الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عفوية الجماهير ومايسترو القلاقل السياسية والاجتماعية من وحي الحراك اللبناني

حسن عماشا

2015 / 9 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


يقال: أن الفنان اللبناني المبدع زياد الرحباني، حين يعد لحن جديد يقوم بعد كتابته بتقسيم النوتة الموسيقية أجزاء بحسب كل آلة ستدخل في اللحن. ومن ثم يستدعي العازفين كل على حدة ليسجل عزف القسم المتعلق بآلته دون أن يكون بالضرورة على علم بما سيعزفه زميل أخر. ومن ثم يقوم الفنان زياد الرحباني بجمع المعزوفات المتعددة بناء على مخططه المسبق فيتكون اللحن كوحدة كاملة ويقدمه للجمهور.
كانت العفوية العصبوية "الغريزية" في سالف الزمان سمة من سمات الحراك القبلي عند "دب الصوت" بأن هناك خطر داهم يستهدف القبيلة فيندفع فرسانها ومقاتليها الى ساحة النزال.
أما في عصرنا (عصر طغيان وجبروت الاعلام والمؤثرات التي يبثها ) لا يمكن النظر الى أي حراك على انه حراك عفوي لأن المزاج العام أصبح صناعة ركيزتها الاساسية الاعلام ووسائل تكوين "الرأي العام
". كيف بدأ الحراك اللبناني في الوقائع:
قدم وليد جنبلاط في منطقة نفوذه مطمرا للنفايات لقاء بدل غير معلوم لشركة "سوكلين" التي أسسها رفيق الحريري في سياق تخصيص كل القطاعات في لبنان. منذ رئاسته لأولى الحكومات ما بعد العام 1992.
غير أن هذه الشركة (سوكلين) تعاظم دورها واتسعت المناطق التي دخلت في نطاق عملها. ما يعني تعاظم مواردها دون ان يرافق هذا اتساع في حجم الحصة التي هي من نصيب وليد جنبلاط ،وآخرين غيره . والتي بلغت في مردودها المالي للشركة ما يقارب الـ 700 مليون دولار أميركي. الى جانب قيمة العقد المقبوض من الصندوق المستقل للبلديات والتي تصل لنحو 400 مليون دولار. فكان الاستحقاق الذي ينتهي فيه العقد مع "سوكلين" ويستدعي تجديده من قبل الحكومة اللبنانية المنقسمة على نفسها بفعل مجموعة من الاستحقاقات الادارية والسياسية والتعيينات في قيادات الأجهزة الحكومية الأمنية والإدارية التي هي بحسب القانون توزع على الطوائف المتشاركة في الحكم.
اطلق وليد جنبلاط شرارة الازمة على خلفية اعادة توزيع موارد النفايات مع ضمور الموارد التي كانت تخصص له من مصادر اخرى مرتبطة بالدور التحريضي الذي يلعبه تجاه سوريا بسبب عدة اعتبارات أهمها ثبوت عجزه عن أي فعل ملموس يخدم فيه مصلحة القوى التي تستهدف سوريا والتي كانت تدعمه. ما دفعه الى النظر في الموارد اللبنانية الداخلية فكان موضوع النفايات. فحدد موعدا لإغلاق مطمر النفايات ضمن منطقته داعيا الى اعادة النظر في توزيعها بحسب المناطق وكان قد اسس شركة خاصة به مع شريك لبناني أخر وعلى غراره فعل أقرانه في المناطق الأخرى. فكان تشكل ستة شركات بحسب المحافظات الستة في لبنان. وطرحت مناقصة عبر وزارة البيئة لتوزيع العقود. وللتعجيل في اقرار المناقصة دفع في اثارة الاحتجاجات للضغط في تسريع عملية المناقصة وكان ابرزها قطع طريق الجنوب في منطقة الناعمة على خلفية منع الشاحنات من الوصول الى المطمر. هنا انتهى دور جنبلاط -
