الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف تغير المزاج الشعبي رأسا على عقب في العراق ؟

حسين كركوش

2015 / 8 / 17
مواضيع وابحاث سياسية



بعد سقوط النظام الصدامي سنة 2003 توفرت للفكر الشيعي فرصة ذهبية لا أظنها ستتكرر بعد الآن. كان بمقدور الشيعة أن يعتمدوا، سياسيا وفكريا، على إرثهم التاريخي في أيامه الأولى، وكان على الدوام متمردا و ثوريا ومناهضا للطغيان السياسي، وأن يقدموا مشروع حكم برؤيا عصرية.
كان بمقدور الشيعة العراقيين أن يعقدوا تصالحا تاريخيا بين المذهب الشيعي، من جهة، وبين الديمقراطية كفلسفة في الحياة وكنظام سياسي، من جهة أخرى. وقد وُفرت لهم، عمليا، هذه الفرصة: دستور ديمقراطي، برلمان، فصل بين السلطات الثلاث، حرية التعبير... الخ.
وما كان على الشيعة سوى الخروج من (التاريخ) ويعيشوا في (الحاضر).
لكن الأحزاب السياسية الشيعوية ، التي حكمت العراق منذ سنة 2003 بأسم الشيعة ، ظلت تفكر وتفعل كما لو أنها تعيش في القرن الثالث الهجري ، وليس في القرن الحادي والعشرين.
الأحزاب السياسية الشيعوية الحاكمة ظلت تتعامل مع الشيعة العراقيين وكأنهم مجموعة تتكون من مئات أو آلاف من العلويين أو الطالبيين أو الأشراف ، وليس شعب حديث تًميز بين أفراده فوارق موضوعية كثيرة.
هذه الأحزاب لا تسمي العراقيين الشيعة ( مواطنين) وإنما تسميهم (أتباع أهل البيت) كما كان الأمر في القرن الثالث الهجري ، وظلت تعتبر نفسها (نقيب) لهولاء الطالبيين أو العلويين أو الأشراف.
بمعنى آخر أنها أصرت على الاعتقاد بأن الانتماء المذهبي قادر وحده على إلغاء الفوارق أو الهويات الفرعية (وهي فوارق مهمة وخطيرة جدا) التي خلقتها روح العصر ، خصوصا في القرنين الماضين ، عند أصحاب المذهب الواحد.
الشيعة ( وأنا أتحدث عن العراق حصرا) لم يعودوا، كما في القرن الثاني أو الثالث الهجري، (مكون) متجانس ومنسجم ومتوافق.
نحن الآن في سنة 2015 والشيعة شعب تميز أفراده فوارق طبقية واجتماعية ومهنية وانثروبولوجية وعرقية وقومية وحضارية.
هذه (الهويات) الفرعية لا تعترف بوجودها الأحزاب الإسلاموية الشيعوية ، وتصر على أن الشيعة (مكون) أو كتلة صماء.
قادة الإسلاموية الشيعوية ولدوا سنة 2003 وهم (موميات) محنطة ، وظلوا يحكمون وهم (موميات) محنطة. والأدهى من هذا أن هذه (الموميات) فاسدة من قمة رأسها لأخمص قدمها في كل المجالات.
ولهذا ، فأن التظاهرات الحالية التي تعم جميع المدن لم تفاجأ الشعب العراقي. الجهة الوحيدة التي تفاجأت بها هي (الموميات) الإسلاموية السياسية الشيعوية.
هذه (الموميات) تفاجأت لأنها لم تعر أي اهتمام للفوارق التي تميز بين شيعة اليوم ، و ظلت ترفض الاعتراف بها.
الملايين الذين يتظاهرون اليوم في بغداد والمدن الأخرى هم (الهويات) الشيعية المختلفة والمتباينة. إنهم ينتمون لمدارس سياسية وفكرية مختلفة ويحملون أراء ومواقف متباينة، وينهجون أنماط مختلفة في السلوك والملبس.
باختصار أنهم يريدون نمط آخر من الحياة.
نعم ، هم شيعة. ولكنهم لا يتظاهرون باعتبارهم (روافض) ضد مكون آخر أسمه (نواصب). إنهم يتظاهرون كمواطنين عراقيين لا يجدون أي فرق بينهم وبين العراقيين الآخرين. شعاراتهم هي: (لا سنية ولا شيعية دولة مدنية) ( خبز حرية مدنية).

أما مسألة توقيت التظاهرات، ولماذا بدأت الآن ولم تبدأ قبل عام أو عامين أو خمسة أعوام، فأن ذلك يتعلق بسيكولوجية الشعب و بالمزاج الشعبي.
تاريخ شعوب الأرض كلها يثبت أن هناك لحظات تاريخية حاسمة ينقلب فيها المزاج الشعبي بين ليلة وضحاها ، ولكن ليس عن طريق الصدفة ، وإنما بعد أن يكون قد تراكم الإحباط و الغضب والاستياء الشعبي ، ويصبح الأمر بحاجة لأي حادثة حتى لو كانت بسيطة وعابرة.
وألا ، هل من المعقول أن انتحار شخص بسيط مغمور أسمه بو عزيزي بإمكانه ، وحده أن يشعل نار الثورة التونسية التي أطاحت بزين العابدين بن علي !

