الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل تساهم الدبلجة إلى العاميات في تمزيق الفصحى وهيمنة الضياع اللغوي العربي ؟

عزيز باكوش
إعلامي من المغرب

(Bakouch Azziz)

2015 / 9 / 3
الصحافة والاعلام


عزيز باكوش
في ربيعها السابع ، سألت يسرى والدها، وهما معا يشاهدان حلقة الظهيرة من سلسلة رسوم متحركة مستوردة أنتجت في اليابان ، إلا أن عملية الدبلجة إلى اللغة العربية تمت في أحد استوديوهات الخليج العربي. " أبي أبي ... إنهما يتحدثان مثلنا " أدارت عينيها البريئتين في محجريهما باتزان ، وأضافت والبسمة تعلو محياها اللطيف " واو .. يوكي يتكلم عربي ؟؟؟

حين اقترحت الزميلة عائشة قحام فتح باب الجدل حول بروز الفصحى في مواجهة " العاميات" العربية على القنوات الفضائية ، وفيما إذا كان ذلك يعتبر شرخا زائفا بين الاثنتين أي العربية الفصحى واللهجات العامية ك " موضة هذه الأيام ، وهل ثمة اعتقاد برفض العربية الفصحى واعتبارها شكلا منقرضا من أشكال اللغة ، وتوجيه الاهتمام إلى الدارجة أي لغة الشارع العام استحضرت وقائع هذه القصة الحقيقية وأتجرأ وأسرد أسباب نزولها .

تخبرنا المصادر المتنوعة أن مصطلح دبلجة (من الفرنسية: doublage) مصطلح تلفزيوني له علاقة بالسمعي البصري يستخدم عند قيام طاقم تقني بتركيب أداء صوتي بديل للنص الأصلي بلغة أخرى لإنتاجات تلفزيونية مستورة في الغالب أو يراد تصديرها كالمسلسلات والأفلام ، والأفلام الوثائقية والرسوم المتحركة .

وبالعودة إلى مطلع الحكاية ، نجد أن بطل السلسلة المدبلجة إلى العربية كان رجلا آليا يدعى " يوكي " لكنه مع الدبلجة ، تحول الى " ماهر"
يطارد يوكي بطل السلسلة ، ماردا آليا كان يقود سيارة من جيل خارق، وسلاحه الرشاش لا يكف عن إطلاق زخات نارية ، كثيفة في كل الاتجاهات ، مصحوبة بأصوات إلكترونية مبعثرة بنظام لكنها تحدث الرعب وتحفز على الهلع الدائم .
النسخة اليابانية حسب المتخصصين ، مكونة من 29 حلقة، لكن هناك رواية تقول أن ما دبلج إلى العربية منها هو 24 حلقة فقط ، ويقال 16 حلقة. فكيف تم اختزال الباقي ، وهل للمسالة خلفيات ثقافية وحضارية أم مبررات تجارية واقتصادية بالأساس ؟

المحطات الفضائية التي تنزرع في سماوات الله المفتوحة بالمآت تبث المسلسلات الأجنبية للصغار أو الكبار بعد أن تقوم بدبلجتها " doublage " ودور الدبلجة هنا في غاية الأهمية، إذ أن على المترجم اختيار عبارات تناسب طول الجمل التي ينطق بها الممثل الأجنبي مع انتقاء كلمات تتلاءم و حركات الشفاه ، حتى يكون الأداء متطابقا ومنسجما ويعطي انطباع بأن العمل الفني أصلي . ما يعني إنتاج شريط صوتي ثان مصاحب للشريط الأول، لكنه بلغة أهل البلد ، والعملية في جوهرها تقنية مطلوبة ليست بالبسيطة ولا غير المكلفة .

وسواء في المغرب أو المشرق ، ومنذ بداية الثمانيات ، انطلقت مشاريع الدبلجة ، وشرعت عدد من المحطات التلفزية خاصة الفضائية بدبلجة الأفلام ومسلسلات الأطفال من لغتها الاصلية إلى لغات ولهجات محلية مختلفة ، مما كان له الأثر الإيجابي على تحسين مستوى الاستيعاب وتحسين الأداء اللغوي والرفع من مستوى التلقي والأداء خاصة اللغة العربية الفصحى وثقافة الطفل على العموم

ولعل من إيجابيات الدبلجة اختراق حاجز اللغة الأصل لفهم مشاعر العمل المراد مشاهدته الفيلم، ما يحقق متعة التواصل مع ثقافة مجتمع غريب .لان الجيد من الدبلجة يخترق الشكل ويقتحم الوجدان ما يمنح المتفرج الفرصة للتفاعل الوجداني مع الاحداث الغريبة عن بيئته الاصلية.

