الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أنطولوجيا الحسين وميثولوجيا الخلاص

محمد سرتي

2015 / 10 / 19
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أنطولوجيا الحسين وميثولوجيا الخلاص
"يامعشر قريش: أطيعوني واجعلوها بي، وخلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه، فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم وعزه عزكم، وكنتم أسعد الناس به" هذا النص الذي أورده ابن هشام على لسان عتبة بن ربيعة أثبت من خلال توالي الأحداث مصداقيته في فضح حقيقة الإيمان القرشي: إيمان انتهازي استغلالي، وعقلية جاهلية تسيطر عليها النعرة القومية الجوفاء التي لا ترى في الدين سوى وسيلة للحصول على الملك والسلطة والتسيد على الآخرين (فملكه ملككم وعزه عزكم) تماماً كعقلية اليهود في تعاطيهم مع إله إسرائيل وآلهة الغوييم. وهم حتى اليوم عندما يحاولون التباهي نفاقاً بتوحيدهم الخالص لله؛ لا يلبث يفضحهم سلوكهم الوثني في تعاطيهم القبائلي أو القومي أو العنصري مع إيمانهم المزعوم، وكأن عقيدة التوحيد عندهم كانت تتمثل في تحطيم جميع الأصنام القبائلية عدا صنم قريش، لتتوحد القبائل حول عبادته كرمز لتسيد قريش على بقية العرب، أما الإيمان بالمبدأ ذاته فهو آخر أولوياتهم (قالت الأعراب آمنّا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا) (الأعراب أشد كفراً ونفاقاً) تلك هي الجاهلية الأولى التي جاءت رسالة الإسلام بداية لتحطيمها، فكان لزاماً على النبي كي يوضح حقيقة البعد الأممي لعقيدة التوحيد الإسلامي أن يبدأ بتحطيم صنم قريش قبل غيره، وهكذا فعل.
ولكن تحطيم النبي لكافة الأصنام بما فيها هبل يوم الفتح لم يكن كافياً –على ما يبدو- للتأكيد على حقيقة البعد التقدمي للرسالة المحمدية كما فهمها المؤمنون الأوائل، وكما فهمتها أيضاً القبائل والشعوب العربية حين أرسلت وفودها للدخول في الإسلام طائعة مختارة دون قتال. فلم يفهم العرب –أو معظمهم- تصرف النبي المتسامح جداً مع رؤوس الكفر القرشيين (الطلقاء) إلا كنوع من المحاباة القومية تجاه من كانوا يحسبون عليه أهلاً وعشيرة، لذلك بدأت حركات الردة مباشرة بعد الفتح، وقبل وفاة النبي، وقبل سقيفة بني ساعدة. ولذلك أيضاً أخذت جميع تلك الحركات بعداً قومياً متنكراً بلباس الدين لتوحي بأن العرب قد فهموا من تصرف النبي مع قريش يوم الفتح أن الإسلام قد تحول إلى دين قومي قرشي، أو أن الخبث القرشي قد تمكن أخيراً من اختطاف الإسلام وتجييره لصالح التسيد القرشي القومي على بقية العرب، فلجأت كل قومية –كردة فعل- إلى ابتكار دين خاص بها. فبينما كان يحاول كل من مسيلمة وسجاح إنشاء دين خاص بالقومية النجدية تندمج من خلاله كل من ربيعة نجد ومضرها ممثلتين في بني حنيفة وتميم؛ كان الأسود العنسي يستند في دعوته إلى إذكاء روح القومية الحميرية ضد كل من أعراب الحجاز وديالمة فارس (الأبناء). وما أشبه الليلة بالبارحة؛ فالحضارم اليوم يستندون في خيانتهم للثورة الحوثية المباركة على إذكاء روح القومية الجنوبية، بينما يستند الإخوان المتأسلمون على القومية الحميرية المتنكرة بلباس الدين، ليجد أنصار الله أنفسهم يقاتلون أسودين عنسيين: أسْود الجنوب وأسْود الشرق، مسنودين بطائرات حلف مسيلمة وسجاح (موزة) ولكن هذه المرة انضم إليهم سلاجقة روكسلانة (عفت) حتى قبل دخولهم الإسلام! يا أيها التاريخ ماذا تفعل؟
"أترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتذهبون أنتم برسول الله" كان واضحاً جداً للنبي بعد حنين أن حلف أعراب قريش وثقيف أصبحوا الآن وبالاً على الدعوة الإسلامية بل وخطراً يتهدد الرسالة المحمدية في جوهرها، فهم مجرد مرتزقة، لصوص، قطاع طرق، يبحثون فقط عن الشاة والبعير، وعن العزة القومية الوهمية التي تمكنهم من التسلط على رقاب الشعوب وأرزاقهم. وأنهم وجدوا في الإسلام ضالتهم المنشودة كدين قومي يستطيعون بواسطته تحقيق ما لم تتمكن سيوفهم من تحقيقه. هنا ظهرت العبقرية النبوية لتفضحهم، أو لتتركهم يفضحون أنفسهم بأنفسهم، حين قرر النبي الإقامة في المدينة ليرسل رسالة ضمنية إلى العرب ببراءته من أي انتماء قومي، وأن انتماءه الوحيد هو الإسلام، وأن وطنه الجغرافي لم يعد مكة بل المدينة، وأن أهله وقومه وعشيرته ليسوا قريشاً أنصار الشاة والبعير، بل الأوس والخزرج أنصار الإسلام. ولربما كان لهذا التصرف تحديداً أثره الأكبر في عودة اليمنيين السريعة إلى الإسلام والإطاحة بالأسود العنسي قبل مسيلمة وسجاح. وبالتالي استعاد الإسلام عمقه الاستراتيجي الحقيقي، أنصاره الحقيقيين الذين بفضلهم وبفضلهم فقط استطاع الإسلام استعادة ليس فقط ما خسره من أراضي الجزيرة؛ بل والانطلاق لتحرير بقية الأمم والشعوب المستضعفة والمستعبدة من قبل طغاة الساسانيين والبيزنطيين. تلك الشعوب التي بلغ بها اليأس من الحياة أن لجأت في مجملها لاعتناق المذاهب الغنوصية السلبية التي تدعو إلى التطرف في الزهد والتقشف بعد أن فقدت الأمل في الحصول على شيء من الكرامة والحرية في هذه الدنيا، فجاءت سواعد اليمنيين لتخلصهم من الذل وترفع عنهم نير الظلم والقهر والاستبداد، ولكن أعراب الشيطان أبوا أن يتركوهم يتذوقون طعم الكرامة طويلاً.
اليوم؛ تتجسد رسالة الحسين بأبهى صورها في ذلك الفتى الحوثي ذي الأربعة عشر ربيعاً، وهو يقف على جبل من جبال صعدة، في بقعة من الأرض لا تصل إليها وسائل المواصلات الاعتيادية، ليس فيها كهرباء أو طرق أو خدمات أو أي وسيلة من وسائل الرفاهية. ملابسه ممزقة. أقدامه شبه حافية. بلغت به النحافة أن التصقت بطنه بظهره من قلة الغذاء. ليس لديه دخل ثابت، فهو لا يعلم إذا ما تناول طعام غداءه أن يجد ما يأكله في العشاء. ولكنه يعلم يقيناً أن مهمته في هذه الدنيا تتلخص في تلك العبارة المطبوعة على جانب بندقيته: "الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام" ترى هل يستحق شعب كهذا أن نقصفه بالطائرات، أم أن نسجد لهم إكباراً وإجلالاً ونقبل الأرض التي تطؤها أقدامهم؟ إن لليمنيين في أعناقنا دين عظيم، في عنق كل واحد منا دون استثناء. فهم أرباب نعمتنا الحقيقيون، هم أبطال تحريرنا قبل أربعة عشر قرناً، وهم أبطال تحريرنا اليوم، حيث لازالوا يحملون على عواتقهم نفس الرسالة، رسالة الإسلام الحقيقية، رسالة الخمسة + واحد (سلمان منا آل البيت) رسالة النبي وآله وأنصارهم الحقيقيين: أن تربط على بطنك حجراً من الجوع، وتحمل على عاتقك مسئولية تحرير البشرية من الاستعباد والاستبداد والاستكبار العالمي.
إن من لايزال يرى في الثورة الحوثية بعداً قومياً أو عرقياً أو طائفياً أو حتى إقليمياً فهو أكثر من أعمى، فشعار الثورة لا علاقة له بالشاة والبعير، لا من قريب ولا من بعيد. إنه شعار الخلاص الكوني من رموز الاستكبار العالمي، الخلاص من أكبر عناوين إهانة الإنسان وتسليعه: أمريكا وإسرائيل، التي تنضوي تحتهما كافة العناوين الفرعية لإمبراطورية الشيطان في هذا الكوكب.
إن بشارة الخلاص التي يقدمها الحوثيون اليوم إلى البشرية هي نفسها التي جاء بها يسوع فأسيء فهمها، ثم جاء بها محمد وآله فلم يفهمها منهم سوى اليمنيين: إنها خلاص الإنسان ليس من الحياة؛ بل ممن سلبوه الأمل في الحياة. إنها فداء الإنسانية من خطيئة السقوط في مستنقع الأنانية والفردية والطبقية والعنصرية. إنها رسالة حمل مظلومية العالم والقتال في سبيل رفعها حتى الموت؛ أو حتى تمتليء الدنيا قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري


.. رحيل الأب الروحي لأسامة بن لادن وزعيم إخوان اليمن عبد المجيد




.. هل تتواصل الحركة الوطنية الشعبية الليبية مع سيف الإسلام القذ


.. المشهديّة | المقاومة الإسلامية في لبنان تضرب قوات الاحتلال ف




.. حكاية -المسجد الأم- الذي بناه مسلمون ومسيحيون عرب