الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مَن يقضي على التشيع : (خمر) الحبوبي أم (تدين) الشيعة الجُدد ؟

حسين كركوش

2015 / 8 / 26
مواضيع وابحاث سياسية




2

الشاعر السيد الحميري (105- 173ه) مدافع باسل عن آل البيت . و فضل أن يهجر والديه ويخاصمهما ويصبح، بالضد منهما، مواليا لعلي بن أي طالب. وعندما سؤل كيف فعل ذلك بينما والداه ليس كذلك، قال ( غاصت عليً الرحمة غوصا). و ظل السيد يردد حتى يوم وفاته ( تجعفرت بآسم الله والله أكبر وأيقنت أن الله يعفو ويغفر).
و كان السيد لا يناور ولا يداهن ولا يُخفي أرائه ولا يتستر عليها ، وما كان يتبجح بها.
ما كان السيد بحاجة ، لكي يُظهر تشيعه ، لمحابس يضعها في أصابعه و لحية يشذبها بعناية وقطعة قماش خضراء يتوشح بها ، وقدر هريسة يحركه أمام الكاميرات ، حتى إذا توقفت الكاميرات عن الدوران عاد يتحصن داخل قصوره وقلاعه يراجع داخلها حساباته المصرفية.
السيد كان يدافع عن أرائه بأيمان راسخ وبثقة عالية بالنفس ، ويهاجم خصومه بروح اقتحامية استشهادية تُخيف أقرب الناس إليه حتى تجنب الآخرون رفقته و (هجره الناس تخوفا وتراقبا) ، كما يقول مؤرخو الأدب.
وكان السيد أعزلا من أي سلاح ما خلا سلاح الفكر. كان يدافع عن أفكاره بالحجة والبينة النظرية ، لا بواسطة الكلاشنكوف والتهديد باستخدام مليشيا.

لكن جهاد السيد الحميري والتزامه المبدأي لم يمنعاه أن يعيش حياته الخاصة على طريقته الخاصة ، مثل جميع الأسوياء من البشر. فقد كان يمتاز بالظرف وحلاوة المعشر ، والشجاعة في اتخاذ القرارات الذاتية العاطفية في علاقاته مع النساء.
وكان ، رغم نضاليته ورفضه للنجومية وابتعاده عن الصالونات الأدبية الاستعراضية ، كثير الاعتداد بالأنا وبالتفرد عن الآخرين ، و كثير الأعتزاز بإبداعه الشعري ، و رفض ثقافة القطيع.
مرة كان هذا المثقف الكبير يلقي شعره في وسط من الناس ، ولما سمعهم يَلغَطُون و في شغل عنه ، و أدرك أنهم يتظاهرون بالثقافة ، و لا يفقهون من الشعر شيئا فأنه لم يتردد من تعريتهم:

قد ضًيع الله ما جًمعتُ من أدب بين الحمير وبين الشًاء والبقر
لا يسمعون إلى قول أجيءُ به وكيف تستمع الأنعامُ للبشر
أقول ما سكتوا إنس فأن نطقوا قلتُ الضفادعُ بين الماء والشجر


