الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هجرة العراقيين .. مخاطرها ومسبباتها

عبد الحسين العطواني

2015 / 10 / 5
مواضيع وابحاث سياسية



منذ من وجد الإنسان , وجد له عقل وبصيرة , ووجدت معه آراءه , وتنوعت هواجسه , وتشعبت مبادئه وعقائده , يستوحيها حسب الحاجة , ويعمل بها حسب الإرادة , يركن مرة إلى عقله , ومرة إلى هواه , من اجل التحزب لرأيه لإثبات شخصيته , والاعتداد بنفسه, فقد يلتمس الرأي صحيحا , وقد يلتمسه خطأ . والإنسان حسب طبيعة الأشياء هو حر في عمله , وللمحيط مفعوله , وللقدر أثره , فتنوع الموت , منه إلى اجل محتوم : يفرضه الانحلال الجسمي نظرا لعمله الدائب حسب سنة الحياة , واجل مخروم : وهو الذي يتأتى حسب المصادفة , أم لتعرض المرء للهلاك كالانتحار , وقد نص القران الكريم على ذلك ( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ) , وفي هذا معنى الاختيار الذاتي , ولو كان لازما لامتنع الأمر , ولذلك فان من يستشهد فقد كتب الله له الشهادة من باب الحمد والثناء لا من باب الجبر والقدر اللازم لان الذي يذهب مجاهدا مختارا لهو أفضل ممن يذهب مجبرا .

فأن هجرة عشرات الآلاف من العراقيين غير الشرعية إلى دول أوربا وما حل ببعضهم من هلاك وانتهاك لكرامتهم لم تكن مصادفة بل بمعنى الاختيار الذاتي الذي اشرنا إليه على الرغم من علمهم بمخاطر هذا الطريق والأموال التي ينفقونها على السماسرة ومافيات النصب والاحتيال من اجل مساعدتهم في هذه الهجرة إلى أوربا عن طريق تركيا للوصول إلى بلغاريا واليونان مستغلين عدم تمكن الأخيرة من السيطرة على عبور المهاجرين من خلال حدودها مع تركبا والى مقدونيا , وكان هذا الحدث نقطة تحول في رؤية العالم الخارجي إلى أوضاع العراق التي تشهد حالة المواجهة مع زمر داعش الإرهابية , ولماذا لم يحصل هذا التطور الغريب من نوعه في الأزمات الطائفية والأمنية والقتل على الهوية التي مر بها العراق في السنوات السابقة , لتعلن بعض الدول الأوربية في هذا الوقت عن استعدادها لاستقبال المهاجرين العراقيين والسوريين بوضع فيه العراق بأمس الحاجة إلى تحشيد طاقاته القتالية خاصة الشبابية منها لتحرير أراضيه من دنس الإرهاب والعصابات الإجرامية .

والغريب في الأمر انه على الرغم من كثرة الانتقادات الموجهة ضد عملية الهجرة ومن مختلف الجهات الرسمية وغير الرسمية وبضمنها المرجعية الدينية , وكثرة المشكلات التي تواجه المهاجرين , إلا أنها ماتزال مستمرة وبوتيرة متصاعدة مع عدم التوصل إلى دلائل تحدد الجهة التي تقف خلفها, إلا أنه ومن الواضح للجميع ليس من الصعب على السلطات التركية من إيقاف هذه التدفقات المهاجرة عن طريقها إذا كانت لديها الرغبة والجدية في ذلك , مما يثير الشك في الدور الذي تلعبه تركيا وكذلك إقليم كردستان من تأثير في تسهيل هجرة الشباب والعوائل العراقية , حيث تشير التقديرات إلى هجرة أكثر من (450) ألف مهاجر عراقي خلال الأشهر الثلاثة الماضية , تشكل نسبة الشباب منهم 70 %, ولم تأت هذه التسهيلات من فراغ إذ أن معطيات الواقع تنذر من أنها لا تخلو من مؤامرة باستغلال ملفي الوضع الاقتصادي والأمني المتدهورين والتعاون مع جهات أخرى لتضع على العراق شرا كبيرا بتشتيت موارده البشرية وقدراته القتالية وبالتالي تمكين زمر داعش الإرهابية من فرض سيطرتها واحتلال البلاد , وهذا أمر حذرت منه المرجعية الدينية , وأعربت عن قلقها البالغ عن هذه الهجرة التي أدت إلى وفاة الكثير منهم غرقا , فضلا عن الطرق البرية المحفوفة بالمخاطر, والمعاملات القاسية التي يواجهونها من بعض الدول , داعية الحكومة إلى وضع خطط تنموية تحد منها.

