الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هرطقات صوفية: هل القرآن كلام الله أم الشيطان؟

محمد سرتي

2015 / 8 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في غرة تموز كتبت مقالاً حول تحريف القرآن، وقبل نهاية الشهر أصدر وزير التعليم السعودي قراراً يلزم كافة مدارس التعليم العام بتخصيص فصول لتحفيظ القرآن، فذكّرني بمقولة الدكتور علي شريعتي: إن أكذب الناس في ادعائهم الإيمان هم الذين احترفوا رفع المصاحف على أسنة الرماح. ولكن الوزير المسكين يبدو أنه جاء ليكحلها فعماها، فقبل القرار كانت فئات لا تزال مترددة فيما لوكان القرآن محرف أم لا، وفئات أخرى تتساءل هل القرآن كلام الله أم كلام الشيطان؟! فجاء قرار الوزير مباشرة بعد مذبحة الموخا ليقدم الإجابات.
هل القرآن كلام الله أم كلام الشيطان أم كلامهما معاً؟ (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته، فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم) ولكن عندما يحكم الله آياته هل ينمحي رسم المنسوخ بالضرورة؟ وأين تذهب هذه الآية من عصمة النبي ومن (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه) وعلاقته بالمحكم والمتشابه الذي (لا يعلم تأويله إلا الله) رغم تداخله بالمحكم تداخلاً يستحيل معه الفرز، وبالتالي الاستدلال قطعاً. فنفس السياق القرآني الذي يستند إليه المجرمون لتبرير جرائمهم؛ يستدل به الطرف المقابل لأغراض نقيضة تماماً، وهي جدلية لم تتوقف عبر التاريخ، وكأن القرآن –بهذا المفهوم- جزء من منظومة ديالكتيكية هيجلية يرتبط فيها النص مع الحدث التاريخي برباط هرمنيوطيقي ضمن المسار التفاعلي لصيرورة الحتمية التاريخية (فلا يفترقا حتى يردا عليّ الحوض).
لقد كشفت فتنة خلق القرآن النقاب عن هذا البعد بإثارتها لأكثر الأسئلة العقائدية خطورة في الإسلام، حينما استفزت الوعي المجتمعي لمحاولة تكوين تصور منطقي حول حقيقة العلاقة بين الذاتي والموضوعي، ذلك الوعي الذي كان في طور التشكل، أو إعادة التشكل، بعد صدمة الدين الجديد وما صحبه من امتزاج ثقافي وديموغرافي فريد من جهة؛ وصراعات سياسية بلغت الغاية في دمويتها من جهة أخرى. واتكاء المتصارعين مبدئياٌ على الرسم القرآني بمحكمه ومتشابهه، خصوصاٌ جماعة (إن الحكم إلا لله) ما جعل الحاجة أكثر إلحاحاٌ لتمحيص الماهوية الوجودية لهذا الرسم وامتداداته لما وراء الوجود.
من خلال هذه الفتنة تم إعادة إنتاج فينومينولوجية الكلمة (وكلمته ألقاها إلى مريم) وإسقاطها على الرسم القرآني (كلام الله) ليتحد اللاهوت بالناسوت مجدداٌ بعد اكتسابه مجموعة جديدة من القيم المضافة، أسس لها وأثراها المزج الديموغرافي الجديد. من هنا بدأت الدالة البيانية للفكر الإسلامي تأخذ منعطفاٌ غنوصياٌ صاعداٌ، ما لبث أن تجاوز الغنوصية الكلاسيكية (المانيوية) إلى مرتبة وحدة الوجود. ما دفع في النهاية بالوعي الإسلامي الجمعي إلى التفتق مجبراٌ عن ذلك النموذج الأسطوري (الحلاج) الذي وقف وسط الجموع معلناٌ –بطريقة انتحارية- سر الوجود الأعظم: أن الله والشيطان وجهان لعملة واحدة. فالله هو الدهر بخيره وشره، هو خالق أفعال العباد بكل تداعياتها وإفرازاتها الملائكية والشيطانية. فهو النافع والضار، العفو والمنتقم، المعز والمذل، المحيي والمميت، الخير والشر. هو محمد وأبوسفيان، هو فاطمة وعائشة، هو علي ومعاوية، هو الحسين ويزيد، لتصبح (إن الحكم إلا لله) أفضل ما يعبر عن فينومينولوجية الكلمة/الإرادة الإلهية عبر تمظهراتها الوجودية ليس من خلال الرسم القرآني المتخشب؛ بل من خلال التصاقاته البشرية. فالتناول البشري للنص هو الإرادة الإلهية بعينها، هو كلمة الله، هو الديالكتيكية اللازمة لصناعة الحدث التاريخي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نعم هى كذلك
على سالم ( 2015 / 8 / 14 - 02:30 )
الواضح انها حقيقه الامر ,الله والشيطان وجهان لعمله واحده

اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س