الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اعلان دمشق : ولادة على عجل

عادل أحمد

2005 / 10 / 24
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


لم يكن في ودي أن أستعجل الكتابة عن هذا الموضوع لولا الحساسية التي يشكلها كموضوع وطني عام ، ولولا العديد من المقالات التي تناولته سواء كانت مع أو ضد ، ولولا ضرورة أن يعرف الرأي العام ما له وما عليه .
سنتناول هذا الإعلان على مستويين :
1/ من حيث الشكل والآلية .
2/ من حيث المضمون .
أولا : من حيث الشكل والآلية :
بداية.. لا بد من الإشارة إلى أن أطروحات هذا الإعلان تكاد تشكل متحدا فكريا وسياسيا لكل فصائل المعارضة السورية الداخلية منها والخارجية ، فهو في محصلته العام جمع تركيبي لأطروحاتها المتعارضة أحيانا والمتوافقة أحيانا أخرى والتي عبر عنها الإعلان بالجملة التالية : ( اجتمعت إرادتهم – الموقعون على الإعلان – بالتوافق على الأسس التالية .) . التوافق إذن هو المبدأ العام الذي يحكم هذا الإعلان – الوثيقة ، فكيف تم هذا التوافق ؟
هل بالحضور الفعلي لكل الطيف السياسي أم بالنيابة التي تتضمن الإقصاء والتجاهل لأنها لم توثق وتقونن ؟
هل تم طرح أو تداول مشروع الإعلان – مسودته- على القوى والشخصيات والهيئات لمناقشته وإبداء الرأي فيه ؟
حسب علمي ، ومع أننا سمعنا عن مشروع من هذا النوع وان لم يحمل نفس التسمية ،فانه لم يعلن عنه ولم يعط لأحد لإبداء الرأي فيه لا من القوى والهيئات ولا من الشخصيات . وهذا ما يفسر اقتصار لائحة الموقعين على هذا العدد القليل من القوى والشخصيات التي ساهمت به إلى هذا الحد أو ذاك .
وهنا يحق لنا أن نتساءل خاصة وأن الإعلان ينص على أن الأمر ( يتطلب تعبئة جميع طاقات سورية الوطن والشعب ) عن مغزى ومدلولات غياب أجزاء ومكونات ليس من الطيف السياسي فقط بل ومن مكونات الشعب السوري الفئوية أيضا ( رغم اعتراضي على الاستخدام المتكرر للفظة مكونات). هذه المسألة تثير التساؤل والشك وتخلق أرضية سائبة رخوة يقف عليها الإعلان ، وقد تدفع بالكثيرين للنأي بأنفسهم بعيدا عن هكذا مشروع. هل يستقيم هذا السلوك مع الهدف الذي يتطلب تعبئة جميع طاقات الشعب ؟
النقطة الثانية المثيرة للتساؤل هي توقيت الإعلان... إذ كان ينبغي الأخذ بعين الاعتبار واقع أن سورية الوطن مستهدفة من الغول الأمريكي المتوحش وتفرده وعربدته التي تصب جميعها في خدمة مشروع المحافظين الجدد , وأننا يجب أن ، ندرك أن النظام غير مستهدف لذاته فهي لا يهمها سوى حليف فاقد الإرادة والاستقلالية ومنضو مطيع لتوجهاتها وتوجيهاتها .
وهناك أيضا ظاهرة الاستعجال التي طغت على الموضوع كله ، وكأني بالموقعين على الإعلان يعتقدون أن النظام ساقط لا محالة إن لم يكن ( غدا فبعد غد ) . ولعل هذا الاعتقاد هو الذي دفع ببعض الجهات لدعوة الناس للاعتصام وبدء التحرك مع مجيء عيد الفطر .
ثانيا : من حيث المضمون :
