الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في نص أحمر وأسود للقاص حيدر مساد

عماد ابو حطب

2015 / 8 / 20
الادب والفن


قراءة في نص أحمر وأسود للقاص حيدر مساد

النص


أحمر وأسود

بما تبقى في مكحلتها يرسم أولى ملامح لوحته؛ الشَّمْسُ مُطْفَأةٌ، يفتح جرحه الذي لم يلتئم، يُغَمِّسُ فرشاته، ويكمل بالأحمر لوحته الأخيرة.


القراءة

السرد بمحاكاة الرسم
نحن امام نص اعتمد السرد بمحاكاة اللوحة، هنا انجز الكاتب/ة قصة قصيرة جدا عبر صناعة مشهد حكائي تشكيلي بلغة ملوّنة، مفعمة بالرمزية، حيث يغدو للألون واللمسات والعناصر المرئية دلالاتها الحكائية الغنيّة، كما هو في اللوحة المرسومة.
قصص عديدة تدور أحداثها داخل لوحات فنية، وتتحرك شخصياتها في إطار اللوحات فقط، فتشكّلها خطوطها وألوانها، وتخضع لمنطقها السردي. وبعضها يدخل الرسام ضمن شخصياتها، فتسهم فرشاته في تحريك السرد وصناعة أحداثه.
تمتلك الألوان والعناصر التشكيلية طاقة دلالية يمكن لمتذوّقي فن الرسم وخبرائه الكشف عن إيحاءاتها، فإذا دخلت في إطار سردي ستضاف لها مهام أخرى، في سياق بناء القصة وتوسيع منظورها التمثيلي. فالرسم كما هو معلوم من الفنون المرئية، ويمتاز بخصوصيته البصرية في التواصل مع المتلقي، في حين تتصل الفنون السردية بمتلقيها من خلال طبيعتها الكلامية، المكتوبة أو المقروءة. لذلك فإن استقدام تقنيات فنٍ مرئي إلى فنٍ محكي، على سبيل التجريب والتحديث، سيحقق إبدالاً جمالياً على مستوى الصورة الحكائية، واقعية كانت أو متخيّلة، ويمنحها ظهوراً مفارقاً في المسار القصصي.
وقد أفادت الفنون السردية من فن الرسم، من خلال استدعاء تقنياته المختلفة وأدواته، كالمزج اللوني والكولاج والدلالة الرمزية للأشياء وغيرها.
وهنا تأخذ اللوحة واللون الأحمر والأسود رمزية عالية في متن القصة، وتثير في ذهن القارئ والناقد تساؤلات إبداعية عديدة، سيحاول إيجاد أجوبة لها مما توحيه رموزها. ويدخل العنوان في بناء دلالة القصة من الوهلة الأولى، فهنا نرى الأحمر والأسود وهو أمر ملفت فعادة ما يكون العنوان الأسود كناية عن العتمة والظلام لتشرق منها لون الشروق والشمس المعبر عنه عادة بالأحمر.لكن الكاتب/ة عكس المتعارف عليه عبر عنوانه فجعل الأحمر أولا وهو هنا لا يعبر بالتأكيد عن الشروق والشمس إنما هو تعبير عن الدم والموت الذي يعقبه السواد والظلمة.
العنوان قد يحمل المتلقي دون أن يشعر إلى اللحظات الأخيرة من الحياة ، قد تكون قبل الانتحار حينما يسود اللون الأحمر ليعقبه ظلام دامس ونهاية حياة عبر عنها بالأسود.
والغريب أن عنوان النص الذي ابتدأ بالأحمر ليصل إلى الأسود كان تسلسل النص معاكسا له.ففي النص يستهل الكاتب بالقول:"بما تبقى في مكحلتها يرسم أولى ملامح لوحته" وهنا كان الاستهلال بالأسود ولكن ما دلالات ما تبقى في مكحلتها.من المعروف أن المكحلة تراثيا دلالة على المرأة ومن التفسيرات المتوارثة ان المكحلة هي "امرأة صالحة تسعى في أمور الناس بالمصلحة، والإصلاح في دينهم وأموالهم، لأن العين قوام الدين، والمكحلة جعلت لإصلاحها. ومَن أولج مروداً في مكحله ليكحل عينيه وكان عازباً تزوج، وإن كان فقيراً استغنى، وإن كان جاهلاً تعلُم إلا أن يكون كحله رماداً أو عذرة فإنه يطلب حراماً من كسب أو بدعة. وربما دلّت المكحلة على حفظ الأسرار، والمال الضائع." فهل يعنى الكاتب /ة بما تبقى في المكحلة أن عمله الصالح نفذ و بدأ في طالح عمله؟خاصة أنه الحق رسم أولى ملامح لوحته بان " الشَّمْسُ مُطْفَأةٌ".وهذا يعني العمى الكامل والظلام.وهنا قد يكون تعبيرا عن انطفاء الشمس داخليا وانعدام البصيرة نتيجة لانسداد أي أفق أمام الانسان.ومن المعروف أن استعمال انطفاء الشمس يحمل دلالات على المصائب والكوارث. فهل هي كارثة شخصية أم عامة...الباب ترك مفتوحا للتأويل .وإن كنت أرى اقتراب النص من مقطع للشاعر نزار قباني عالج انطفاء الشمس بالقول:" عاد الشتاء بكل قسوته
الشمس منذ رحلت مطفأة
الآن أدرك حيث لا قمر
عام ..".
كاتب/ة النص يستمر في وضعنا موضع الشك في ما إذا كان يقصد حبيبة أو وطنا أو مصيبة كبيرة خاصة حينما يكمل:" يفتح جرحه الذي لم يلتئم" ..أي أن الجرح نازف دما وهذا أقرب لإسقاط على وضع عام وليس خاص كما أرى فهو " يُغَمِّسُ فرشاته، ويكمل بالأحمر" وهنا الأحمر دم وموت وفناء مع القفلة اكمال " لوحته الأخيرة."
يمكن إسقاط النص على وضع شخصي وكذلك على الوضع العام.فالبطل هنا أو الرسام جسد حالة إنسانية حساسة، مفعمة بالحيوية ونابضة بالرؤى الجمالية. والبدء بالأسود يشير إلى كبتٍ وحجرٍ ومنعٍ من نوعٍ ما، ملوّث باللون الأحمر، المختلط بالدم القاني، ربما نتاج الحروب والبشاعة التي يغصّ بها العالم، حتى تكاد تقضي على آخر أمل يمكن أن يلتمع في أفقه. ولا ننسى أن هذه اللوحة لم تكن حمراء، بل كانت بيضاء ثم سوداء وبدلا من ان تحمل ألوان الرسام على اختلافها،لونها بالأحمر.
القاص/ة يطلب ـ ضمنياً ـ من المتلقي أن يقرأ القصة ويجسّد اللوحة الناتجة عنها ذهنياً: «فضاء مدهون بالأحمر القاني، ومكحلة فارغة وشمس مطفاة تتوسط هذا الفضاء». وربما يمكن للمختصين أن يستنبطوا من هذه اللوحة قراءات وتأويلات تشكيلية غزيرة.
نص جميل ذو دلالات عدة..يمكن قراءته بأكثر من شكل...شكرا للكاتب/ة على ابداعه المتقن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا