الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوار من الباحث الاكاديمي عقيل الناصري

عقيل الناصري

2015 / 9 / 15
مقابلات و حوارات


العراق يسكن فينا
والغربة مرحلة مضيئة للانطلاق نحو الابداع
ادار الحوار عمار سعدي السبع
الدكتور عقيل الناصري ، من مواليد الناصري عام 1944، في مطلع خمسينيات القرن الماضي انتقل إلى العاصمة بغداد حيث نشأ وترعرع، حصل على البكالوريوس في العلوم الاقتصادية، جامعة بغداد /1967، بعدها انتقل إلى روسيا لإكمال دراسته العليا . يُعرف عنه أنه باحث ومتخصص بثورة 14 تموز.. اختصاصه بالاقتصاد لم يمنعه من الكتابة في السياسة حتى اصبح مختصاً بالزعيم عبد الكريم قاسم وثورة 14 تموز شكلت دراسة الاقتصاد خلفية معرفية ساعدته بصورة جيدة في كتاباته عن الجمهورية الأولى (14 تموز1958)، حيث ألف وأصدر العديد من البحوث والكتب عن العراق المعاصر . يؤكد الدكتور الناصري أن الدمار الذاتي الحاصل الآن أدى الى تشظي الدولة ومؤسساتها، ويرى أن أزمة العراق مستعصية وأسبابها تعود إلى جملة عوامل . ننار التقت الباحث الدكتور الناصري لتسلط الضوء على تجربته البحثية في السياسة والاقتصاد


س 1: - ماذا اضافت لك الغربة وماذا اخذت منك؟

*** لك ظاهرة جانبان المضيء منها والقاتم .. وهذه من سنن الحياة.. أما تأثيراتها فهذا يتوقف على التركيبة النفسية للفرد وعلى مستويات ثقافته ومرونته ودرجة تكيفه مع الغربة واحداثيات الحياة فيها وايضا السبب الذي دعاه الى الاغتراب الجغرافي وربما النفسي.. فالمُجْبر على التغرب غير ذلك الذي اختارها عن طواعية. ومن هذا المنطلق فالجانب الايجابي للغربة تمحور بالنسبة لي، في التعلم والدراسة العليا وانجاز ما خططت لبلوغه.. فكانت فكرة الغربة محدودة زمنياً في البدء، لكنها طالت وخضعنا لها مجبرين .. ولم نفكر في انها ستتحول إلى هجرة دائمية.. كلها بسبب قمعية النظام السابق وويلاته وملاحقته لكل من يفكر بحرية ويعيش بدون وصايا ولا رقابة مجبرا عليها.
لقد اضافت الغربة الكثير من الابعاد واهمها على الاطلاق هو ذلك التحول السيكولوجي المرن والانعتاق من المفاهيم المتحجرة ومن وصايا العلاقات الابوية وتشعباتها، ومن النظرة الاحادية للحياة وتفسير الظواهر والخلاص من المنهج الاسطوري المشبع بالخرافة، والاندماج والارتقاء في ابعاد الرؤية العقلانية بخاصة لفهم سنن التطور والتعمق في الابعاد الجمالية للانسان وغائيته في الوجود.. كما هي مرحلة مضيئة في الابداع نظرا للحرية الفكرية السائدة في المجتمع الأوربي.. بحيث ابتعدتُ مسافات زمنية عن الوجوبية : يجب ، ينبغي ، من الضروري ، وحل محلها النسبية دون المطلق وسادت رؤية: اعتقد ، أرى ، أتصور وهكذا دواليك.
اما ما أخذته مني هذه الغربة فهو الحميمية في العلاقة الاجتماعية ، والصفة الجمعية بصيغتها الايجابية، وتلك اللمسات النفسية التي تشعرك بالاطمئنان عندما تصعب عليك حل اشكالية الحياة.. وفي الوقت نفسه افتقدت الى المصادر الحية ( اللسان الاجتماعي) لما اردت أن ابحث فيه عن النظام السياسي العراقي المعاصر وبالاخص في الجمهورية الأولى. وهناك الكثير مما فقدناه منها: الاغتراب اللغوي داخل العائلة والمجتمع، والسلوكي مع الابناء ، والتضاد بين ثقافتين وصل إلى حد التعارض. كما ان اهتمامي العلمي ينصب على النظام السياسي بالعراق.. لان العراق كمحصلة ثقافية ساكن فينا.. وهو احد الهواجس التي تثير فينا اللوعة والألم.
والمحصلة اصبحنا مثل الطير لا هو حاط بصورة مستقرة ولا طائر على الدوام.. و تكاليفها النفسية عالية جداً، بخاصة للمبتلى بالارتباط بالوطن، ويرى ذاته فيه وحده.