تشكل الأسس الثماني عشر التي توافق عليها الموقعون جمعا أو تركيبا شاملا لمطالب المعارضة مختلفة التوجه كما أسلفنا القول ؛ وهي إذ تتحمل أن يجد كل توجه سياسي أو فكري نفسه فيها إلا أنها ولهذا السبب بالذات ( جمع المتناقضات ) تؤسس لاحتراب فكري وسياسي في المستقبل وذلك لكونها ستكون المرجعية الفكرية والسياسية التي ستعتمدها الجمعية التأسيسية التي ستضع دستور البلاد القادم .
في مثال عن هذه المطبات والمتناقضات إلي يحتويها الإعلان :
- في حين ينص البند الثاني من الأسس على ( نبذ الفكر الشمولي والقطع مع جميع المشاريع الاقصائية والوصائية والاستئصالية ) نرى البند الثالث يقرر أن ( الإسلام هو دين الأكثرية وعقيدتها بمقاصده السامية وقيمه العليا وشريعته السمحاء يعتبر المكون الثقافي الأبرز في حياة الأمة والشعب . تشكلت حضارتنا العربية في إطار أفكاره وقيمه وأخلاقه ، وبالتفاعل مع الثقافات التاريخية الوطنية الأخرى في مجتمعنا ، ومن خلال الاعتدال والتسامح والتفاعل المشترك ، بعيدا عن التعصب والعنف والإقصاء . مع الحرص الشديد على احترام عقائد الآخرين وثقافتهم وخصوصيتهم أيا كانت انتماءاتهم الدينية والمذهبية والفكرية ، والانفتاح على الثقافات الجديدة والمعاصرة ) . لو أن هذه الفقرة وردت في سياق الحديث عن الهوية الثقافية والروحية للشعب السوري وشارحة أي إسلام نريد ونعتمد ، لما كان في إيرادها أي لبس أو إشكال ، لكن ورودها هنا وفي الأسس التي تؤسس للدولة المدنية القائمة على المواطنة والتي تعني حكما فصل الدين عن الدولة جاء ليقرر أن الإسلام هو دين الأكثرية وعقيدتها وبالتالي هو الأساس في تشكيل الهوية السورية والمرجعية التي سيوضع الدستور والقوانين على أساسها باعتبار الإسلام دين كلي ( دين ودولة ) ، ( عقيدة وشريعة ) ، وهو بهذا الشكل سيتحول إلى فكر شمولي ووصائي . ثم لماذا غض الطرف عن المسيحية ودورها وتاريخها في سوريا ،ألا تذكرنا إسهامات العرب المسيحيين في سوريا ولبنان في مشروع النهضة العربي الأول والدور الريادي الذي لعبوه بشئ ؟
- يرد في البند التاسع:( إيجاد حل ديمقراطي عادل للقضية الكردية في سورية....) نلاحظ أن هناك حسب النص قضية كردية كالقضية الفلسطينية وقضية لواء الاسكندرون وقضية الجزر الثلاث الخ .. لننتبه فهذا الإعلان الهام هو وثيقة للمستقبل ستساهم في صنعه وتشكيله ومنها ستخرج العديد من القضايا والمهام ... فأن نقول قضية كردية فهذا يعني قضية أرض وشعب ، وباعتقادي أن مثل هذه القضية ليست مطروحة لأن أكثرية أكراد سوريا تتوافق على مطالب محددة تتعلق بحق الجنسية لهم وإعادتها إلى من نزعت عنهم وحق المواطنة الكاملة والمساواة التامة وحرية الرأي والتفكير والاعتقاد والتعبير واللغة أي ما نص عليه نفس البند في جزئه التالي ، ولتخليص هذا البند من التناقض الداخلي فيه كان يمكن صياغته على الشكل التالي : / تسوية ملف الأكراد نهائيا . بما يضمن المساواة التامة للمواطنين الأكراد السوريين مع بقية المواطنين من حيث حقوق الجنسية والثقافة وتعلم اللغة القومية وبقية الحقوق الدستورية والسياسية والاجتماعية والقانونية ، على قاعدة وحدة سورية أرضا وشعبا . مما يعني حكما إعادة الجنسية وحقوق المواطنة للذين حرموا منها /.
