الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كُرَتا اللَّحم و كُرًتا الصّوف، عفراء طالبي تنسج فستانا على جسد كاردشيان..

عبد القادر رابحي

2015 / 8 / 31
الادب والفن


نشرت الشاعرة عفراء قمير طالبي نصا شعريا قصيرا في شكل مقاطع (هايكو) أقل ما يقال عنه أنه على قدر كبير من الجرأة بالنظر إلى ما يطرحه من موضوعة التعلق بالجسد بوصفه منحوتة بيجماليونية فاضحة للستر المعرفي الذي تستوجبه حالة التلقي الهادئة التي لا تبحث عن المشاكل و ما أكثرها في واقع الممارسة الكتابية عموما. إنه نص جرئ بالنظر إلى ما يقترحه من تصور أوليّ صادم للقارئ و بناء عليه بالنظر إلى ما يمكن أن يتعرض له من ردود رافضة انطلاقا مما يحمله القارئ من أحكام مسبقة و من تصوّر الأخلاقي للعملية الإبداعية خاصة إذا كان الكاتب امرأة شاعرة مبدعة شابّة كعفراء قمير طالبي.
لا تحاول هذه الورقة أن تبدي حكما أخلاقيا على النص بقدر ما تحاول أن تنفذ إلى ما وراء الصورة الصادمة التي يقدمها النص- على قصره- للقارئ خاصة و أنها أرفقته بصورة حقيقية لكيم كاردشيان. و في كلتا الحالين- نص الصورة و صورة النص- كانت الشاعرة جريئة في طرحها لأنها امرأة و لعلها لذلك قوبل نصها هذا بالرفض الذي يبدو طبيعيا بالنظر إلى ما يمكن أن يحمله القارئ من تصورات مسبقة عن الكتابة ذات العلاقة بالجنس.
ربما تحولت رؤيتنا للنص بتحوّل مؤشر مقاربتنا له و تحوّل زاوية تلقينا لصورته الأولية الصادمة. لقد شكّلت الكتابة في الجسد و عن الجسد دائما مأزقا بالنسبة للكاتب نفسه و لكن كذلك بالنسبة للمتلقي. ثمة مستويات للكتابة في الجسد و عنه و منها المستوى الجنسي البحت الذي يسقط فيه الكثير من الكتاب و الكاتبات نظرا لاعتمادهم على الكتابة الجنسية المحضة بوصفها هدفا نهائيا، أو لفشلهم في توظيف الجنس فنيا و جماليا كما تقترحه الأعمال الأدبية عند الضرورة و نجد في هذا المجال حالات كثيرة في السرد خاصة، غير أنه لا يبدو هذا النص يعتمد اعتمادا كليا على المستوى الجنسي البحت في تحقيق هدفه الذي يسعى إليه، بل العكس من ذلك تماما - و من خلال تغيير مؤشر المقاربة- إنه يحاول أن يضع الجسد في مواجهة القارئ بما يحمله من حياء ظاهر من جهة، و من رغبة باطنة في اكتشاف المستحيي منه من جهة أخرى، بوصفه أيقونه تتحكم في حلم الملتقي و في واقعه من خلال أسره داخل الجزء الأكثر استدعاء للمخيال بما يحمله من تصورات و من مكبوتات و كذلك بما تحمله من دلالة عميقة و من نقد لاذع لتعلق الملتقي بأيقونة تتحكم بصورة أو بأخرى في لا وعيه أو في جزء من لا وعيه.
إن الكاتب- أيّ كاتب- هنا هو جزء من المتلقي بصيغة الجمع لأنه أول معنيّ بعملية التلقي حتى و لو ادعى العكس و نص الشاعرة عفراء طالبي نص صادم فعلا و خادش لهذا الحياء، و لهذا فهو يجبر القارئ على الاعتراض عليه بالنظر إلى ما يحمله من جرأة زائدة. و لكنه يحاول أن يتجاوز هذا الحياء باقتراح انزياحيّ للدخول في عملية منطقية رياضية جافة و هي إقناع المتلقي المشدوه بجرأة الشاعرة على الكتابة بهذا الشكل بتصوره الخاطئ للمعادلة التي ترمز إليها أرداف الجسد المبجل سرّا و المرفوض جهرا.
و لعله لذلك تحاول الشاعرة عفراء طالبي تغيير وجهة اهتمام المتلقي من خلال تحويل حمولة المخيال المفترضة لديه من حمولة جنسية إلى حمولة حسابية رياضية منطقية بحيث يتحول ردفا كيم إلى مجرد صفرين فارغين لا قيمة لهما بالمنطق الحسابي كما تريد الشاعرة أن تقنع القارئ به. و بناء على ذلك فهي تحاول أن تفرغ هذه الحمولة من لا وعيها الجنسي الرابض في عيني المتلقي المأسور بانحناءات الجسد البيجماليوني إلى وعيها الواقعي بحيث يتصادم الحياء و الجرأة في معركة مواجهة نادرة داخل النص نظرا لتصادم العري الباطن للمتلقي بالستر الظاهر الذي يحاول النص أن يقترحه عليه بطريقة معكوسة.