أما ما تقوله (الموميات) الحاكمة في العراق إن (الشعب انتخبنا) فهو (بازبند / حجاب) أبطل سحره الشعب.
الشعب ينتخب. نعم. لكنه لا يمنح (صك على بياض). وهذا يحدث حتى في المجتمعات الأوربية الديمقراطية العريقة. هذا إذا صدقنا بأن الانتخابات في العراق تحدث دون تزوير مباشر وغير مباشر.
(الموميات) الحاكمة في العراق ظلت تعتقد أن سلطة السلاح وسلطة المال وسلطة الديماغوجية كافية لمنع الانفجار الشعبي. وها هم العراقيون في عموم العراق يعيدون هذه (الموميات) إلى مكانها الطبيعي ، إلى متحف التاريخ العراقي.
التظاهرات التي تتصاعد حدتها يوما بعد آخر لم تحدث صدفة. إنها تعبير عن سخط شعبي متراكم، وهي تجسيد لرفض شعبي.
و كان الشعب قد أوصل رسائل إنذار كثيرة.
في أدناه قليل جدا من الثوابت و الأدلة:

* في انتخابات مجالس المحافظات التي جرت سنة 2013 بلغت نسبة المشاركة في بغداد 30% لا أكثر (طبعا تلك كانت تقديرات مفوضية الانتخابات ، ويقال ان تلك النسبة أدنى بكثير مما أُعلن رسميا). ولو كان (ربع) الناخبين في مدينة الثورة أو في مدينة الشعلة صوتوا لكانت تلك النسبة أكثر بكثير.
وأرجوكم أن تراجعوا ما نشرته تلك الأيام صحف الأحزاب الحاكمة لتعرفوا حجم الرعب الذي سببه عزوف الناخبين. تلك الصحف قالت أن الناخبين لا يثقون بنا وسينصرفون عنا. لكن كًتاب تلك المقالات قالوا أن السبب يكمن في (أداء) الحكام. ولم يعترف واحد منهم (وهل يعترف ؟) بأن الخلل يكمن في (فلسفة) الحكم ، و وصوله لطريق مسدود.
** نوري المالكي ليس مجرد (رقم) في العملية السياسية. المالكي رئيس الوزراء لدورتين ورئيس حزب الدعوة ورئيس قائمة القانون ومرشح الائتلاف الشيعي. المالكي اعترف في مقابلته التلفزيونية المشهورة، بعد إبعاده عن رئاسة الوزراء، و قال بالحرف الواحد: (لقد فشلنا جميعا.) لكنه يفسر الآن الانفجار الشعبي كصراع بين الإسلام وأعداء الإسلام !!!
*** كل الطبقة السياسية الحاكمة تعرف جيدا أن بقائها في الحكم وفي مركز الصدارة مسألة وقت ، ليس ألا. وتعرف أن هذا الوقت يمضي بسرعة. ولهذا فأنها تتصرف وكأنها في حال إنذار دائم، وكأن الخطر يطوقها من كل جانب. والأدلة كثيرة. هذه بعض منها :
جميع تنظيمات هذه القوى ما زالت تحتفظ بأسلحتها المعلنة والمدفونة تحت الأرض.
جميع هذه القوى السياسية ما تزال تحتفظ بمليشيات مسلحة.
أفراد جميع هذه الطبقة يهربون أموالهم خارج العراق ويرفضون بإصرار استثمارها داخل العراق ، لأنهم يعرفون أن لا مستقبل لهم داخل العراق.

لكن هذا كله لا يعني أبدا أن الصراع قد حُسم، وأن هذه القوى ستقبل بخسارتها. فدرب التغيير طويل ومعقد، ونحن ما زلنا في بداية البداية. ومناهضو عملية التغيير والإصلاح السياسي سيستخدمون كل ما يملكون من أسلحة. ولو كان عندهم سلاح نووي فسيستخدمونه. فالصراع لا يدور حول تبليط شارع أو إصلاح ماكنة كهربائية.
الصراع هو صراع حياة أو موت.
خسارة المعركة تعني خسارة مليارات الدولارات والمناصب والامتيازات والجاه والأبهة والمواقع ، ومنظومات قيمية اجتماعية / أخلاقية / ثقافية تستند عليها هذه المكاسب والمواقع.
ولهذا فأن الذين أرسلوا ليتسللوا الجمعة الماضية لساحة التحرير واعتدوا على المتظاهرين لتخويفهم وثنيهم عن التظاهر، لم يفعلوا ذلك بطريقة عفوية. وهم ليسوا معزولين ، ولن تكون هذه المرة الأولى.
لكن تاريخ الشعوب حافل بأمثلة تثبت فشل محاولات كهذه، نذكر منها مثلين.
من كان يفكر حتى في الحلم أن ينهار الاتحاد السوفيتي الذي كان يملك سلاحا نوويا ، هو الأول أو الثاني في العالم. لكن جموع البشر التي اكتظت بهم الشوارع حولوه إلى ذكرى تاريخية.
من كان يفكر حتى في الحلم أن ينهار نظام الشاه الذي كان يحميه جهاز (السافاك) المرعب. لكن جموع الإيرانيين الذين ظلوا يرابطون في الساحات العامة ليلا ونهارا جعلوا الشاه طريدا شريدا ترفض استقباله كل الدول ، بما في ذلك حليفته أمريكا.
في الحالتين حصل الأمر لأن النظامين شاخا وهرما وأصبحت عملية التغيير ضرورة لا بد أن تحدث.
وهذا ما يحدث لحكم (الموميات) في العراق الآن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عاجل.. شبكة -أي بي سي- عن مسؤول أميركي: إسرائيل أصابت موقعا


.. وزراءُ خارجية دول مجموعة السبع المجتمعون في إيطاليا يتفقون




.. النيران تستعر بين إسرائيل وحزب الله.. فهل يصبح لبنان ساحة ال


.. عاجل.. إغلاق المجال الجوي الإيراني أمام الجميع باستثناء القو




.. بينهم نساء ومسنون.. العثور جثامين نحو 30 شهيد مدفونين في مشف