الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دين وأخلاق

صليبا جبرا طويل

2015 / 8 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



الأديان عديدة ومختلفة، تلتقي وتتفق على وجود خالق منظم
للكون. الأخلاق واحدة عند كل شعوب الأرض المؤمنة والكافرة.
نظرة الأديان للأخلاق تقاس على مقدار توافقها مع تعاليمها.
نظرة الأخلاق للأديان تقاس على مقدار إنسانية تعاليمها.
باطل وعقيم وجود الأديان، والأخلاق إن لم تحمل للبشرية
جمعاء" محبة وسلام " في قدس أقداسها. -1-




وعي وأدراك المقدس في كل عصر، جاء بسبب تطور الدين من شكل إلى أخر، من البدائي إلى السامي. فقد بدء مرتبط بالظواهر الطبيعية. ونتيجة لتطور المعرفة في المتجمعات السكانية مع مرور الزمن في كل الحقب التاريخية طمس دين وحل أخر مكانه. المؤمنون يفسرون هذه النقلة "بأنها مشيئة الله وإرادته وتجلياته التي تسير عجلة التاريخ، وتديره في حركة أبدية مستمرة لن تتوقف أبدا". لهذا مسير التطور الديني، واستمراره، يرتبطان بفهم الإنسان لحضارة عصره، وتقدمه، وأخلاقه، ومعالجة أفكاره وعلومه. محصلة استيعابه واندماجه مع عصره يحكم عليه إما لبقاء أو الزوال. انقراض الدين يبدءا بطيئا من داخله ملتمسا حلولا منطقية لمكانته من عصره فان استطاع الإجابة عليها استمر بالوجود... هي حركة جدلية مستمرة.


الكون صناعة اللاهية تنسب إلى "عقل كوني" أزلي جبار، ندعوه "الله". هو كلمة الوجود، بكلمته كان الوجود، كان كلمته المحرك الدافع لكل ما هو موجود قبل ظهور الأساطير، والخرافات، والأديان. له تجليات وحضور مستمر ودائم على مر العصور ماضيا، وحاضرا، ومستقبلا. بكلمته ظهر التطور البشري للوجود، ووهب العقل للإنسان دون قيود أو حدود، وحريات مطلقة لا يقيدها شيء في الوجود، سوى أخلاقيات إنسانية عامة واحدة غير مجزئه، تمتد لتشمل الكون كله، لا تقتصر على عقيدة دون أخرى، أو شعب دون أخر، أو جماعات مؤمنة دون كافرة. ظهور الأديان كان مرافق لتاريخ التطور الفكري البشري، أسوة بالأخلاق. الأديان ترى في مهمتها الرئيسية وضع العالم في نظام كوني شامل يرتبط بعلة كلمة الوجود الأولى –"العقل الكوني"-،ينتهي وجودها لتصبح دون جدوى أو قيمة في حال خرج هدفها عن كونها عالمية الأخلاق.

الدين علاقة بين الله والإنسان. الأخلاق علاقة بين الإنسان والإنسان. علاقة الإنسان بالله علاقة تبادلية لا تقوم على الخوف بل على المحبة. الخوف يدمر العقول ويستحوذ عليها ، ويعطل التفكير. المحبة تبني الإنسانية لتزدهر وتنعم بالسعادة والتقدم والرخاء والسلام. الله يريدنا أن نكون دائما في المحبة من اجل الخير العام للبشرية كلها. لذلك علاقة الإنسان السليمة بأخيه الإنسان يجب أن تبنى بالمحبة على أسس أخلاقية سليمة. في غياب المحبة يصبح الإنسان خارج إطار الإنسانية، ويكون اقرب إلى الضواري.

