانية في البلد , وإنشاء شبكات الصرف الصحي , وتبليط الشوارع , كجزء من تطبيق الشعارات , والبرامج التي روجوا لها وتعهدوا بتنفيذها أمام الشعب خلال حملاتهم الانتخابية كألتزام أخلاقي قبل أن يكون واجب وطني وشرعي .
.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو: حماس تمارس إبادة جماعية ورفضت جميع المقترحات المتعل


.. الدكتور مصطفى البرغوثي: ما حدث في غزة كشف عورة النظام العالم




.. الزعيم كيم يشرف على مناورة تحاكي -هجوماً نووياً مضاداً-


.. إيطاليا تعتزم توظيف عمال مهاجرين من كوت ديفوار وإثيوبيا ولبن




.. مشاهد جديدة وثقتها كاميرات المراقبة للحظة وقوع زلزال تايوان