الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تاريخ الكتابة التاريخية

يسرا محمد سلامة

2015 / 9 / 7
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


تاريخ الكتابة التاريخية
ازدادت بصيرة الناس وادراكهم للزمن التاريخي مع ظهور الإسلام، وكان للديانة نفسها بداية تاريخية دقيقة مدهشة، تمثلت في هجرة الرسول صلَّ الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة يوم الخميس 15 يوليو 622م، كما ظهرت كلمة تاريخ على ورقة بردي مؤرخة في العام 22 من الهجرة، وبدأت الكتابة التاريخية الإسلامية بعد ذلك بوقت قصير ..
مع مُضى القرون بنى العرب كيانًا ضخمًا من الكتابة التاريخية للعصور الوسطى فاق حجمها التخيل، وقد استطاع فوستينفيلد Wustenfeld أن يُفهرس 590 مؤرخًا عربيًا خلال الألف الأولى بعد موت الرسول صلوات الله وتسليماته عليه، وربما يكون كثيرون آخرون قد سقطوا من اهتمامه
ورغم الإسهامات العظيمة للمسلمين في مجال التاريخ فإن الدراسات التاريخية الوسيطة سواء في الغرب المسيحي، أو في الشرق المسلم لم تستطع أن تُحقق استقلالاً كاملاً باعتبارها أحد فروع الدراسة العقلية، وعلى سبيل المثال فإن التاريخ في الغرب خلال الفترة الكارولنجية كان يُعد مفيدًا لدراسة قواعد اللغة ولم يعتبره أحد ممن كتبوا التاريخ خلال العصور الوسطى مهمة أساسية في حياته ..
وبالمثل فإن التاريخ في الشرق الإسلامي بدأ وظيفته الطويلة كرفيق مساعد للدراسات الدينية، وطبقًا للقرآن الكريم فإن حياة الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام كانت النموذج الذي يحتذيه المسلم التقي، ووجه بذلك الانتباه لى أعمال سيدنا محمد وعظاته ونشاطاته الحربية(المغازي) وفي نفس الوقت إلى نسب قريش، وكان الدارس لهذه الأشياء يُعرف بأنه "عالم"، ويُمكن أن يكون مُتمكنًا من العقيدة لكنه مع ذلك كان يُعتبر مؤرخًا في نفس الوقت ..
وللتاريخ الإسلامي الوسيط سمة أخرى مهمة وهى واحدة من الخصائص القليلة التي تفصله تمامًا عن التقليد الغربي الوسيط، ألا وهى التشديد المتزايد على الأشكال الأدبية المنمقة كالسجع وحتى الشعر أحيانًا، وطبقًا لروزنتال Rosenthal فإن أول حالات من السجع في الكتابات التاريخية تعود إلى أواخر القرن العاشر، يمكن اعتبار هذا التقدير متحفظًا للغاية، ذلك أننا من الممكن أن نجده في كتابات المسعودي (المتوفى 956م)، وقد أصبح مؤرخون متأخرون أمثال عماد الدين الأصفهاني (1125 - 1201) كاتب سيرة صلاح الدين الأيوبي والأندلسي الفتح بن خاقان (المتوفى حوالي 1140) من أشهر أصحاب أسلوب السجع، باستثناء ابن الأثير الذي خلت كتاباته من هذا الأسلوب ..
وهناك ميزة ثالثة لكل من الكتابة التاريخية الإسلامية والغربية خلال الفترة الوسيطة، وهو ما سنجده في كتابات المصريين في القرن التاسع عشر، هذه الميزة كانت التأكيد على أن التاريخ الحولي Chronicle بطبيعته مبني على حقائق منقولة فقط أكثر من المفهوم منها تاريخيًا
مع قدوم العثمانيين في القرنين العاشر والحادي عشر والمغول في القرن الثالث عشر، فإن الوحدة اللغوية لقلب العالم الإسلامي بدأت في التداعي واعتنق الغُزاة في النهاية الفارسية كوسيط ثقافي، وانعزلت العربية نتيجة تخصيصها للنفوذ الذي تتمتع به الدراسات الدينية، ولم تحتفظ اللغة العربية بكثير من أهميتها القديمة إلا في مصر، وسوريا الكبرى، والجزيرة العربية، وقد لعبت مصر دورًا حيويًا في صياغة التاريخ بعد هزيمة التتار على يد الظاهر بيبرس، كما سيطر المماليك على أغلب المنطقة العربية بين النيل والفرات لمدة قرنين ونصف من الزمان حتى 1517م عندما خضعت مصر للحكم العثماني المباشر ..
قدمت مصر المملوكية عددًا مذهلا من المؤرخين، وكان أغلب المتألقين منهم خصبي الإنتاج بصورة لا تصدق، فإبن حجر العسقلاني (المولود في 1372م) مثلا كتب أكثر من 150 عملا والسيوطي(المولود في 1445م) كتب أكثر وأكثر وربما كان أكثر الكتّاب العرب إنتاجًا في الفترة كلها ..
ومنذ منتصف القرن الثالث عشر إلى بداية القرن السادس عشر لعبت مصر ثلاثة أدوار تاريخية مهمة:
1- كحارس للخلافة
2- كمدافع عن دار الإسلام ضد المغول الصليبيين
3- كحافظ للتقليد الثقافي العربي الإسلامي
ظهرإلى الوجود نوعان متميزان من الكتابة التاريخية العثمانية المصرية
أولهما: كتابة التاريخ الزمني الأدبي: الذي تميز بأسلوب رخيص غير نحوي لكنه مكتوب بواسطة رجال عندهم بعض الطموح نحو التعليم الرسمي الأدبي، وأغلبهم في الحقيقة من العلماء، ويُشار إلى هذذا النوع من التاريخ عادة بحوليات السلاطين والباشوات؛ نظرًا لأن الإطار التنظيمي كان يتطابق مع العهد، وتتضمن الأمثلة لهذا النوع من التأريخ أعمال كل من أحمد شلبي عبد الغني، والإسحاقي، وابن أبي السرور ..
ثانيا: التأريخ الشعبي: ويشار إليه أيضا بمدرسة الأجناد ويتميز هذا النوع من التواريخ بالأسلوب العلمي والنحو الضعيف، والخطب، وقد كُتب هذا النوع من التواريخ بمعرفة رجال ذوي ثقافة محدودة أو معدومة - أغلبهم جنود - لأسباب تتعلق جزئيا بالتسلية والترويح، ويتميز التاريخ الشعبي بأن الأشخاص ودوافع أعمالهم كانت محددة بوضوح أكثر من التاريخ الزمني الأدبي، ويمثل هذا التاريخ كلا من أحمد الدمرداش، وابن زنبل الرمال








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل ساعدت كوريا الشمالية إيران بهجومها الأخير على إسرائيل؟ |


.. مسلسل يكشف كيفية تورط شاب إسباني في اعتداءات قطارات مدريد في




.. واشنطن تؤكد إرسال صواريخ -أتاكمس- بعيدة المدى لأوكرانيا


.. ماكرون يدعو إلى أوروبا مستقلة أمنيا ودبلوماسيا




.. من غزة| 6 أيام في حصار الشفاء