التصاق الدين بالأخلاق دليل على أهمية دور الأخلاق في المعاملات الإنسانية. كل دين يحاول احتواء الأخلاق وتقيدها بضرورة الإيمان به. كل دين يصر على أهمية الإيمان كأساس للحفاظ على الأخلاق وحمايتها، وضرورة خضوع الأفراد لطقوسه وأحكامه، والعمل بالواجبات المفروضة عليهم.ليصبح الدين هوية شخصية للمجموعة الدينية. هوية الأخلاق عالمية، لا تسعى للالتصاق بالدين ولا ترى ضرورة في ذلك. ولا يحتاج الفرد إلى تأشيرة دخول في عضويتها، والدليل تمتع الشعوب الكافرة والعلمانية بأخلاق سامية نبيلة. الأخلاق عبر التاريخ جاءت نتيجة لمواقف إنسانية، فدعيت بثقافة الأسرة البشرية الفكري، تبدلت مع مرور الزمن، كما تبدلت الأديان والعلوم والمعارف الخ... . الدين يسعى لفرض سيادته، وسيطرته على الأخلاق كي يعزز وجوده وديمومته، الشعور الروحي الديني للفرد يعزز ويقوي الدافع الأخلاقي. كبشر لا نملك أجهزة لقياس مقدار صدق السمو الروحي للفرد، لأنه داخلي وذاتي. أعمال الإنسان وسلوكه الأخلاقي يخضعان لفهم وترجمة عقلنا لما تنقله عيوننا. الناس من حولنا يمكنهم أن يمتحنوا أخلاقنا...والله وحده يمتحن إيماننا. إذن لنترك حكم البشر لله ولنركز على حكمنا كبشر، من منطلق أن الله ينظر للقلب لأنه الأعلم بمكنوناته، والإنسان ينظر إلى العينين ويميز ألوانها وجمالها. الأديان تتحدث عن الفضائل وتدعو لممارستها. قناعة أخلاقنا بها تدعونا لسلوكها.

في الشرق منذ كنا أطفالا صغار تعلمنا وفي مناسبات عديدة ردد على مسامعنا، أن الدين معاملة – أعمال-، أن الدين أخلاق – منهج سلوكي- ، كبرنا، وعينا، انه معاملة حسنة، وأخلاق حميدة.. تجاربنا في الحياة علمتنا أن للمعاملة وللأخلاق وجهان احدهما مشرق والأخر مظلم... لاحقا مع فوضى الأفكار في العالم العربي انكشف، وظهر جليا أن مجتمعنا منافق أخلاقيا، ويمارس عكس ما يدعوا إليه من قيم. أدركنا أن جمالية أخلاقنا معظمها مصطنعة، وأننا مراءون ممثلين محترفين كاذبين على مسرح الحياة. الخير الذي ندعيه لا وجود له. الشر لم ينزع من قلوبنا، وأعمالنا الحسنة تعرت وظهر حقيقة زيفها.... المفروض بأتباع الأديان أن يكونوا قدوة في الأخلاق والمعاملة. لا أن يجيزوا لأنفسهم الكذب، والرياء مستخدمين قداسة ما يؤمنون به. أتمنى أن لا تتصاعد الأمور فوق تحمل الجميع، وتصبح وباء مستفحلا يصيب أصحاب النفوذ وينتقل لكل من هو دونهم. الوضع في مجتمعنا العربي الكبير – الذي يصارع باحثا عن مصيره وحضوره في دوامة إثبات الوجود العالمي المعاصر- الغالي على قلوبنا جميعا يحتاج إلى علاج سريع، كي لا يزداد الشرخ عمقا ويتمزق النسيج الاجتماعي فيه. فالتعديدية أفضل من التفرد، كما أن لون قوس القزح أروع جمالا من لون السماء الزرقاء.

