الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مشوار قراءة في قصيدة مصطفى محمد

ممدوح مكرم

2015 / 8 / 13
الادب والفن


مشوار
قراءة في قصيدة مصطفى محمد
مصطفى محمد الذي لم يتجاز التاسعة عشر عامًا، لكنه في فترة قياسية بدأ يحقق قفزات سريعة في كتابة قصيدة العامية المصرية بصعيد مصر، هو بدأ ينتج ما نسميه شعرًا بالمعايير الفنية و الأدبية ، هذه الشخصية المعجونة بالشعر، و التي تمتلك هذا الوجدان الحاد والملتهب بحكم التكوين و التربية ، و المرحلة العمرية ( مرحلة البحث المضني عن القيم و المعاني، و التمرد ، و محاولة فهم ذواتنا وذاوات الآخرين) مع احتدام الأزمات الروحية و العامة ؛ كل ذلك كانت عوامل متراكمة جعلت من شاعرنا هذه الحالة المتفردة .
عندما أكتب عن مصطفى ، لا أكتب عن شاعر فقط ، أو لنكن دقيقين –أكتب عن تجربة شعرية تتكون وتتطور وتراكم خبراتها- هي قريبة مني على المستوى الخاص و الشخصي عبر الإنساني اتابعه عن قرب ، و الكتابة عنه للتحفيز أكثر من أن تكون للإطراء أو المجاملة ، قناعتي الشخصية بمصطفى محفّز عن الكتابة عنه ، وعن أعماله ومنها تلك القصيدة " مشوار"
القصيدة هي بالعامية المصرية تتضمن أربعة مقاطع ، كل مقطع يحمل عنوانًا ، تتفاوت المقاطع من حيث الطول ، لكنها متقاربة ، المقطع الأول عنّونه ب أسفلت
الثاني: طريق
الثالث: ملحوظة
الرابع: ........( ينطقها في الإلقاء نقط) وهي نقط تعبر عن فراغ النص
نلاحظ ارتباط عنوان المقطع الأول ( أسفلت) و الثاني( طريق) بعنوان القصيدة ( مشوار) أي مشوار يقصده مصطفى ؟ وأي طريقٍ وأي أسفلت يمشي فيه كي يصل لمشواره ؟
الإجابة داخل القصيدة تبدو شديدة المرواغة ، و تبدو مستغلقة ، بل أن القصيدة بكاملها تبدو صعبة في تلقيها بسبب احشتادها بمجموعة من العلامات و الرموز و الإحالات ؛ سنجد صلاح جاهين ، وفؤاد حداد ، و أحمد فؤاد نجم ، و الشيخ إمام ، و عبد المطلب كشخوص حاضرة في العمل .
المقطع الثاني ( طريق) يبدأ ب:
عب مطلب
ساكن ، مخاصمنا، ومبيسألش
من وتر البقرة النطاحة
ضربوني
صحيت على صوت بيانولة السيد
أو صاحب البيانولا الفلسفي
حالتين في كلمة
يااااااااااه
الأصل هو الموت
ولا البداية :حياة ؟
حلزونة اكتب
كي لا تكون وحيدًا
.......
في هذا المقطع الذي جمع عبد المطلب ، عبر الإشارة إلى ثلاثة من أغانيه ( ساكن ، مخاصمنا ، و مبيسألش) و التلميح بشكل ضمني للشاعر الكبير الراحل أحمد فؤاد نجم من خلال ( البقرة النطاحة ) في قصيدة بقرة حاحا المشهورة ، ثم أغنية البيانولا التي غناها و كتبها الشاعر الفلسفي أو الفلسفي الشاعر صلاح جاهين ، ثم فؤاد حداد من خلال إشارة سريعة لقصيدة الحلزونة .
ماذا يعني ذلك ؟
ذلك يعني أن الطريق هو طريق الشعر و الشعراء و ، الشعر هو المشوار الذي يريد مصطفى أن يسلكه ؛ كتعبير عن ذات مقهورة ، تعيش وحيدةَ ، تبحث عن معانٍ جديدة للوجود و الحياة و الواقع ، في عصر ضاعت فيه المعاني و تبدلت فيه القيم .