ورغم أن السيد كرس شعره للدفاع عن آل البيت وأوقف حياته كلها دفاعا عن التشيع، ألا أنه كان يحترم حق الإنسان في الاختيار الفكري، وكان يرى أن الحب الإنساني بين البشر كفيل بالتغلب على الخلاف المذهبي. فقد تعرف السيد في أحدى المرات عن طريق الصدفة على امرأة ليست من عشيرته وليست من مذهبه (كانت إباضية). و أظهرت له المرأة أعجابا و عبرت عن رغبتها للاقتران به، لكنها خشيت أن لا يتم ذلك بسبب الاختلاف المذهبي بينهما. لكن رد السيد ، الذي أوقف حياته كلها دفاعا عن التشيع ، كان بعيدا عن التعصب الطائفي أو المذهبي ، واعتمد على (الحب) والتفاهم كوسيلة للارتقاء والتسامي على الخلاف المذهبي ، قائلا لها : ( بحسن رأيك فيً تسخو نفسك ، ولا يذكر أحدنا سَلَفا ولا مذهبا).
و يجمع رواة الأصفهاني في (الأغاني) على أن السيد كان مولعا بشرب الخمر. وكان خصومه من أنصار الحكومة (السلطان) ، المتأسلمون المداهنون الانتهازيون ، يحرضون ضده ويؤلبون الناس عليه قائلين : (لا تجالسوا هذا فإنه مشهور بشرب الخمر).
لكن هذا المثقف الشيعي المناضل ما كان يعير وزنا لهولاء لأنه يعرف زيف تدينهم ، ويعرف أنهم يهاجمونه بسبب أفكاره ومعتقده. ولهذا فأنه هدد أحدى المرات أحد خصومه قائلا :

سأحلق لحيته إنها شهود على الزور والمنكر

ولكي يجسد التزامه بمذهبه الديني وعشقه للحياة في آن واحد ، فأن السيد الحميري لم يجد غضاضة أن يتحدث في قصيدة واحدة عن مناقب الإمام علي وعن جمال المرأة الجسدي الشهواني :

أقسم بالله وآلائه والمرء عما قال مسؤول
إن علي بن أبي طالب على التقى والبر مجبول

و بعد أبيات و في القصيدة نفسها يتحدث بشهوانية جسدية وبشبق جنسي عن حبيبته ويصف جمال ردفيها وثقل عجيزتها (رداح) وطيب مذاق لُعابها :

ريا رَدَاح النوم خمصانة كأنها أَدماءُ عُطبول
يَشفيك منها حين تخلو بها ضم إلى النحر وتقبيل
وذوقُ ريق طيب طعمه كأنه بالمسك معلولُ
في نسوة مثل المَهَا خُرد تَضيق عنهن الخلاخيلُ


وبالطبع ، لم يسلم السيد الحميري من كيل الاتهامات ضده ، بالمروق على الدين ونشر الأفكار الهدامة و شرب الخمر و خرق النظام العام والتحريض ضد السلطة السياسية. وكان أزلام السلطة السياسية يؤلبون القضاة ضده ، حتى دبر له أحد القضاة تهمة السرقة ليقطعه.


أما الشاعر ابن الحجاج البغدادي ( 330-391 ه) فيوصف بأنه المدافع الشرس عن الشيعة. و هو القائل:

يا صاحب القبة البيضاء بالنجف من زار قبرك واستشفى لديك شفي
زوروا أبا الحسن الهادي لعلكم تحظون بالأجر والاقبال والزلف

لكن شعر البغدادي ، وقبل ذلك حياته ، لا يختصرها موقفه الفكري الأيماني. الفكر أو العقيدة هي غصن واحد من شجرة الحياة الخضراء متعددة الغصون. وهناك فرق بين الدين كتعليمات محددة ثابتة لا تتغير هابطة من السماء ، وبين (الحضارة) التي يخلقها بشر مختلفون ومتنوعون ، والتي تزخر بكل شيء والتي تتغير من زمن لآخر.
وكانت الفترة التي ولد فيها البغدادي وترعرع وشب و وكبر ، صاخبة وفوارة بكل جديد. كانت فترة الرفض و التمرد والثورات ، وفترة (العيارين) الثوريين ، الذين كانوا يتصرفون بأي طريقة تثبت تمردهم ضد السلطة الحاكمة ، حتى أنهم أباحوا ، تقريبا ، شرب الخمر.
كان البغدادي ابن عصره ، وكان يحيا حياته طولا وعرضا ، باسترخاء ذهني ونفسي وعاطفي وجسدي ، كأي فرد حر يفكر ويقول ويعمل ما يراه عقله صحيحا ، لا ما تراه التقاليد والعادات والعرف الاجتماعي صحيحا.
كان البغدادي يسير عكس التيار الاجتماعي الأخلاقي ، وبطريقة متطرفة. ولهذا فأن مؤرخي الأدب (الرسميين) يحتقرونه ، ويسمونه (سفيه الأدب) ، و (ناظم القبائح) و (مضرب المثل في السخف والمداعبة والأهاجي).
لكن ابن الحجاج ليس قبيحا وإنما القبيح هو عصره الذي عاش فيه ، عصر زيادة الفوارق الطبقية ، و عصر الربح السريع والجاه الزائف ، حتى لو كان الربح على حساب المبادئ.
وكان ابن الحجاج يرى هذا الظلم الطبقي ويعيشه :

