الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إمام التنوير والتجديد الامام محمد عبده

عبد صموئيل فارس

2015 / 10 / 18
سيرة ذاتية



يُعدّ "الإمام محمد عبده" واحدًا من أبرز المجددين في الفقه الإسلامي في العصر الحديث، وأحد دعاة الإصلاح وأعلام النهضة العربية الإسلامية الحديثة؛ فقد ساهم بعلمه ووعيه واجتهاده في تحرير العقل العربي من الجمود الذي أصابه لعدة قرون، كما شارك في إيقاظ وعي الأمة نحو التحرر، وبعث الوطنية، وإحياء الاجتهاد الفقهي لمواكبة التطورات السريعة في العلم، ومسايرة حركة المجتمع وتطوره في مختلف النواحي السياسية والاقتصادية والثقافية. وقد تأثر به العديد من رواد النهضة مثل عبد الحميد بن باديس ورشيد رضا وعبدالرحمن الكواكبي.

ولد الإمام محمد عبده في قرية صغيرة من قرى مديرية البحيرة بمصر عام 1849م. كان والده يشتغل بالزراعة، فاضطر إلى التنقل من قرية إلى أخرى، هربا من عسف جباة الضرائب أيام حكم محمد علي.

عندما بلغ محمد عبده الثالثة عشر من العمر، أُرسل إلى جامع الأحمدي بطنطا للدراسة. عندما كان جامع الأحمدي أهم أماكن الدراسات الدينية بعد الأزهر الشريف. إلا أنه فر هاربا عندما وجد أن الدراسة الدينية في جامع الأحمدي دراسة جافة تعتمد على الحفظ بدون تفكير أو مناقشة.

لكنه بفضل خاله الشيخ درويش، الذي كان له تأثير كبير في حياته بجانب الأفغاني، عاد محمد عبده للدراسة الدينية في جامع الأحمدي. ثم التحق بالأزهر عام 1869م.

عندما أقام جمال الدين الأفغاني في مصر عام 1871م، كان محمد عبده، الطالب الأزهري، أكثر تلاميذ الأفغاني التفافا حوله، وأشدهم حرصا على حضور مجالسه وندواته. فقد كان الأفغاني يشجع الإمام محمد عبده على دراسة الفلسفة الإسلامية. وخصوصا فلسفة ابن سينا.

ثم بدأ الإمام محمد عبده في كتابة عدة مقالات في جريدة الأهرام. وكانت حديثة الصدور يملكها أخوين من لبنان في ذلك الوقت.

عندما أنهى محمد عبده دراسته الأزهرية عام 1877م، التحق بوظيفة مدرس في مدرسة دار العلوم. حيث كان يدرس في المدرسة وفي منزله مواد ثقافية مثل: الأخلاق لمسكويه وتاريخ الحضارة لجيزوت ومقدمة ابن خلدون. هذه المواد تعطينا فكرة عن نوع ثقافة الإمام محمد عبده وقتئذ.

في السبعينات من القرن التاسع عشر، كان حكم الخديو إسماعيل يعاني من فداحة الدين الأجنبي. مما اضطر الخديو إلى فرض ضرائب باهظة على عامة الشعب. لم يكن الخديو توفيق، ابن الخديو اسماعيل، يحظى هو أيضا برضاء عامة الشعب. وكانت معارضة حكمه تتمثل في ثلاث حركات:

الأولى هي الحركة الوطنية التي كانت تخشى خطر النفوذ الأوروبي على البلاد. الثانية، هي حركة الطبقة الإرستوقراطية التي كانت تحارب حكم الفرد وتناضل من أجل تقييد سلطات الحاكم بالدستور. الثالثة، هي حركة أحمد عرابي لتحرير الجيش المصري من قبضة العناصر التركية والشركسية.

نظرا لمؤازرة الدولتيين الإستعماريتين، إنجلترا وفرنسا، للخديو توفيق وتهديدهما باحتلال مصر، انصهرت المعارضة داخل البلاد في بوتقة وطنية واحدة. أسلمت قيادتها للجيش بقيادة أحمد عرابي، الذي اعتبرته إنجلترا وفرنسا خطرا على مصالحهما في المنطقة. ثم تبع ذلك، قذف الإسكندرية بالمدافع من البحر، واحتلال إنجلترا لمصر كلها عام 1882م.

لعب الإمام محمد عبده دورا هاما في هذه الأحداث التي مرت بالبلاد. فقد كانت مقالاته اليومية في جريدة الأهرام، تعكس الفكر السياسي للأفغاني، الذي يدعو إلى صحوة العالم الإسلامي في مواجهة خطر الإستعمار الغربي.

لذلك عندما طرد الخديو توفيق جمال الدين الأفغاني من مصر، قام الخديو في نفس الوقت بتحديد إقامة محمد عبده وعزله في قريته بالوجه البحري.