يعني ذلك ايضًا ؛ أن شاعرنا يؤسس عبر قصيدته تلك لرؤيته الذاتية وعبر خبرته الفطرية ، و تجربته البسيطة لرؤية يحاول استنباطها مما يقرأ و يطلع و يعرف ( شاعرنا يقرأ بنهم شديد) هو يتعامل بأسلوب النحلة ، التي تنتقل من زهرة إلى أخرى ، ثم تنتج عصارة ما جمعته من رحيق هذه الأزهار عسلًا شهيًا ، هكذا مصطفى الذي يتأثر بشكل كبير بما يقرأ ؛ لدرجة التوحد مع ما يقرأ .
كتب هذه القصيدة بعد قراءة جاهين و حداد و سماع عبد المطلب ، وهي التي فجرت بداخله هذه الدفقة الشعورية ، ثم مزاجها بتجربته الذاتية و التي تنبع من خصوصيتها ووادراكها السيكلوجي ووعيها الذي يحتوي على بذور التمرد ، بل و الجنوح نجو الرفض .
أما المقطع الثالث : فهو بمثابة هامش للقصيدة ، يأخذ المتلقي لحالة أخرى ، فهو ينبهه أن الذات الشاعرة حاضرة( ذات الشاعر الحقيقية) فعنّون المقطع بملحوظة ، للفت الإنتباه ولقول ما لم يقله في مقطعي (أسفلت ، وطريق) وهما المقطعان الأساس في القصيدة ، وهذا المقطع يدور حول الإمتحان الذي سيكون في الغد ، وانشغال الشاعر بالشعر و ليس بالإمتحان ، وهو يؤكد ما قلناه ؛ أن مشوار الشاعر هنا : هو الشعر لا غير ، و أن الشعر هو الحياة وهو الغاية وهو الوسيلة ، هو توحد بين الشاعر و الشعرفي جدلية واحدة ، اعطت للشاعر هذه الحركية و الديناميكية في القصيدة ؛ التي جاءت لحد متناقضات و صراعات مستعرة في وجدان الشاعر (الذات) وبين الواقع المعاش( الموضوع) يقول في هذا المقطع :
الإمتحان بكرة
جنب الكتاب:
إنسان غريب بيحلل النملة
أربع حيطان ومفيش بخور
شريان من البنصر
عشان كدة لبسوه دبلة
لسعة كلام الشمس
لابد شيئ حتمي
الأخ : الكلمة في هزاره
يقولها بجد
فيه عود نحيل
لسة صغير سنه
عايزين ننول م السنبلة نايب
فسطر " لسعة كلام الشمس/ لا بد شيئ حتمي" هو الشعر ؛ الذي هو بمثابة كلام الشمس = حرارة التجربة ، و احتراق الوجدان و ألم الذات الشاعرة في وحدتها ة إغترابها ، ونزوعها للروحي والصوفي ( أربع حيطان / ومفيش بخور)
أما المقطع الرابع و الأخير : ..............( ينطقه نقط أثناء الإلقاء)
هو جاء ليكثف الصراع بشكل أعمق ، و ليؤكد تصميم الشاعر على السير في " المشوار" لنهايته رغم كل العقبات و الصعوبات ، بل و نجد معاهدة مبطنة لكل من سبقه في السير في هذا المشور الصعب ، وكأنه تعلق في الحبال للصعود لأعلى( خطر انقطاع الحبل و السقوط)
يقول في آخر هذا المقطع :
وهينزف المشوار
على خط
كان خط اللي كانوا قبل
متشعبطين بالحبل
والإمتحان بكرة
يجعل صباحك خير
هنا يدرك صعوبة المشوار الشديدة لدرجة النزف ، و أنه نفس خط ونزف من سبق وهو يلمح إلى الشعراء الذين أيقنهم ( اي جعلهم أيقونات في المقطع الثاني وهم بشكل خاص) و الشعراء بشكل عام ، مؤكدًا أيضًا "الإمتحان بكرة " وهو يمشي في مشوار الشعر .
أما بداية هذا المقطع فهو تعبير عن أزمة روحية ذات بعد فلسفي ( زحمة الأفكار) وهي تمثل بذور أولى لحالة صوفية تتشكل لكنها ضعيفة ، يقول :