س2 :- اختصاصك هو الجانب الاقتصادي لكنك كتبت الكثير في مجال السياسية وثورة 14 تموز وكذلك حياة الزعيم عبد الكريم قاسم، كيف تفسر ذلك؟ وماذا اردت ان تقول من خلال هذه الاصدارات؟
****
نعم اختصاصي هو اقتصاديات العمل وقد كتبت اطروحتي حول الابعاد الاجتصادية ( الاجتماعية الاقتصادية)لاجور عمال الصناعة في العراق.. وهنالك تداخل معرفي مشترك بين هذا الحقل واختصاصي الحالي، لانه لابد من التطرق إلى نشوء الطبقة العاملة وتنظيمها النقابي والسياسي والتوسع في الارضية التي تتحرك فيها كطبقة وعلائقها بالقوى الاجتماعية الأخرى وبالنظام السياسي وكذلك بالتنمية الاقتصادية والابعاد السياسية للتصنيع ودور الطبقة العاملة ضمن حراكها المطلبي الاقتصادي والسياسي.. هذه الخلفية المعرفية ساعدتني بصورة جدا كبيرة عند الكتابة عن الجمهورية الأولى النيرة (14 تموز1958- 9 شباط 1963) وما سبقها بالضرورة من حراك وانتفاضات شعبية بشقيها الفلاحي والمديني وكذلك عن حركة الضباط الاحرار وما انتابها من تلكؤات وتناحرات ومشاكسات.
وبحكم هذا اصبحت متخصصاً بعبد الكريم قاسم وثورة 14 تموز.. فمرة اعالج الموضوع من قاسم للثورة وفي الثانية من الثورة إلى حياة قاسم .. لانه من المحال التفريق بين الفعل والفاعل.. ولم تقتصر كتاباتي في هذا الموضوع على المجال السياسي فحسب، بل تناولت الابعاد التنظيمية لحركة الضباط الاحرار وعلاقتها بالاحزاب السياسية المعارضة وتتبعت النتائج الاجتصادية والثقافية التي نجمت عن هذا التغيير الجذري الذي وضع العراق على سكة الحداثة المتناغمة مع روح العصر وما تقتضيه الضرورة التاريخية لهذه النقلة النوعية والطبيعة الطبقية للقيادة السياسية ودور الطبقة الوسطى حاملة التغيير فيها وأفق مشروعها التاريخي.
اردت التأكيد على عدة قضايا لها علاقة بالفعل والفاعل معاً.. اكثفها بالقول: كان الفعل بحق يعتبر فعلا جذريا هيأت لتربته القوى الاجتماعية الحية والعضوية، ونفذتها الفئات المتنورة من الانتلجنسيا العسكرية، بعد أن اغلقت النخبة الاليغاركية الملكية التداول السلمي للسلطة بين الطبقات الاجتماعية. وهذا الفعل هو الرافعة النوعية لتطور العراق في القرن المنصرم بحيث ابعد طبقات اجتماعية عن سلطة التحكم بالقرار (طبقة الاقطاع والمالكين الكبار والنخبة العثمانية العسكرية وفئة الكمبرادور) وكان مغايرا ليس الى الانظمة السابقة له فحسب بل حتى للانظمة القومانية التي اعقبته بعد تغيبه القسري.. والمغايرة تكمن في كل من :الطبيعة الطبقية لإدارة التغيير؛ برنامجية التغيير ؛ الأفق التاريخي للتغيير وماهياته ؛ ومنطلق التغيير الذي انطلق من أولوية عراقية العراق في امتداده نحو الأمة العربية.
وعلى ضوء ذلك تغيرت احداثيات التوجه في حياة الوطن وحدثت قفزات نوعية في أولوية الانماط الاقتصادية وتراكمها والتوسع في الثورة الثقافية والنقلة النوعية للحياة الاجتماعية بالريف والمدينة ولموقع المرأة وبالاخص الحكم للفقراء .. ولم تحكم الثورة بهم .. لانه يتنافى مع ماهياتها الطبقية.