مقيما أروح إلى منزلي كقبري وما حضرت منيتي

وكان يسمع و يشاهد كيف يستمتع الحكام وأصحاب الثروات بالجواري الجميلات ، بينما يعاني هو من الكبت والحرمان الجنسي.
قال مرة يداعب امرأة صدت عنه لفقره وعدم وسامته:

فصارت تصد إذا أبصرت مشيبي وتغضب من صلعتي
على أنني قلت يوما لها وقد أمضت العزم في هجرتي
دع عنك ما فوقه عمتي فأن جمالي ورا تكتي
هناك أير يسر العيون طويل عريض على دقتي
..
بياض الشيب تكرهه الغواني ويعجبها سواد في الشباب
وشيب لحى الزناة فدتك نفسي ضراط في اللحى عند القحاب
..
جاءت إلي وجوفها يغلي ولا قدر الزبيب
فسلقت بيضي في آستها وشويت في حرها عسيبي

كان ابن الحجاج يحب ويعشق ويمقت ويشتم ، مدمرا بشدة التابو الاجتماعي.
ولأن ابن الحجاج لم يكن يخفي أرائه ولا ينافق أبدا في سلوكه فأن مبغضيه يعتبرونه شاعرا خليعا وفاسقا ، بينما مريدوه والمدافعون عنه و عشاق شعره الشيعة يبررون له أفعاله ، و يغفرون له أقواله و يُسمونه تحببا (أمير الفحش).
وكان الشيعي ابن الحجاج مولعا بالخمر أي ولع. وكان يجاهر بشرب الخمر علانية ولا يخشى لوم اللائمين بعد أن أوكل أمره إلى الله وحده (يسامحه إذا وضع الحساب):

إذا حضر الحساب أعدت ذكري وتنساني إذا حضر الشراب
أجبني بالقناني والمثاني ووجهك إنه نعم الجواب
وكلني في الحساب إلى إله يسامحني إذا وضع الحساب

يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نحن في حاجة ماسة الآن لاشخاص مثله
طلال الربيعي ( 2015 / 8 / 26 - 18:10 )
الاستاذ العزيز حسين كركوش
كل الشكر على مقالك.
جميل جدا ان تذكرّنا بالشاعر السيد الحميري, فنحن في حاجة ماسة الآن, اكثر من اي وقت مضى, لاشخاص مثله لا يناورون ولا يداهنون ولا يُخفون أرائهم ولا يتسترون عليها, اشخاص لا يمنعهم التزامهم المبدأي من عيش حياتهم على طريقتهم الخاصة ويتميزون بالشجاعة في اتخاذ القرارات الذاتية العاطفية, مثل جميع الأسوياء من البشر وليس مثل المصابين بالعصاب ولابسو الاقنعة, وما اكثرهم في عصرنا.
وافر التحيات

اخر الافلام

.. غزة- إسرائيل: هل بات اجتياح رفح قريباً؟ • فرانس 24 / FRANCE


.. عاصفة رملية شديدة تحول سماء مدينة ليبية إلى اللون الأصفر




.. -يجب عليكم أن تخجلوا من أنفسكم- #حماس تنشر فيديو لرهينة ينتق


.. أنصار الله: نفذنا 3 عمليات إحداها ضد مدمرة أمريكية




.. ??حديث إسرائيلي عن قرب تنفيذ عملية في رفح