قلة خشوع القلب
من زحمة الأفكار
صوت الصفير في الودن
قبل ما اقول :
"آآآآآآآآآآآآمين "
بيفتحوا عنيا
يا شخص يا مرهق
مش وقتها دلولئت
لسة الطريق قدام
و إن كان محدش سامعه بيغني
أوعاك تغني و إنتا عالسجاد
يااااااااااا رب
أنا كلي خوف
.................
نعود للمقطع الأول : أسفلت
وهو بمثابة المقطع المفتتح ،وهو تلخيص لحالة مكثفة لوضعية الذات الشاعرة ، يعطي بعضًا من ملامح للشاعر ، لكنها ملامح بها مرواغة؛ لتنتهي "لذرة رمل تذروها الرياح/ وقعت في بحر الفلسفة و الشعر) وهذا كان بداية المشوار، ليبدأ الطريق في المقطع الثاني ( طريق الشعر)
يقول في المقطع الأول :
شكل الخيال المر
يوهمنا بالسكر
صورة سطوح أشكال
من فوق سطوح بيتنا
يحسسوك بالكبت
لما ينوح و يبوح الجرح
من ذكرى مشارط تجربة سابقة
وقت أما تحضن طفل
أو فرقعة ديناميت
حنفية بتنقط
متسرسسبة من بحر
تدهن آلاف مواسير الري يا عطشان
من قلب ذرة رمل
"تذروها الرياح"
وقعت في بحر الفلسفة و الشعر
إذن يمكن أن نحدد بعض السمات العامة للقصيدة
1- قامت بنيتها على تقسيمها إلى أربعة مقاطع يجمعها رابط واحد .
2- كل مقطع يمثل صوت ( أربعة أصوات) لكنها متحدة في صوت واحد ، وهو ما أدى إلى التشوش ، وتفكك المعنى لمن يقرأها قراءة أولى دون تركيز و فهم .
3- كل مقطع أو صوت جاء ليخدم بشكل مباشر أو غير مباشر المقطع الذي قبله .
4- داخل كل مقطع نجد أيضًا أصوات أخرى تتحدث ، و تتقاطع ، وحتى تتناقض ، وهو ما يفسر عملية القطع التي تحدث اثناء القراءة ( تشبه المونتاج السينمائي) عندما يصل المشهد للذروة ، يتم قطعه للإنتقال لمشهد جديد حتى يكتمل الحدث الدرامي بشكل سلس و مشّوق ، هكذا بالنسبة لقصيدتنا ، وهذا لن يتم اكتشافه إلا بقراءة القصيدة عدة مرات .
5- احتشدت القصيدة بمجموعة من الصور الجميلة وذات الإيحاءات العميقة ، وهي تعبر عن صدق التجربة وتلقائيتها وعفويتها .
6- تناسب إيقاع القصيدة من حيث موسيقيتها ، وصورها ، وانفجاراتها النفسية مع طبيعة المشي= مشوار .. السرعة أحيانًا ، و البطئ في أخرى .
7- القصيدة هي مزج بين الواقعي و بين ما وراء الواقعي حتى لو أخذ شكلًا واقعيًا .
8- الشاعرية التي غلفت القصيدة ، و التي تشربت بمرارة رقيقة منسابة من بين أسطر القصيدة جعلها ذات إحساس عال ، و مرهف ، تتسلل إلى وجدانك مع أول قراءة أو استماع، وفي التحليل تكون المتعة أكثر .
أخيرًا القصيدة تحتاج إلى تحليل صوتي و عروضي ( ليس هذا مجال حديثنا أو عملنا) ، هناك كسور وهنات عروضية ، و يحتاج شاعرنا إلى تعميق تجربته أكثر و أكثر ( ونحن ندرك إجتهاده في ذلك ، و نشد على يده) كما أنه بحاجة لتنظيم فوضى التلقائية أو العفوية ، حتى لا يحدث تشوش قد يجعل القصيدة هذه و غيرها مستغلقة و غير مفهومة للمتلقي .
تحية ممزوجة بالحب و الإحترام و التقدير لشاعرنا الجميل مصطفى محمد، و نحن نسير معك في نفس المشوار ( متشعبطين بالحبل)