س3 :- لازال اللغط قائما حول تسمية احداث ثورة 14 تموز، البعض من يراها ثورة واخرون يصفونها بانقلاب، ما هو التوصيف الحقيقي لتلك الاحداث ولماذا؟

**** لا يوجد، كما اعتقد توصيف حقيقي من عدمه.. لان هذا يتوقف على رؤية الفرد ومدى تطابق المفهوم مع مصالحه وافكاره وفلسفته الحياتية.. فليس من المعقول أن المتضرر من صيرورة التغيير( كالاقطاعي مثلاً) يرى فيها ايجابية، بينما المنتفع والمستفيد من ماهياتها وصيرواتها يعتبر التغيير ايجابيا بل ويتطابق مع الضرورة التاريخية .هذا من جهة.وهذا ديدن البشر.
ومن جهة ثانية أن مفهوم الانقلاب يكمن اساساً في التغيير الفوقي للنخبة الحاكمة، أي أن التغيير لا يطال البنية العضوية للسلطة ولا طبقيتها ولا افقها التاريخي وستبقى غائية السلطة كامنُ في ذات االنخبة وقواها الطبقية. في حين أن الثورة هي التغيير الجذري ليس في بعض أعضاء النخبة السياسية فحسب بل في أسس النظام السياسي وفي طبيعته الاجتماعية وأوالية ( ميكانيزم )عمله والغائية المستهدفة وأفقها التاريخي. أي كما يقول السيسيولوجي القدير فالح عبد الجبار " قلبت ثورة تموز العراق عاليه سافله، غيرت طابعه مجتمعا وثقافة واقتصادا وسياسية ...".
وعند المقارنة المعرفية بين المفهومين سنصل إلى ان التغيير الجذري في 14 تموز قد نسف أسس النظام السابق وبكل قواه الطبقية وفلسفة حكمها وتوجههاتها وغائيتها الطبقية. وبالتالي فقد كان التغيير انقطاع في سلسلة الحكم ولا يمت بصلة للماضي وفلسفته قدر نظرته التغييرية المستقبلية، ومن هنا فهي بهذا أستحدث تاريخيا جديدا للبلد. وهذا هو الواقع والحقيقي بغض النظر عن ابعادنا النفسية ورؤيتنا الذاتوية.. لان الحياة تسير، كما اعتقد، على وفق قوانينها الخاصة القادرة على حل اشكاليات الأزمات البنيوية.
الاشكالية في هذا التوصيف تكمن، كما أرى، في ان هذا التغيير لم يكن من خلال (الثورة الشعبية) التي لها سننها وظروفها الموضوعية والذاتية.. وبالتالي، أرى ان الانتفاضات الشعبية التي وسمت عراق المرحلة الملكية منذ تاسيس الدولة عام 1921، هي الممهدات المادية لهذا التغيير الجذري الذي استمد بعض من شرعيته من هذه الممهدات، وبقيادة من الانتلجنسيا العسكرية المسيسة والمدركة لفعلها وغائيته. وفي مجرى تحقيق التغيير لذاته والسير لتحقيق برنامجيته وما احدثه من انقلاب في أغلب العلاقات الانتاجية بالريف والمدينة وفي الأفق الذي فتحته من خلال تكوين انماط اقتصادية جديدة تتوائم مع الفكرة التطورية.. كلها وغيرها ساهمت في تغيير اسس النظام الاجتماعي ومضمون العقد الاجتماعي الجديد وما قام به من منجز يمكننا من أن نطلق عليه ا مفهوم الثورة.
ومع هذا يمكننا نقد الثورة في العديد من المفاصل منها : عدم استكمال ذاتها الدستورية بشأن تطوير المؤسسات السياسية والمنظمات الاجتماعية وحل القضية الكردية والتأسيس للبرلمانية وغيرها من الاشكاليات. رغم الشروع فيانجاز بعض من ملامحيها لكن انقلاب الردة في شباط1963 قد قضى على هذه الآمال

