الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مواقف من الحياة بألوان الكلمات...

حسين محمود التلاوي
(Hussein Mahmoud Talawy)

2015 / 9 / 23
الادب والفن


كان يشعر بالعطش الشديد...
عطش جعل لسانه يقترب في جفافه من الأحجار.
ولكن لما لم يكن معه ماء، كان يتعين عليه أن يواصل المسير إلى أن يصل إلى أقرب مكان يستطيع فيه الحصول على شربة ماء يخفف بها من جفاف لسانه الذي بدأ يشعر به يتجاوز مرحلة الجفاف ليصل إلى مرحلة الاحتراق.
حاول في مسيره أن يتلافى أشعة الشمس الحارقة التي تحالفت مع ضغط العمل الأسطوري الذي انهال عليه اليوم ليدفعا به إلى حافة فقدان الوعي أو العقل أيهما أقرب للضياع.
لم يجد مسجدا بالجوار، ولم يجد أيًّا من أكشاك بيع المواد الغذائية الخفيفة، بل إنه لم يجد بوابًا يجلس أمام واحدة من العمارات التي ملأت الفضاء من حوله. وفجأة، وجد نفسه وقد امتلأت بالكراهية لهذه العمارات... ربما لأنه لم يستطيع أن يحصل منها على شربة ماء ولا حتى على ظل يقيه حرارة الشمس...
اللعنة، ما فائدة تلك العمارات إذن؟!
وبينما كان يسير، اصطدمت يده اليمنى بسراوله، وشعر بملمس هاتفه المحمول الذي وضعه في الجيب الأيمن من السروال، ودون أن يفكر مرتين، أخرج الهاتف، وبحث عن رقمها واتصل به، وعندما مس صوتها الناعم مسامعه، وهي ترحب به، شعر بنسمة نديَّة تداعب وجهه، لكنه لم يستطع أن يقول شيئًا لجفاف لسانه. ولما طال صمته، قالت له:
"خير... فيه إيه؟ مالك؟".
فأجابها بلسان رطب: "لا ولا حاجة... كنت بس عطشان ومش لاقي مية، فقلت أسمع صوتك".
******
شعرت بالضيق الشديد من إجراءات مديرتها في العمل ضدها. كانت تشعر بأنها تتعمد إهانتها والإقلال من شأنها أمام زملائها بل والضيوف كذلك؛ فانصرفت وهي في أسوإ حال ممكنة.
لم تقل شيئًا، ولم تعترض بأية وسيلة على ما فعله، ولكنها انصرفت في هدوء شديد، وكأن شيئًا لم يكن. وعندما وصلت إلى منزلها، ألقت برأسها على الوسادة، وانخرطت في بكاء عميق، لم يخرجه منها سوى صوت هاتفها المحمول.
كانت النغمة المميزة له؛ فأسرعت إلى الهاتف، وسألته عن أحواله، قبل أن تنفجر صارخة، وهي تلومه؛ لأنه ترك بعض الطعام خارج الثلاجة في مثل هذا الجو الحار فتلف. وارتفع صوتها أكثر فأكثر، وهي تلومه؛ لأنه نسي أن يفرغ صندوق القمامة.
في البداية، لم يحر جوابًا، وانتظر إلى أن انتهت من صراخها؛ فسألها بكل بساطة وهدوء: "هو فيه حد زعلّك في الشغل؟!".
******
لم يدر لماذا خالجه هذا الإحساس بأنها تشعر بالملل.
راوده إحساسه هذا، وهو يجلس أمامها في شرفة منزلهما عند الغروب. لم يدر ماذا يفعل أمام هذا الشعور غير المفهوم. وأمام صمتها. حاول أن يستخلص منها أي شيء، لكن كلامها لم يشر إلى أي شيء؛ فازدادت حيرته.
وبعد فترة من الصمت، نهض من مجلسه، واتجه ناحيتها، ثم أمسك يدها اليسرى بيده اليمنى، وراحا يرتقيان حتى وصلا إلى إحدى السحابات التي اختلط لونها الفضي بألوان الشمس الغاربة؛ فجلسا فوقها، وهما يتطلعان بعضهما إلى بعض في صمت وقد اعتلت وجهيهما بسمتان صافيتان تخفيان خلفهما ضحكات مكتومة ظهرت في التماعات العيون، قبل أن يضم يده على قطعة من السحابة، ويلقيها فجأةً في وجهها مطلقًا العنان لضحكاته.
فلم يكن منها إلا أن فعلت مثله، ثم راحا يتقاذفان بقطع السحاب، وهما يطاردان بعضهما البعض فوق السحابة الي أخذت تسير بهما متمهلة بفعل النسائم التي أحدثتها مطاردتهما المرحة وضحكاتهما الهانئة التي ملأت الفضاء، وتألقت لها النجوم البازغة.
******








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما


.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا




.. الذكاء الاصطناعي يهدد صناعة السينما


.. الفنانة السودانية هند الطاهر: -قلبي مع كل أم سودانية وطفل في




.. من الكويت بروفسور بالهندسة الكيميائية والبيئية يقف لأول مرة