وفي صلة بالموضوع ، لابد من القول بأن دبلجة أو تعريب او ترجمة المادة الفنية المراد تقديمها ، لا بد ان تخضع لمواصفات عملية وهوياتية بالأساس، واللهجة الدارجة التي ينقل إليها العمل الفني قد لا تكون سببا رئيسيا في تمزيق الكيان العربي ، وتهديم اللغة العربية على نحو ما نتصور ، فالعامية واللهجات جزء من المجتمع ، موجودة في الشارع والمنزل والمدرسة ،سواء كانت مغربية، مصرية، لبنانية، وعراقية وغيرها من اللهجات، وهنا تحديدا يمكن الحديث عن مسخ وتشويه وليس تمزيق ...

قد نتفق جميعا على أن عملية دبلجة الرسوم المتحركة المستوردة خطوة أولى في الاتجاه الصحيح ، لكننا ، لا نختلف إن للأمانة العلمية وجه واحد ،إذ لابد من التفكير جديا في الأمر، هذه الرسوم المتحركة المستوردة و المدبلجة ، يجب أن تراجع مراجعة دقيقة من كل الزوايا والجهات ، طالما لسنا مؤهلين لإنتاج الشبيه المثيل الهادف و المفيد ، الذي تراعي فيه القيم والثوابت ، وتبنى الناشئة وفق مبادئها وأصولها الحضارية عربيا وإسلاميا بانفتاح . وتكون بديلاً لهذه الدبلجات المشوهة و الممسوخة.
لنفترض أن بطل قصة تحكي عن الهجرة النبوية وعن بدايات الاسلام ، تم تسويقها باللغة العربية في إطار إشاعتها في الدول غير الناطقة بها ، وترجمت الى البوذية، وقال المدبلج ، باسم بوذا إلاه الكون نصلي ، بدل باسم الله الرحمان الرحيم حضرت الصلاة، هل ثمة شيء يستدعي التدخل للتقويم والمعالجة؟؟ وهل ستكون الحاجة ماسة الى طرح سؤال الهوية والأمانة العلمية.
بكل تأكيد سيعتبرها رجال الدين إساءة الى الهوية وتشويه للتاريخ ، وهم على حق في ذلك
فقبل عقود مضت ، لم يكن ممكنا عرض أشرطة الرسوم المتحركة المستوردة جملة وتفصيلا ، بغير لغتها الأصلية ، الآن ، ومع التطور الذي عرفه الواقع العربي ، هناك عدد لا يستهان به من استوديوهات الدبلجة في الوطن العربي ، بداية في مصر ثم الخليج العربي، إضافة الى بعض دول الشرق الأوسط مثل لبنان الرائد في مجال الدبلجة ، والأردن.. كما في المغرب والجزائر . وإن كنا لا نفهم استقالة بلدان عربية من خوض هذا الغمار ، ورفع الراية البيضاء في هذا المجال الثقافي التقني و المعرفي الواعد.
هناك إجماع عربي شبه تام ، أن أسلوب الدبلجة اللبنانية تميز منذ البدايات بالدقة والحرفية العالية وتميز الأصوات، وأيضاً في الأمانة في الترجمة وعدم خيانة الأصل . فلا حاجة هنا لاستعراض المثبطات ، لان "الفرق في الذهنيان والموهبة وليس في الآليات" على حد تعبير الفنان جهاد الأطرش.
قال يوكي وقد أنهكته المطاردة ، ولم تنفذ ذخيرته ، مخاطبا غريمه عبارة من حوالي 15 كلمة في اللغة الأصلية . لكن الدبلجة الخليجية العربية ، صنعت الحدث ، حين قالت على لسان البطل " سأقتلك إن شاء الله "
على الفور ، قام فريق لغات متخصص بترجمة فورية شبه أمينة من اللغة الأصلية الى الانجليزية ثم الى العربية فيما بعد ، وفق احدث الأساليب تطورا ، حيث خلص الفريق الى أن يوكي قال النص الآتي:
" إن قوتك أيها المارد ، مهما بلغت من تدمير، فإنها لن تنال مني..." لكن الدبلجة كانت في الموعد، مع المسخ والتشويه وانعدام الأمان العلمية. وقالت على لسان ماهر " سأقتلك إن شاء الله.

لذا، فان المهتم يلاحظ أنه لم يحدث تغيير في الأسماء، أو تحريف في الأحداث ، في مجمل الأعمال المدبلجة لبعض المؤسسات المتخصصة في لبنان ، حيث تم الحفاظ على الموسيقى والأغاني الأصلية في بعض للمسلسلات ، مع تعريب كلمات الأغاني التي غالبا ما كان يؤديها أداها الفنان سامي كلارك . ويعتقد الكثير من النقاد والمتتبعين لفن "الانمي" الرسوم المتحركة إن مثل هذه العناصر من أهم ما يميز الدبلجة اللبنانية عن غيرها .

