الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما لنا وما علينا

مفيد بدر عبدالله

2015 / 8 / 10
المجتمع المدني


يجمع أصدقائي القاطنون من بلدان العالم المتحضر على أن العمل عندهم يعتمد الساعات – القطاع الخاص – وان الاجر لا يمنح الا أذا كان له ما يكافئه منجز، أي لا مجال (للسخته والكلاوات) مثلما هو شائع عندنا، فعدد العاملين يتناسب وما يتطلبه، المحسوبيات و(عمك خالك) تركوها لنا ، لذا فواردات الإنتاج محسوبة بدقة، وهي قادرة على تطويره من فائض الارباح رغم الضرائب العالية .
الصورة عندنا تختلف تماما، فكثير من المشاريع تتعثر، بل ان بعضا منها تتسبب بخسائر كبيرة، الطريق الاسهل والذي لا يحتاج لعناء كبير هو أن يباع النفط ويوزع رواتب على الموظفين، ويوجه المتبقي للمشاريع والمصاريف الاخرى. عدد الموظفين في الدوائر الحكومية لا تحدده الحاجة الحقيقية، بل تحدده الخطة السنوية والتي اهم غاياتها تشغيل أكبر عدد من العاطلين عن العمل. بعض الدوائر باتت تعج بأعداد كبيرة من الموظفين، واضحى من الصعوبة لبناياتها استيعاب اعدادهم . وجد الموظفون الكسالى في هذه الحالة فرصة كبيرة للتهرب من العمل ، والعجيب أنهم الاعلى صوتا للمطالبة بالحقوق دون ادنى مراعاة للظرف الاقتصادي الخانق الذي يمر به البلد . ولو تأملنا سلوك هؤلاء لوجدنا بان الغالبية العظمى منهم اقل من الاخرين خلقا وابعدهم التزاما عن الدين، وهنا لا اقصد ظاهر التدين .
أحدى القصص الكثيرة التي مرت بي ووجدت من المفيد التحدث عنها، وانا اتحدث عن الاخلاص في العمل والتفاني من اجله، بطلها السيد عدنان صالح الذي كان يرأس لجنتنا ( لجنة كشف زوارق صيد الاسماك)، ففي صباح يوم شتوي ، برده قارس، تجمعنا في موقع الكشف على ضفة النهر الذي تجمع فيه الصيادون على زوارقهم ، صعد عدنان أحد الزوارق يجري القياسات ويقرأ ارقام المحركات، فيما كنت الى جانبه، أدقق وادون المعلومات التي يقولها لي في سجل خاص ، وبينما هو ينتقل من زورق لآخر واذا به ينزلق من الزورق و يهوي الى النهر، تجمعنا حوله ، اخرجناه من الماء، يقطر ماءً ويرتجف من شدة البرد القارس، اخرج هاتفه – المعطوب- ومحفظة نقوده المبتلة من جيبه، ووضعهما جانبا، وعاد ليكمل عمله وهو يرتجف من البرد مثل سعفة نخلة في مهب ريح عالية، حاولنا جميعا اقناعه تأجيل العمل لليوم التالي لكن دون جدوى، أصر على اكمال عمله وبذات الدقة المعهودة منه، وبعدما اتم عمله، صحبناه لمنزل احد الصيادين، واستبدل ثيابه، قبل ان يعود دائرته، وحين راجعه الصيادون اليوم التالي وجدوه قد أصيب بالزكام الحاد ولم يسع للحصول على أجازه رغم أنها استحقاق طبيعي له، فإصراره على انجاز مصالح الصيادين جعل منه صلبا قويا قادرا على هزيمة المرض.
ما قام به السيد عدنان ما هو إلاّ ترجمة لتلكم العلاقة الحميمة التي تربط الإنسان بعمله و يرسم صورة لمفارقة عجيبة بين النقيضين، من يتنازل عن حق لصالح مصلحة عامة وبين من يطالب بمطالبات يسميها حقوق، بين مريض يرفض التمتع بإجازة وبين من يتمارض بكل صلافة ليتهرب من واجباته. أهم الدروس التي استوعبتها من الحادثة أن القضية برمتها قضية أخلاق وأن الازمة الحقيقية هي ازمة أخلاق، فنحن في زمن أناس يتسلقون على أكتاف الاخرين، ويظهرون في الصورة، وجنود خلفها معذبون.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأمم المتحدة تدعو بريطانيا لمراجعة قرار ترحيل المهاجرين إلى


.. هل واشنطن جادة بشأن حل الدولتين بعد رفضها عضوية فلسطين بالأم




.. وزير الخارجية الأيرلندي: 100% من الفلسطينيين بغزة يواجهون شب


.. ثورات في الجامعات الأمريكية.. اعتقالات وإغلاقات وسط تصاعد ال




.. French authorities must respect and protect the right to fre