الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحو التطوير الإستراتيجي لمنظومة الفساد (1) مخارج الطوارئ

مصطفى فؤاد عبيد

2015 / 8 / 7
الادارة و الاقتصاد




يمكن تشبيه عمليات بناء النظم والهياكل الإدارية والإدارة العامة في العقود السابقة وكأنها كانت أقرب ما تكون لعمليات بناء البيوت الأرضية البسيطة، الطينية والخشبية أو حتى الإسمنتية، التي يمكنها أن تتحمل وجود الأخطاء الهندسية والفنية ومخالفة شروط السلامة والأمان بشكل عام، وذلك من حيث سوء التخطيط واتخاذ القرارات وعدم وضع الشخص المناسب في المكان المناسب وسوء الإدارة بوجه عام، باعتبار أن مثل تلك الأخطاء وسوء البناء لا تُشكل خطر حقيقي يهدد سكان مثل تلك البيوت، ويمكن تصحيحها وقت اللزوم عند ظهور الخلل، أو في أسوأ الأحوال يكون بإمكان سكانها مغادرتها بسهولة ويُسر عندما تصبح المعيشة فيها أمراً يهدد سلامتهم.

أما في هذا العصر، العجيب، فإنه يمكن تشبيه بناء النظم والهياكل الإدارية وأسلوب الإدارة الحكومية نفسه، بل وربما بناء وإدارة الأوطان برمتها، وكأنه أشبه ما يكون بعملية بناء الأبراج الشاهقة متعددة السكّان وترتفع عن الأرض بشكل رأسي، مركب ومتشعب، والتي تتطلب إتقان العمل من جميع النواحي، كحُسن التخطيط الهندسي للبناء وتوزيع الأعمدة الخرسانية بالشكل الصحيح واختيار مواد البناء الأساسية المناسبة، وذلك من منطلق الحرص على حياة جميع القاطنين فيها بلا استثناء، بمن فيهم من قاموا بالبناء أصلاً.

ويمكن والحالة هذه تشبيه ما يحدث من فساد إداري في المؤسسات الحكومية وشبه الحكومية، سواء من حيث سوء التخطيط وارتكاب الأخطاء الإدارية أو من حيث سوء الإدارة وعدم وضع الرجل المناسب في المكان المناسب والفساد الإداري بشكل عام، وكأنه مثل سوء التخطيط الهندسي الذي يعتمد عليه بناء تلك الأبراج أو الغش في الخرسانة المسلحة وعدم مطابقتها للمواصفات القياسية التي تستطيع تحمل ثقل البناء الشاهق وتشعباته، أو في أسوأ الأحوال استخدام الطين الهش في البناء بدلاً من الخرسانة!. ولنا أن نتخيل كيف يمكن لمثل تلك الأبراج أن تتحول في لحظة واحدة إلى كومة من الركام عندما تتعرض لهزة أرضية خفيفة.

والحل الأمثل للفاسدين، الذين يتطلعون للحماية الإستراتيجية لهم ولمصالحهم، ويرغبون بالاستمرار في تغذية وتدعيم منظومة الفساد التي يعتاشون منها وينفس الوقت يضمنون قدرتهم على الفرار بالوقت المناسب، هو أن يقوموا بتأسيس شبكة مخارج الطوارئ في تلك الأبراج بطريقة تناسب وجودهم فيها بحيث تضمن لهم سرعة الهروب منها لحظة الانهيار، كأن تكون ملاصقة لمداخل ومخارج الشقق التي يختارونها أو حتى تتواجد بداخلها وترتبط بها من خلال أبواب سرية، الأمر الذي سوف يجعلهم يطمئنون لنجاتهم رغم سوء البناء الذي يتسببون به، وربما يبدأون بالتفكير في سبل جديدة لتطوير منظومة الفساد وتعزيزها بالشكل الذي يعجِّل من انهيار البرج طالما توفرت قدرتهم على الفرار السريع بالغنائم التي بحوذتهم.

ويقتضي الإنصاف هنا أن نُذكِر المواطن الصالح والبسيط، الذي لا حول له ولا قوة ويسكن مثل تلك الأبراج، الهشة، لكي ينجو بنفسه هو الآخر، أن يختار موقع السكن المناسب بحيث يكون قريباً بقدر الإمكان لمخارج الطوارئ، بل وبشكل أكثر دقة يمكن القول بأنه ينبغي أن تتناسب المسافة الفاصلة بين باب شقته وأقرب مخرج للطوارئ عكسياً مع مقدار الفساد المستشري في البرج الذي يسكنه!، كما يمكنه اختيار الطريقة الأقوم، والأضمن، ويمنع وجود خطر انهيار البرج أصلاً من خلال إلغاء استخدام مخارج الطوارئ فيه وحذفها من المخططات الهندسية منذ البداية، الأمر الذي قد يجعل من كل ساكنيه، بمن فيهم الفاسدين أنفسهم، يعملون كل ما في وسعهم لضمان حُسن البناء والإدارة المُثلى التي تضمن صلابة البرج وتجعله قادر على احتمال أقوى الزلازل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بركان ثائر في القطب الجنوبي ينفث 80 غراما من الذهب يوميا


.. كل يوم - د. مدحت العدل: مصر مصنع لاينتهي إنتاجه من المواهب و




.. موجز أخبار السابعة مساءً- اقتصادية قناة السويس تشهد مراسم اف


.. موازنة 2024/25.. تمهد لانطلاقة قوية للاقتصاد المصرى




.. أسعار الذهب اليوم تعاود الانخفاض وعيار 21 يسجل 3110