س4 :- صدرت لك كتب وبحوث في اللغة الروسية وترجمت فيما بعد الى العربية، هل سعيت الى ترجمة ما كتبت الى لغات اخرى؟
****
في البدء لم تصدر لي كتب باللغة الروسية وانما بعض من الدراسات مع استاذي المشرف في معهد الاستشراق .. لكن في الوقت نفسه قمت بترجمة عدة دراسات من الروسية إلى اللغة العربية حول نقل التكنولوجيا، وطريق التطور اللا رأسمالي، الذي كان شائعا آنذاك ، وعن الاقتصاد العراقي في الادب السوفيتي وعن الطبقة العاملة في افريقيا وغيرها.
لقد صدر لي لحد الان عدة كتب تتمحور أغلبها حول قاسم وثورة 14 تموز وهي ، حسب تاريخ الصدور :
- الجيش والسلطة في العراق الملكي، دفاعا عن ثورة 14 تموز، طبعتان ، نفذتا.
- عبد الكريم قاسم في يومه الاخير 2003، نفذت
- قراءة أولية في سيرة عبد الكريم قاسم، طبعتان، الأولى 2003، والثانية في بغداد 2006.
- عبد الكريم قاسم من ماهيات السيرة الذاتية 2006، نفذ.
- 14 تموز الثورة الثرية، 2009.
- 14 تموز وعبد الكريم قاسم في بصائر الاخرين، 2012.
- عبد الكريم قاسم في يومه الاخير ، بثلاثة أجزاء 2015.
- استعادة الزعيم ، حورات مع عقيل الناصري، جمعها واعدها نوري صبيح، طبعتان.
كما لدي عدة كراريس وهي:
- كراس عن اجور العمال في القطاع الصناعي، المؤسسة الثقافية العمالية، بغداد1970
- ليلة الصعود إلى سماء الخلود، ملحق جريدة المجرشة لندن 1997.
- 14 تموز جدلية الفهم والموضوعية، ملحق جريدة المجرشة لندن 1998.
- مؤسسات القمع المادي في عراق البعث، دراسة قدمت لجمعية حقوق الانسان في لندن.
وهناك عشرات المقالات والدراسات والبحوث في الشأن العراقي على موقع الحوار المتمدن http://www. ahewar.org
لم احاول ولم اجرب لترجمة اعمالي إلى أية لغة أجنبية، رغم الطلب مني من بعض الاوساط وبخاصة في معهد الاستشراق في موسكو، لان عالمها الخاص هو العراق بالتحديد ولان دور النشر عملية تجارية، فهذه الكتب ليست رواية أو مجموعة شعرية، قدر كون الطلب عليها قليلا ومحصورة في مختصين بالشأن العراقي. لكن رأيت عدة مرات من اعتمدها كمصدر من الكتاب الاجانب ناهيك عن العراقيين .