لكن في عام 1880م، طلب رياض باشا، رئيس الوزراء، من محمد عبده العودة إلى القاهرة، لشغل منصب رئيس تحرير الوقائع المصرية.

خلال عامين من الأزمات المتلاحقة، كانت مقالات محمد عبده السياسية والإجتماعية، تلعب دورا هاما في إيقاظ الرأي العام الوطني. وكانت كتاباته، تعارض الحكم العسكري بقيادة أحمد عرابي في بادئ الأمر. لكن عندما بدأ الجيش البريطاني في غزو البلاد، اقترب محمد عبده من قادة الجيش، محاولا تكوين جبهة واحدة لمقاومة الإنجليز.

بعد الإحتلال وهزيمة عرابي، تم القبض على محمد عبده وسجنه وتعذيبه. خرج من السجن محطم النفس هزيل البدن، يائسا حزينا. شأنه شأن باقي أفراد الشعب المصري في ذلك الوقت.

سرعان ما نفي محمد عبده من البلاد لمدة ثلاث سنوات. سافر خلالها إلى بيروت ثم باريس لكي يلحق بجمال الدين الأفغاني. هناك، قام هو والأفغاني بتكوين جمعية سياسية سرية، وأصدرا جريدة العروة الوثقى.

لم يقتصر نشاطه في الخارج على الكتابة، لكنه أيضا ذهب إلى لندن عام 1884م، لمقابلة بعض السياسيين الإنجليز، لمناقشة قضايا مصر والسودان.

عندما توقف صدور جريدة العروة الوثقى، سافرة محمد عبده إلى تونس ومنها إلى مصر متخفيا، آملا في أن يسافر إلى السودان لمقابلة المهدي. لكن خطته لم تنجح. فسافر إلى بيروت لكي يقضي بها ثلاث سنوات. قام خلالها بالتدريس في أحد المدارس الإسلامية.

كان مسكنه في بيروت، كما كان منزله في القاهرة، مركزا للطلبة والكتاب المارون والدروز والمسلمين على السواء. يأتون إليه لسماع آراءه في الفقه والسنة والفلسفة واللغة والسياسة.

في عام 1888م، سمح الخديو لمحمد عبده بالعودة لمصر، لكن بعيدا عن التدريس. فعين قاضيا بالمحاكم الشرعية. في عام 1894م، عين في لجنة لإدارة شئون الأزهر. لكن آراء الإمام الخاصة بتطوير الأزهر، قوبلت بمعارضة شديدة من رجال وشيوخ الأزهر المحافظين، الذين كانوا يحظون بتأييد الخديو توفيق.

بالرغم من شجاعة الإمام محمد عبده، وكفاحه البطولي داخل هذه اللجنة، إلا أن نتائج جهوده كانت محدودة. مما أدى إلى استقالته من اللجنة. وفي عام 1899م، عين مفتيا للديار المصرية. وهو المنصب الذي شغله بقية حياته.

أهم أفكار الإمام محمد عبده، ظهرت في كتاب رسالات التوحيد، الذي نشر عام 1897م، وتفسيره لأجزاء من القرآن الكريم، ومجموعة دراسات نشرت في جريدة المنار عام 1901م، عن الدين الإسلامي والدين المسيحي وعلاقتهما بالعلوم والحضارة الحديثة.

تعلم محمد عبده اللغة الفرنسية بعد سن الأربعين. وكان يقرأ الأدب الفرنسي بلغة بلاده. عندما زار سويسرا، حرص على حضور محاضرات عن علم الإخلاق والتاريخ والفلسفة والتعليم في جامعة جنيف.

كان معجبا بهربت سبنسر، وقام بزيارته في إنجلترا، وترجم بعض أعماله المنشورة بالفرنسية. وكان معجبا أيضا بالكاتب الروسي تولستوي، وقام بمراسلته. وكان يقوم من حين لآخر بزيارة أوروبا. لأن مثل هذه الزيارات، كانت تبعث الأمل في نفسه، وتجعله يعتقد بأن العالم الإسلامي من الممكن إيقاظه من سباته العميق، وانقاذه من كبوته.

كانت القضية الفكرية الرئيسية للإمام محمد عبده، هي قضية ضعف العالم الإسلامي وانحلاله من الداخل، وحاجته للإصلاح. كان يعتقد بأن رجال الأزهر لم يقوموا بواجبهم كما ينبغي لإيقاظ العالم الإسلامي من سباته العميق.

كتب في جريدة الأهرام عام 1876م يقول، بأن رجال الدين الإسلامي، وهم روح الأمة الإسلامية، فشلوا في إدراك فائدة العلوم الحديثة، وشغلوا أنفسهم بموضوعات لم يعد تناسب العصر الحديث.

يجب علينا نحن المسلمون، بجانب دراستنا للدين الإسلامي، دراسة الأديان الأخرى ودراسة التاريخ وحضارة الدول الأجنبية المتقدمة، لمعرفة سر تقدمهم. لأنه ليس هناك سبب آخر لثراء هذه الدول وقوتها، سوى تقدمها في العلوم والإدارة والتعليم. لذلك، وجابنا الأول هو العمل على نشر هذه العلوم في بلادنا بكل الوسائل.