لتأخذ القضية منحى أخر تولى الاعلام التحريض عليها لتندفع فعاليات مناطق اخرى نظرا لتخويفها من جعل مناطقها بديلا عن مطمر الناعمة مترافقة مع إثارة المخاوف عبر ريبورتاجات مثيرة للقلق وتولى هذه المهمة أبواق اعلامية عدة أهمها محطة "الجديد" والأل بي سي، والأم تي في. ما ادى الى خلق مناخ عام فتح المجال لإثارة النعرات المناطقية والطائفية.
وعلى خط أخر جرت الاستعجال في اقرار المناقصات من قبل الحكومة وفض العروض التي أثارت بدورها رائحة الفساد والتقاسم بين مكونات السلطة الطائفية والمناطقية. وهنا اطلقت حملات منظمة ومرعية من الاعلام والدبلوماسية أبرزها حملة "طلعت ريحتكم" تدعوا لمواجهة سلطة الفساد وحددت مواعيد للتظاهر والاعتصام مطلقة شعارات تبدأ بموضوع النفايات ولا تنتهي بشعار استنسخ من شعارات ما سمي الربيع العربي" الشعب يريد اسقاط النظام" ما أثار الكثير من القلق لدى شرائح واسعة من الشعب حول خلفية هذا الحراك في ظل ما يحيط بلبنان ويحضر له في سياق الفوضى المدمرة.
ولم تتأخر أسباب هذا القلق في الظهور فكان أول مؤشر هو زيارة السفير الأميركي الى رئيس الحكومة ودعوته الى عدم استخدام العنف مع المتظاهرين واعلان بيان تأييد للحراك. ومن ثم قام ممثل الولايات المتحدة جيفري فلتمان بطرح موضوع الحراك في لبنان على طاولة مجلس الأمن. بجانب مواقف عدة غربية ومن الكيان الصهيوني الذي استبشر خيرا بهذا الحراك بحيث يلبي متطلباتهم في لبنان.
الا أن القوى الفاعلة ادركت حدود هذا الحراك موضوعيا وحجمه سعت كل منها الى توظيفه بما يخدم مواقفها تجاه منافسيها في البنية الحاكمة نفسها. دون ان تغير أي منها جدول نشاطاتها وكانت مناسبة لها لإظهار حضورها السياسي والشعبي. ومن ضمن روزنامتها نفسها دون تغيير يذكر.
ففي الموعد المحدد سابقا عن الحراك نجح رئيس مجلس النواب نبيه بري في حشد جماهيري كبير بمناسبة ذكرى اخفاء الأمام موسى الصدر وكذلك فعل العماد ميشال عون وحشد لتظاهرة كان قد بدأ قبل الحراك ايضا في تحركات جماهيرية توجها بتظاهرة كبيرة وسط ساحة الشهداء في بيروت فتكشف زيف أحد ابرز الشعارات التي اطلقها الحراك بانه معبرا عن الشعب.
ليظهر حجمه الحقيقي واسقط بالتالي كل محاولة لتوظيفه في رزنامة من حرضوا عليه ودفعوا به. وما ادى أيضا الى انفراط عقد المتشاركين فيه وبروز تناقضاتهم وسباقاتهم على استثماره. فأضحى مجرد فلكلور اعتاده لبنان في حالات الفراغ السياسي كل مرة يصل فيها الانقسام بين شرائح القوى الحاكمة الى طريق مسدود ينتظرون فيه تدخل اقليمي لم تتبلور ارادته حتى الأن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل بدأ العد العكسي لعملية رفح؟ | #التاسعة


.. إيران وإسرائيل .. روسيا تدخل على خط التهدئة | #غرفة_الأخبار




.. فيتو أميركي .. وتنديد وخيبة أمل فلسطينية | #غرفة_الأخبار


.. بعد غلقه بسبب الحرب الإسرائيلية.. مخبز العجور إلى العمل في غ




.. تعرف على أصفهان الإيرانية وأهم مواقعها النووية والعسكرية