س5 :- من بيتك في السويد تواصل الكتابة عن شؤون البلد، هل تعتقد انك قادر على مواكبة الاحداث الساخنة في العراق، وما اهمية ان يتواصل المثقف مع امور بلده من مهجره؟
**** قلت لك سابقا من أن العراق ساكنً فيَّ بصورة يصعب عليَّ الخروج منه، وهذا اهم عامل نفسي يرغمك، ما بالك إذا رغبت، على التواصل والمتابعة ليس للحدث السياسي فحسب بل إلى جملة الاماني المنتظرة.. كما ان ثورة الاتصالات قد قربت بدرجة كبيرة من التعايش مع الحدث الآني ومعرفة حركة البحوث والدراسات الجديدة والرؤى الفلسفية للواقع. وحراك الناس نحو الغد الافضل . كما ان الحرية التي يتمتع بها الباحث في المغترب تعطيه الثقة بالنفس والامان العلمي وتسهل لتفكير الحر وتمنحه فسحة واسعة من التأمل البعيد عن الضغوطات الحياتية. ولكل هذا اهميته بالنسبة للباحث وبلده.. حيث يقدم رؤيا (ربما) جديدة وينقل المحيط العلمي الذي يعيشه من خلال المقارنة الموضوعية، كي تتفاعل جدليا مع السائد الساكن بجامعاتنا في البلد. بمعنى آخر ينقل الباحث العضوي، الموضوعية العلمية والمنهج الجديد إلى الساحة الحقيقية لها.

س6 :- ساهمت مع مجموعة من الادباء العراقيين بتأسيس " اتحاد الكتاب العراقيين في السويد " ما هي فعاليات اتحادكم؟ وكيف يمكن له ان يقرب الكتاب العراقيين من بلدهم الاصلي

**** لقد مضت فترة لا بأس بها على تأسيس اتحاد الكتاب العراقيين في السويد منذ أكثر من 6 سنوات .. وقد قام الاتحاد بجملة من المحاضرات والاماسي شملت شتى انواع المعرفة الادبية والعلمية والسياسية، كما قام الاتحاد بثلاثة مهرجانات شعرية بالتعاون مع الجمعيات المدنية العراقية بالاساس وكذلك مع قسم اللغة العربية في جامعة ستوكهولم. كما قام الاتحاد بالتعاون مع المركز الثقافي العراقي في ستوكهولم بعدة فعاليات مشتركة. ومنذ أكثر من شهر عقد المؤتمر الرابع للاتحاد وتم انتخاب هيئة ادارية جديدة برئاسة الروائي كريم السماوي ولديهم طموحات جميلة بما فيها ربط الاتحاد باتحاد الادباء والكتاب العراقيين في بغداد.. كما لديهم طموح بجمع الكتاب في عموم السويد وتنظيم شؤونهم المهنية والاحتفاء بالمنجز الابداعي لهم.

س7 :- كيف تنظر الى مستقبل العراق السياسي، سيما مع شدة الخلافات بين اطراف العمل السياسي هناك؟