ليس كل مؤمن متدين قديس، وليس كل مدعى أخلاق مستقيم. إنها الطبيعة البشرية التي لن تقوى القوانين على إلغائها سوى عند من يحلمون بيوتوبيا –بمثالة- على الأرض.شاء القدر، أن أتعرف خلال حياتي العملية على أشخاص من مذاهب وأيديولوجيات مختلفة. ثبت لي أن الدين يكاد أن لا يلعب دورا رسميا في الأخلاق، مع انه يحاول أن يشكلها. قد تجد قله من رجال الدين في مناصب رفيعة الخ... يستخدمون اسما القدوس من اجل تمريرا مصالحهم وأكاذيبهم، وقبائحهم. أسفي على ما يمثلون من قيم وأخلاق أمام رعاياهم والعالم، والمقدس الذي يعبدون. أليس من المفروض أن يكونوا قدوة دينية وأخلاقية حسنة. وجدت أيضا عند العلمانيين، والكافرين، والملحدين أخلاق في قمة المعاملات الإنسانية. مجمل القضية نسبية، لذلك نخطئ أن ربطنا الدين بالأخلاق و الأخلاق بالدين، إلا في حالة واحدة، وهي توافر ثراء روحي سامي إنساني العمق لدى الشخص المتدين، المؤمن بالأخوة الإنسانية. في كلتا الحالتين بوجود الدين أو عدمه، تتولد لدينا قناعات بممارسة الأخلاقيات لأنها المنهج السليم لضبط العلاقات الإنسانية في المجتمع.

الأخلاق معاملة، والمعاملة أخلاق، كلاهما بحجم الدين....إن ساءت أخلاقنا ساءت معاملتنا، وان ساءت معاملتنا ساءت أخلاقنا، عندها نقول هذا ليس من الدين. لكننا نصمت عندما يسيء رجل دين لأديان ومذاهب الآخرين. صمتنا دليل رضا وقناعة بان ما قيل من قبل رجل الدين هو حقيقي. تراخينا عن التمحيص والبحث وعلاج ما يقال يمثل موقفا لا أخلاقيا. ترك الأمور شاردة دون ضوابط حتما سيؤدي لهلاك وسقوط المجتمع. . الأخلاق لا علاقة لها بارتباط الإنسان بدين معين... الأخلاق ثمرت التربية وليست ثمرة الانتماء الديني. هذا ما يفسر التزام الشعوب التي لا دين لها بالأخلاق... الدين قد يعزز الأخلاق إن أحسن استعماله.

يسعى الدين جاهدا إلى ترسيخ الأخلاق ليتحكم بها، ليبدوا انه الأصل لها، وبدونه لا وجود للأخلاق. بعكس الأخلاق لا تسعى إلى ترسيخ الدين بل إلى ترسيخ العلاقات البشرية الفاضلة في المجتمع، فهي تهيب بالإنسان إلى ممارسة السلوك الإنساني الحسن. الأخلاق هي من يحمي الأديان . بعض الأديان العنصرية الطابع ، تدعوا إلى حماية أتباعها فقط. لذلك أرى ضبابية أخلاقة فيها تحتاج إلى توضيح. التربية الوطنية السليمة هي السور المنيع لحماية الأخلاق والأديان. مآسي البشرية لم تأتي بسبب الأخلاق بل بسبب الأديان – هذا ما نلمسه عند قراءتنا لتاريخ المجتمعات البشرية. معظم المجازر التي ارتكبت في الماضي والحاضر ارتكبت باسم الدين- . علينا أن نتأكد من صدق مقولة “ إن ذهبت الأخلاق انتهت الشعوب"، وان نتوقف عن تحميل فشل الدين على الأخلاق. إن لم تكن الأديان موجهة نحو الخير العام للبشرية جمعاء فأنني اشك أن مصدرها اللاهي.
_____________________________________________________________

1- مقالي هذا لا ينتقد أو يتعرض للاهوت الدين وفقهه. ولا على رسالته، أو مؤمنيه. فكل الاحترام مني لكل البشر على اختلاف عقائدهم، وأفكارهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. #shorts - 80- Al-baqarah


.. #shorts -72- Al-baqarah




.. #shorts - 74- Al-baqarah


.. #shorts -75- Al-baqarah




.. #shorts -81- Al-baqarah