إضافة الى ذلك، كانت الدبلجة تتم اعتماداً على النسخة اليابانية او الاسيوية .. الأصلية وليست على النسخة الإنجليزية أو غيرها كما هو الشأن الآن في كل استوديوهات الخليج العربي، وتكرس ملاحظات المدونين العرب ، نقولا أبو سمح من رواد الدوبلاج في العالم العربي ، ليس لأنه أول من دبلج الكرتون فقط ، بل هو أيضاً أول من فكر بدبلجة المسلسلات اللاتينية المكسيكية، إلى اللغة العربية في أوائل التسعينيات.
ونيقولا أبو سمح مخرج وفنان ومنتج لبناني معروف، وهو كما ذكرنا صاحب شركة "فيلملي" التي أنتجت بالإضافة إلى مسلسل مغامرات السندباد ، ويملك نيقولا أبو سمح رفقة زوجته ماري بدين قناتين فضائيتن الأولى مختصة بشؤون المرأة ، والثانية تدعى "هي " الى جانب إنتاج العديد من المسلسلات منها :
مغامرات زينة ونحول"52 حلقة ."السنافر،" وجميع هذه المسلسلات قام بإخراجها، " ونفذت عملية الدبلجة في استوديوهات" فيلملي" بأصوات نخبة من ألمع نجوم الدبلجة في لبنان مثل وحيد جلال, عبد المجيد مجذوب, أنطوانيت ملوحي, الفيرا يونس, سميرة بارودي, وفاء طربيه, عمر الشماع, جيزيل نصر, إبراهيم مرعشلي, جوزيف نانو, وغيرهم الكثير."
وحسب المتتبعين ، فان ظروف الحرب اللبنانية القاسية ، أثرت كثيراً على الحركة الفنية في لبنان مما أدى تراجع الإنتاج الدرامي هناك، وفي محاولة لاستمرار الإنتاج الدرامي اللبناني الذي كان حريصاً على استخدام اللغة العربية الفصحى ، انتقل تصوير بعض الأعمال إلى دول مجاورة ، فصورت مجموعة هامة من الأعمال الدرامية (التاريخية خاصة) في أستديوهات عجمان الخاصة في دولة الإمارات العربية المتحدة.
من المؤكد أن الحاجة الى الدبلجة لمعظم هذه الأعمال و المسلسلات هو تراجع الإنتاج الدرامي اللبناني في النصف الاخير من الثمانينيات ، مع تزايد المحطات التلفزيونية في لبنان وقت الحرب حتى وصلت إلى أكثر من خمسين محطة، قلصت فيما بعد بعد إصدار قانون الإعلام.
كما انتقلت بعض عمليات الدوبلاج إلى دول مجاورة مثل قبرص وأثينا، لكن الثابت في المسالة هو التمويل ،إذ كان رأس المال الخليجي هو دينامو هذه الأعمال ، نظراً لحاجة تلفزيونات دول الخليج لهذه النوعية من الأعمال المشهود لها بالجودة. وتستمر عملية الإنتاج والدبلجة ، مع مؤسسة عربية حديثة النشأة ، مثل الكويت ،" الكويتيون أيضاً قاموا بإنتاج مجموعة اخرى من أهم المسلسلات لكن ، بخبرات لبنانية أيضاً. وتحديدا في استديوهات بعلبك مع المخرج وئام الصعيدي. وتتسارع وثيرة الأحداث ، ليتم إحداث مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك لدول الخليج العربي،
وهي مؤسسة انشئت خصيصاً لتزويد تلفزيونات الخليج ببرامج تربوية وتعليمية وتثقيفية وإرشادية وبرامج خاصة بالطفل. وقد قامت المؤسسة بإنتاج عدد كبير من البرامج عبر تاريخها الطويل مثل برنامج سلامتك, المرايا, الكشاف, قف وغيرها . ومنذ بداية التسعينيات ركزت الشركة أكثر على المسلسلات المكسيكية المدبلجة فقدمت إحدى عشر مسلسلا مثل جوادا لوبي "رهينة الماضي". أنطونيلا ، المستبد ،وغيرها . ويبقى جديد الألفية الثالثة وما تلاها من تطور سريع للتيكنولوجيا سيما في مجال إنتاج الصورة والصوت في حاجة إلى مقاربة مستشرفة لآفاقها التي لا ضفاف للإبداع فيها








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرئيس أردوغان يشارك في تشييع زعيم طائفة إسماعيل آغا بإسطنبو


.. اشتباكات متواصلة في بيت حانون شمال قطاع غزة




.. السجن 14 شهراً لـ-سفاح القطط- الذي قتل 76 قطاً بكوريا الجنوب


.. خارج الصندوق | من المستفيد من استمرار الحرب في غزة؟




.. حركة حماس تدعو الأردنيين مجددا للنزول إلى الشوارع والساحات ل