و لذلك تحاول الشاعرة أن تبتعد تماما عن صدمة المقطع الأول ( لا يهم إن كان هايكو أم لا..) إلى العودة إلى (الجدّة) بوصفها رمزا يحمل قيمة مخالفة للجسد ، لا بوصفه جسدا يحيل إلى الماضي و قيمته المحافظة الساترة بالنظر إلى القيمة الحاضرة المكشوفة فحسب، و لكن بوصفه جسدا متحولا و متجاوِزا لقيمته الإغرائية التي تأسر أعين الرجال و لا وعيهم داخل الجسد الأيقونة كما تمثله معايير الجمال المفروضة قسرا بمنطق استهلاكي معولم، و فاقدا لرمزية تحكّمه في رقاب العابرين البيجماليونيين و ما أكثرهم.
إن مُسائلة الشاعرة لجدّتها عن كومتيّ الصوف هو انزياح حقيقي عن المستوى الجنسي، لا من خلال التعريض به فحسب، و لكن من خلال طرحه بمستوى آخر تماما و هو المستوى التحليلي و التفكيكي للكرتين اللتين يتعلق بهما العالم المفجوع بـ(مؤخرة كيم) حسب تعبير الشاعرة . و هو كذلك لجوء اضطراريّ من طرف الشاعرة لقيمة أصيلة ربما رأت الشاعرة أنها في طريقها إلى الانقراض نظرا لشعورها الباطن بتهديد ما من طرف الجسد المعولم العري للجسد المستور البعيد عن الأضواء.
معادلةُ كرتيّ الصوف بكرتيّ الجسد (اللحم) فيه كثير من السخرية، لا من صاحبة كرتي اللحم و ما تمثله من وجبة استهلاكية عابرة و حسب،و لكن كذلك ممّن يتعلق بهما تعلّقا شبقيًّا يُخبر عن تصور سُفليّ للجسد بوصفه منحوتة جنسية بيجماليونية. إنه انتقال بارع و رهيب من المدنس إلى المقدس لأنه انتقال من مفهوم العري كما تمثله كُرتا اللحم الإنساني بوصفه رمزا لجسد زائل و متحوّل و آيل إلى الشيخوخة، إلى مفهوم الستر كما ترمز إليه كرتا الصوف بوصفها تمثل منطق النسج الساتر الذي انبنت عليه قصة الخلق الآدمية.
و لعل الشاعرة، و دون أن تعي ربما البعد الحقيقي للجوئها إلى كرتيّ الصوف، قد أخبرت عن مكنونها المحافظ من الحياء حدّ الرعشة و عن استغرابها الكبير من تعلق المتلقي الظاهر بالحياء و من تعلقه الباطن بغيره. و هنا يجب التنبيه أنه ليس كل متلق هو من هذا النوع.
و لعل ما يؤكد هذا التوجه الظاهر في (فضح سرّها) كما تقول الشاعرة أنه فضح للعُري من خلال محاولة ستره بما يلزمه من صوف حتى تتحقق المعادلة الرياضية المبنية على مجاهيل لا تحمل في نهاية الأمر إلاّ قيمة صفر. و حتى إذا حدث و أن أصرّ الجسد على تثنية قيمة كرة اللحم الشبيهة بالميم، فإن ميم المرآة ستكون بالمرصاد لتثنية التصور الدائريّ الذي تحققه المرآة و الذي يعيد قيمة الجسد إلى منطلقها الصفري الأول ( المرأة، المرآة..وجهان لميم المؤخرة) لأنها قيمة زائلة في ذات الإنسان الكونية على الرغم من أنها متجددة في التصور الفرداني الذي يتحرّك بعقده الشهوانية. إن الشاعرة، بطريقة معاكسة تماما لأفق انتظار المتلقي، تحاول أن تنسج لجسد كيم كارداشيان ما يعادله من القيمة الساترة للجسد و الفاضحة في الوقت نفسه لمن يتعلق به تعلق بيجماليون بمنحوتته المشهورة. لعل الشاعرة تريد، بقصيدتها الجريئة الصادمة هذه، أن تنحت، في حقيقة الأمر، جسدا مستورا لفضح المتلقي الذي هو نحن جميعا، و الذي طالما حاول أن يفضح الكاتب حينما يتقابلان وجها لوجه على فكرة عارية من كل لباس إيديولوجيّ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان الجزائري محمد بورويسة يعرض أعماله في قصر طوكيو بباريس


.. الاخوة الغيلان في ضيافة برنامج كافيه شو بمناسبة جولتهم الفني




.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء


.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في




.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/