والمتتبع لسلسلة المؤامرات التي تحاك ضد العراق وشعبه منذ الاحتلال الأمريكي في عام 2003 يجد أنها تصفية بمراحل متعددة , بدأت بعمليات التهجير الداخلي والقتل والاغتيال , ثم الاستمرار بعمليات التفجير الجماعي الذي ينفذ بأجندة خارجية , وانتهاء بتسهيل دخول ودعم زمر داعش الإرهابية , فعلى سبيل المثال لا الحصر في عام 2006 يشير الجنرال الأمريكي ( داوننغ ) القائد السابق للعمليات الخاصة في الجيش الأمريكي , بأن أمريكا قررت القيام في العراق بالشئ نفسه الذي عملته في السلفادور عندما شكلت فرق الموت هناك للقضاء على المعارضة , واتضح ذلك من خلال الدور الذي لعبته هذه الفرق العاملة ضمن الشركات الأمنية في عمليات التصفية للكفاءات والعقول العراقية البارزة والتهجير الداخلي والقتل لخلخلة نسيج بناء المجتمع العراقي لإثارة المزيد من الأحقاد عن طريق تلك المجاميع بعمليات القتل والتطهير الطائفي العرقي , وبعد إفراغ العراق من هذه الكفاءات بدأ التخطيط لهجرة الشباب الجماعية إلى الدول الأوربية .

ونحن في هذا الصدد لا نضع غالبية اللوم على العامل الإقليمي والدولي , ولا على المهاجرين أنفسهم , إذ لابد من البحث عن الأسباب التي جعلت هؤلاء المهاجرين بهذا المستوى من الاندفاع غير المسبوق , فالجزء الأكبر منه تتحمل مسؤوليته الدولة , يأتي في مقدمته فشل السلطة في توفير الأمن , ووضع سياسة اقتصادية تتناسب مع إمكانيات الشباب ومواهبهم وتحصيلهم الدراسي وبالتالي توفير فرص العمل التي تضمن لهم العيش والحياة الكريمة بعيدا عن الوعود الفارغة التي أدت بهم إلى هذا الحال .
لكن الأمور ستبقى في دائرة الاحتمالات ولن تخرج عنها مادامت الصلات الخفية هي المسيطرة على مجريات الأمور بين بعض ساسة العراق والإطراف الخارجية الأخرى ذات العلاقة بالموضوع , وما ينفذ إلى أرض الواقع هو نتاج لما يدور في الخفاء, والمهم هنا طبيعة السياسة التي ستتبعها الدولة العراقية لمواجهة الهجرة , وكيف ستتعامل مع أسبابها ودوامتها فهذا الذي سيحدد الجواب مابين الحكمة العراقية المفقودة , والفوضى العالمية المهيمنة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هنية يزور تركيا لإجراء محادثات مع الرئيس التركي رجب طيب أردو


.. توقعات بموجة جديدة من ارتفاع أسعار المنتجات الغدائية بروسيا




.. سكاي نيوز عربية تزور أحد مخيمات النزوح في رفح جنوبي قطاع غزة


.. حزب -تقدّم- مهدد بالتفكك بعد انسحاب مرشحه لمنصب رئاسة مجلس ا




.. آثار الدمار نتيجة قصف استهدف قاعدة كالسو شمالي بابل في العرا