**** النظرة التفاؤلية قرينة بي مثل ما انا قرين بها، نعم تسود العراق أزمة مستعصية واسبابها تعود إلى جملة عوامل نشأت في سياق تطور الظاهرة العراقية وما لعبته جغرافية المكان للعراق، وبالاخص ما زرعه النظام السابق وعمقها الاحتلال الثالث (9نيسان2003- 31كانون اول 2010) وكان من مظاهرها الأرأسية هي المحاصصة الطائفية التي تحمل بذور التشتت وتعمق الولاءات الدنيا وتعزز المؤسسات السابقة للدولة (العشيرة والقبيلة والمناطقية) المدنية.. مما عرض الدولة ومؤسساتها إلى التشطير وهذا بالذات ما يمكن أن نطلق عليه الدمار الذاتي الذي يمضي الآن، بفعل عوامل متعددة، سراعا على ايقاع المذهبية والاثنية والولاءات الفرعية.
لكن في الوقت نفسه هناك توجه مضاد لهذا التوجه السياسي الفكري ينطلق من الهوية الوطنية وينحو منحى رغائبي نقدي في نظرته لما تمارسه قوى السياسية المسيطرة وبالاخص الاسلام السياسي من سياسات تفتيتية للبلد والمنطلقة من نرجسية طفيلية مبنية على تضخيم الذات من جهة وتحقيق المصالح الانية في نعيم الدوغما التي لا ترى في ذاتها سوى المالكة المطلقة للحقيقة من جهة ثانية. مشكلة العراق يجب النظر إليها من خارج هذه المدارك المنغلقة على ذاتها .. والانطلاق نحو الارحب والمكاشفة النقدية للذات الحزبية ومعرفة ماهيات الوعي الاجتماعي والابتعاد عن المنهج الاسطوري والخرافة والتعامل بواقعية مدركة. بصورة مكثفة نعم هناك صعوبات جمة مرتبطة ليس بالقوى الداخلية فحسب بل بالمصالح الاقليمية والدولية .وآمل ان تحقق الطموح ببناء الوطن والقضاء على الفقر وايقاف النهب المتسارع.


س8 :- بعد اكثر من عقد على التغير، هل تطور المجتمع العراقي نحو الافضل؟ وماذا يحتاج لانهاء الازمات التي يعاني منها؟

**** الموضوعية تتطلب بيان المنجز وغير المنجز من مهام المرحلة الانتقالية التي اعقبت سقوط النظام السابق. فمعيار الافضلية، اعتقد، غير حاسم هنا لانه يحمل دلالته السلبية بخاصة عندما يقر السؤال ضمنيا تواجد الازمة. واعتقد ان البلد آخذ بالانشطار والتفتت على اسس مذهبية وآثنية، وهذه سلبية كبيرة بالاضافة إلى جملة معايير: المحاصصة، الفساد الاداري والسياسي، تفشي الولاءات الدنيا، نمو المؤسسات السابقة للدولة المدنية، تراجع هامش حرية الرأي والتظاهر، الازمة الاقتصادية.. كلها وغيرها من المؤشرات التي لا تدلل على ألأفضلية بل العكس من ذلك.
ولاجل الخروج من الازمة المستعصية ، يراد لنا دراسة الواقع الموضوعي ومنها ننطلق نحو القاسم المشترك لكل هذه المجاميع، بمعنى أن (الوسطية) باتت ضرورة موضوعية لكل القوى السياسية والابتعاد عن النظرات الجزئية الضيقة مهما كانت التبريرات، وتأسيس ذلك على اساس علمانية النظام السياسي وابعاد الدين عن الدولة وإعادة الهيبة لها ولقراراتها من خلال المساواة القانونية للمواطنين واحتكار السلاح بيد الدولة وابعاد التدخلات الاقليمية في الشأن الداخلي.. كل هذا وغيره سيتم عبر المشاركة الواعية لكل القوى الاجتماعية والاسهام والتعبير عن رؤياها في مؤتمر خاص بذلك، ومن ثم الخروج بالرؤية الوسطية . لنا دروس من تاريخية الصراع في الجمهورية الأولى.. حيث خسرنا تجربة رائدة اطلق عليها مكسيم رودنسون من انها الثورة الوحيدة في العالم العربي.

س9 :- مع بروز الهويات الطائفية والعرقية في عراق ما بعد التغير، برأيك ما اهمية ان يمضي المواطن الى الولاء الوطني في هذه المرحلة؟

**** لانه الطريق الوحيد لانهاء الازمات المستعصية التي منشؤها كامن في هذه الولاءات الفرعية. الهوية الوطنية: هوية جامعة للكل بغض النظر عن دين المواطن ومذهبه واثنيته وموقعه الاجتماعي وهي النقيض النافي للولاءات الفرعية وتلك القائمة على رابطة الدم. والهوية الوطنية في امتدادها القومي الارحب هي الضامنة للتعايش السلمي بين المكونات المتعددة، بخاصةً اذا توفرت لها الاسس المادية لفكرة المساواة النسبية لتوزيع الثروة واقترنت بعقد اجتماعي يضمن للمكونات والأفراد حقوقها الطبيعية والمكتسبة وتشعره بالامان والاطمئنان. وفوق ذاك هي السبيل إلى الدخول إلى عالم التحضر والمدنية، العصرنة والحداثة والشعور العالي بالانتماء الوطني بكليته