كان الإمام يرفض فكرة قفل باب الإجتهاد، أو التقيد بفتاوي الإجماع. وكان يعتقد بإصرار أن من حق كل جيل العودة إلى مصادر الإسلام الأولى، القرآن الكريم وصحيح الحديث والسنة، وفهمهم في ضوء ظروف العصر الذي نعيش فيه. لأن كل عصر وكل جيل لديه مشاكلة الخاصة به.

خبرات وتجارب وعلوم ومشاكل كل جيل، تختلف عن مثيلاتها في الأجيال والأزمان السابقة. لكنه اشترط أن يكون الأساس في فهم مصادر الإسلام الأولى، هو العقل والمنطق.

بدون استخدام العقل والمنطق، يصبح من السهل التغرير بالمسلمين وخداعهم وقيادتهم في الإتجاه الخاطئ. وكتب يقول، أنه لو تعارض العرف مع العقل، فإننا نكون أمام أمرين:

إما أن نأخذ ونسلم بصحة العرف، ونعترف بعجزنا في فهم معناه ونترك الأمر لله. أو نقوم بإعادة تفسير العرف بما يتفق مع العقل والمنطق، وهذا أصلح وأجدى للمسلمين.

كان الإمام محمد عبده وطنيا شديد الحب لوطنه مصر. يعتقد، وكذلك باقي الشعب المصري في ذلك الوقت، أن حب الوطن من الإيمان. كانت كتاباته الأولى في جريدة الأهرام، عن أمجاد مصر القديمة.

كان يقول أن حب الوطن يدفعنا إلى الحفاظ على وحدته. هذه الوحدة لا تأتي إلا عن طريق المساواة في في الحقوق والواجبات لكل المواطنين، بغض النظر عن عقيدتهم.

كان يعتقد أيضا بأن المصلحة العامة تقضي الإستعانة بغير المسلمين إذا دعت الحاجة إلى ذلك. وكان يقول أن طاعة ولي الأمر التي ذكرها القرآن الكريم، تشمل طاعة ممثلي الأمة في المجالس النيابية والعلماء. ولا تعني قط طاعة الحاكم فقط.

في الساعة الخامسة مساء يوم 11 يوليو عام 1905م توفى الشيخ بالإسكندرية بعد معاناة من مرض السرطان عن سبع وخمسين سنة، ودفن بالقاهرة ورثاه العديد من الشعراء.

اهم مؤلفاته

رسالة التوحيد.
تحقيق وشرح "البصائر القصيرية للطوسي".
تحقيق وشرح "دلائل الإعجاز" و"أسرار البلاغة" للجرجاني.
الرد على هانوتو الفرنسي.
الإسلام والنصرانية بين العلم والمدنية (رد به على إرنست رينان سنة 1902م).
تقرير إصلاح المحاكم الشرعية سنة 1899م.
شرح نهج البلاغة للإمام علي بن أبي طالب
العروة الوثقى مع معلمه جمال الدين الأفغاني.
شرح مقامات بديع الزمان الهمذاني

من تلاميذه
محمد رشيد رضا
شاعر النيل حافظ إبراهيم الذي قال مرثيته راسما فيها صورة صادقة جياشة لشخصية العالم المخلص وقد أدار حافظ قصيدته على محاور تقوى الإمام وصبره على ما ابنلي به من أذى الحاقدين وموقفه التاريخي في دحض أباطيل المستشرقين وتفسيره للقران الكريم.
شيخ الأزهر محمد مصطفى المراغي
شيخ الأزهر مصطفى عبد الرازق
شيخ العروبة محمد محيي الدين عبد الحميد
سعد زغلول
قاسم أمين
محمد لطفي جمعة
طه حسين

مراجع

"تاريخ الاستاذ الإمام", للسيد محمد رشيد رضا (1/16)
الأعمال الكاملة، محمد عبده. ت. محمد عمارة بيروت 1972 المؤسسة العربية للدراسات والنشر ج(3) ص530.
انظر الكتاب القيم: حقائق عن التصوف، عبد القادر عيسى، حلب 1970 مطبعة البلاغة ص585.
دار الافتاء المصريه
الامام محمد عبده ( محمد زكريا توفيق )
ويكيبديا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئاسيات موريتانيا: ما هي حظوظ الرئيس في الفوز بولاية ثانية؟


.. ليبيا: خطوة إلى الوراء بعد اجتماع تونس الثلاثي المغاربي؟




.. تونس: ما دواعي قرار منع تغطية قضية أمن الدولة؟


.. بيرام الداه اعبيد: ترشّح الغزواني لرئاسيات موريتانيا -ترشّح




.. بعد هدوء استمر لأيام.. الحوثيون يعودون لاستهداف خطوط الملاحة