- في البند /15/ يرد : ( ضمان حق العمل السياسي لجميع مكونات الشعب السوري على اختلاف الانتماءات الدينية والقومية والاجتماعية) . لماذا هذا الإصرار على الاستخدام المتكرر لتعبير ( مكونات ) دينية قومية اجتماعية ؟ هل هو إقرار لتذرر المجتمع السوري، أم تأكيد لهذا التذرر ، أم مجرد تأثر بالوضع العراقي ؟ كان يمكن الاستعاضة عن ذلك بكلمة واحدة هي ...جميع / المواطنين / بلا استثناء .
- في البند 16 يرد : ( التأكيد على انتماء سورية إلى المنظومة العربية ...)
هل هو الشغف باستخدام المصطلحات الجديدة الوافدة دون تمحيص في مضامينها ، أم أن القصد هو ما يرمي إليه المصطلح حقيقة من مفاهيم ؟ مصطلح المنظومة العربية ألا يحيل إلى مصطلحات مثل : الفرانكفونية – الشرق أوسطية ؟ أما كان يمكن القول : التأكيد على انتماء سورية العربي ، وإقامة أوسع علاقات التعاون مع الدول العربية...
- في البند 18 يرد أن عملية التغيير قد بدأت ...
عملية التغيير فعل ضرورة ( وأضيف مصلحة وطن ) هذا صحيح . ولكن هل بدأت ؟ ما الذي بدأ ؟ وكيف يبدأ ؟ هل بمجرد الإعلان عنه ، أم بعد إنجاز التوافق الذي تدعون إليه وشد جهود الجميع التي يتطلبها إنجازه ؟ ألا تدفعنا سلامة الوطن وأمنه ووحدته على تجهيز السفينة بكل ما يلزم لإكمال الرحلة ونجاحها ؟
- لم يرد في الإعلان أي ذكر للعلمانية ، مع أن أكثرية المهتمين بالفكر والسياسة والثقافة يجمعون على أنه لا ديمقراطية بدون علمانية . كما لم ترد جملة واحدة تتحدث عن فصل الدين عن الدولة .
- تشكل المنطلقات القاعدية التي جاءت في نهاية الإعلان تكثيفا مركزا وايجابيا وجامعا يمكن أن تجمع كل أبناء الوطن من حولها .
ولما يتمتع به الإعلان من أهمية سياسية ، وباعتباره الخطوة الأبرز في الوضع السياسي السوري خلال السنوات الأخيرة والحدث الأهم والأكثر تطورا في تاريخ المعارضة السورية القريب ، ومنعا للاحتمالات الخطيرة التي أشار إليها الإعلان ، وكي لا يكون خطوة في الفراغ ، مغامرة ، فإننا نحيل القراء والموقعين على الإعلان وكل القوى والفعاليات إلى الفقرة الرابعة من المنطلقات القاعدية في الإعلان وكذلك الفقرة الخامسة ونشدد على ضرورة مناقشة هذه التوافقات وإدخال التعديلات المناسبة عليها وإقرارها من قبل أكبر طيف وطني ممكن ، ليصار عندها إلى القول أن عملية التغيير المنشودة قد بدأت .
22/10/2005
عادل أحمد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهاجمة وزير الأمن القومي الإسرائيلي بن غفير وانقاذه بأعجوبة


.. باريس سان جيرمان على بعد خطوة من إحرازه لقب الدوري الفرنسي ل




.. الدوري الإنكليزي: آمال ليفربول باللقب تصاب بنكسة بعد خسارته


.. شاهد رد مايك جونسون رئيس مجلس النواب الأمريكي عن مقتل أطفال




.. مظاهرة أمام شركة أسلحة في السويد تصدر معدات لإسرائيل