س10 :- من خلال تواجدك بين جالية عراقية كبيرة في السويد، كيف ترى اهتمام هذه الجالية هنا؟ وما مدى تتفاعلها مع نشاطكم الثقافي؟ او انشطة المؤسسات الاخرى؟

**** في البدء لابد من الاشارة إلى ان الجالية العراقية واحدة من أكبر الجاليات الاجنبية في المملكة السويدية، وهي منتشرة في عموم جغرافيتها الاجتماعية والمكانية وحقول الانتاج المادي .. ولها حضور بسيط الآن لكنه نامي وآخذ بالتطور النوعي والكمي وبخاصة بالنسبة للجيل الثاني منهم، وسيكون أكبر في الجيل الثالث الذي بدأ يترعرع في الاجواء المناسبة للتطور .. ولهذا وصل بعضهم إلى أماكن سامية في الدولة كالبرلمان (عبير السهلاني مثلا) واخرى اصبحت سفيرة للسويد (غفران النداف) وكذلك في الجامعات ومؤسسات البحث العلمي والشركات الكبرى. ولكن في الوقت ذاته هنالك بعض من الجالية من لم يستطع التكييف مع البيئة الجديدة وهذا مرتبط إلى حدٍ ما بالمستوى الثقافي للعائلة ودرجة تفتحها وتلائمها مع المجتمع السويدي وأغلب هؤلاء جاءوا من الحواضر المنغلقة على ذاتها أو من عوائل بسيطة المدارك لم تستطع استيعاب ذاتها هنا، أو لانها تاهت في تحديد هويتها وموقعها بين ثقافتين متضادتين ومتكاملتين في الوقت نفسه، فعادوا إلى التمسك ليس بالهوية الوطنية بل بالفرعية وأسسوا لهذه الغاية جمعياتهم ذات المنطلق الضيق كالمدينية والمذهبية والاثنية .
وعليه فإن التجاوب مع الفعاليات يمكن تقسيمه ايضا إلى مهتم وغير مهتم بالفعل الثقافي والفكري فهناك من يحاول إعادة انتاج ذاته والتمتع بالمنجز المعرفي، لهذا ينشط في الحضور والمناقشة وغير ذلك. في حين توجد ايضا فئات، وبخاصة الشباب منهم والتي لها اهتماماتها الملائمة لطموحاتهم في هذا الجو الاجتماعي المنفتح، فهي غير فعالة في النشاط الثقافي للجمعيات العراقية لانها لا تحقق طموحهم.. لآن الفعل الثقافي لا يجمع إلا الراغبين في الاستفادة من وقتهم .. في حين ان الفعل الاجتماعي كالحفلات الترفيهية فهي تجمع الكثير من هذه الفئات. كما ان نوعية النشاط لديه القدرة على تفاعل الناس معه من عدمه ، ولهذا سيكون التفاضل بين المتعة الترفيهية والعلمية/ الادبية لدى الفرد، وفي كل الاحوال ينحاز الانسان بطبعه نحو الترفيهية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاميرات مراقبة ترصد فيل سيرك هارب يتجول في الشوارع.. شاهد ما


.. عبر روسيا.. إيران تبلغ إسرائيل أنها لا تريد التصعيد




.. إيران..عمليات في عقر الدار | #غرفة_الأخبار


.. بعد تأكيد التزامِها بدعم التهدئة في المنطقة.. واشنطن تتنصل م




.. الدوحة تضيق بحماس .. هل يغادر قادة الحركة؟ | #غرفة_الأخبار