وهذا ملحق بالقصيدة كاملًة
قصيدة عامية بعنوان مشوار
(1)
أسفلت
شكل الخيال المر
يوهمنا بالسكر
صورة سطوح أشكال
من فوق سطوح بيتنا
يحسسوك بالكبت
لما ينوح و يبوح الجرح
من ذكرى مشارط تجربة سابقة
وقت أما تحضن طفل
أو فرقعة ديناميت
حنفية بتنقط
متسرسسبة من بحر
تدهن آلاف مواسير الري يا عطشان
من قلب ذرة رمل
"تذروها الرياح"
وقعت في بحر الفلسفة و الشعر
(2)
طريق
عب مطلب
ساكن ، مخاصمنا، ومبيسألش
من وتر البقرة النطاحة
ضربوني
صحيت على صوت بيانولة السيد
أو صاحب البيانولا الفلسفي
حالتين في كلمة
يااااااااااه
الأصل هو الموت
ولا البداية :حياة ؟
حلزونة اكتب
كي لا تكون وحيدًا
عشتها ساعت
جص نبض الوحدة من .....
حاضر
أنا هلتزم بالصدق
لكن ..و الله من قلبي
يطلع صديد الجوف
يغسل صديد الناس
حتى النضافة تقول
يبقى الغسيل من بعد مراحل التأسيس
(3)
ملحوظة
الإمتحان بكرة
جنب الكتاب:
إنسان غريب بيحلل النملة
أربع حيطان ومفيش بخور
شريان من البنصر
عشان كدة لبسوه دبلة
لسعة كلام الشمس
لابد شيئ حتمي
الأخ : الكلمة في هزاره
يقولها بجد
فيه عود نحيل
لسة صغير سنه
عايزين ننول م السنبلة نايب
(4)
.........
قلة خشوع القلب
من زحمة الأفكار
صوت الصفير في الودن
قبل ما اقول :
"آآآآآآآآآآآآمين "
بيفتحوا عنيا
يا شخص يا مرهق
مش وقتها دلولئت
لسة الطريق قدام
و إن كان محدش سامعه بيغني
أوعاك تغني و إنتا عالسجاد
يااااااااااا رب
أنا كلي خوف
.................
وهينزف المشوار
على خط
كان خط اللي كانوا قبل
متشعبطين بالحبل
والإمتحان بكرة
يجعل صباحك خير
مصطفى محمد يوسف
أبو قرقاص ، المنيا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعرف وصايا الفنانة بدرية طلبة لابنتها في ليلة زفافها


.. اجتماع «الصحافيين والتمثيليين» يوضح ضوابط تصوير الجنازات الع




.. الفيلم الوثائقي -طابا- - رحلة مصر لاستعادة الأرض


.. تعاون مثمر بين نقابة الصحفيين و الممثلين بشأن تنظيم العزاءا




.. الفنان أيمن عزب : مشكلتنا مع دخلات مهنة الصحافة ونحارب مجه