الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحراك الشعبي في العراق أسبابه ونتائجه وحلوله

فلاح أمين الرهيمي

2015 / 10 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


يقول المفكر الكبير (كارل ماركس) : (إن التاريخ يعيد نفسه مرة على شكل تراجيدي (مأساوي) ومرة أخرى على شكل كوميدي (مهزلة). والآن بعدما يقارب قرن من الزمن تطبق تلك المقولة في العراق المذبوح وشعبه المستباح حينما قال الشاعر الكبير الراحل معروف الرصافي في وصفه لذلك العهد :
عـلـم ودسـتـور ومـجـلـس أمـة كل عن المعنى الصحيح محرف
والآن تطبق هذه الأوصاف في العهد الحالي. العلم العراقي مطرز عليه اسم الجلالة (الله أكبر) (ورأس الحكمة مخافة الله). إلا أن ما يؤسف له أن هذا العلم مرفوع على دوائر الفساد الإداري. والدستور العراقي تمت المصادقة عليه حسب القاعدة التوافقية (أرضيك وارضيني، أسكت عنك واسكت عني). أما مجلس الأمة الموقر الذي تحدينا مخاطر الإرهاب والبرد القارص وحر الصيف اللاهب من أجل الوصول إلى مراكز الانتخاب لكي نَضع بطاقة الفوز في صندوق الاقتراع. لم نمسك من وعودهم شيء ولم ينجزوا للشعب العراقي من مكاسب اللهم يشهد واذكر ذلك للتاريخ أنهم لم يتفقوا سوى على ثلاث : 1) رواتبهم ومخصصاتهم !! 2) الأراضي 3) السيارات المدرعة !!.
إن الذي حدث في العراق يشكل ظاهرة تكمن وراء ظهورها أسباب وعوامل وبما أن هذه الأسباب والعوامل تفرز سلبيات أو إيجابيات تشكل روافداً تصب في الظاهرة ومن ثم تخلق من تلك الظاهرة أما أن تكون إيجابية تصب في مصلحة الشعب وتؤدي إلى تقدمه وتطوره وسعادته أو تكون عكس ذلك ذات جانب سلبي حسب القاعدة التي تقول أن التأخر في إنجاز الإيجابيات يؤدي إلى إفراز السلبيات ويقول المفكر سلامة موسى (إن أي حركة اجتماعية إذا لم تسير إلى أمام وتحقق التقدم والتطور والسعادة للشعب ما هي إلا فتنة وشغب). إن الظاهرة العراقية الآن خلقت فجوة بين الدولة والشعب من خلال تراكماتها التي أدت إلى هذا الغضب الجماهيري الواسع. وحينما نستعرض تلك السنوات التي أدت إلى هذه الفجوة وفجرت الحراك الشعبي والتي استمرت ثلاثة عشر عاماً كانت فيها الجامعات والكليات يتخرج منها المئات من أصحاب الكفاءات وبدلاً من أن تستقبلهم المصانع والمعامل والمؤسسات والمشاريع الإنتاجية وتحقيق أحلامهم وآمالهم في الحياة الحرة الكريمة كانوا يجدون أمامهم مستنقع البطالة واليأس والإحباط وكان كثير منهم يقومون بأعمال ليس لها علاقة بدراستهم واختصاصهم مما دفع الكثير من أولياء الأمور إلى سحب أبنائهم من كراسي الدراسة ورميهم إلى العمل كعتالين أو بائعين لأكياس النايلون وكان الألم يجرح القلوب حينما نشاهد طفل لا يبلغ وزنه ثلاثين كيلو يدفع عربه تحمل أكثر من خمسين كيلو محملة بالبضائع وكم من الأطفال يتعرضون إلى الضرب والإهانة لأنه يصطدم ليس بقصد بالناس المتجولين في الأسواق وإنما من شدة الإرهاق والتعب من أجل توفير لقمة العيش وملء البطون الخاوية كما أدت ظاهرة البطالة إلى هجرة أكثر من أربعة ملايين عراقي أكثرهم من الخريجين أصحاب الشهادات وقد أدت مغامرتهم إلى الهجرة ابتلاع البحر الأبيض المتوسط المئات منهم غرقاً.
كان العراق يكتفي ذاتياً بالحبوب والفواكه والخضروات والإنتاج الحيواني والمنتجات الصناعية في العهود السابقة. إن هذه الظاهرة أفرزتها عملية احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة الأمريكية عام/ 2003 حينما جعلت الحدود العراقية منفلتة بدون حسيب أو رقيب لمن يدخل أو يخرج مفتوحة لمن هب ودب من البشر والسلع والبضائع حسب قاعدة (دعه يدخل ودعه يخرج) المعولمة وقد شجعت هذه العملية دول الجوار بتجفيف الأنهار أو قطعها عن الأراضي العراقية بواسطة السدود والعوارض مما أدى إلى تصحر الأرض وعدم صلاحية الأرض للزراعة وأصبح كثير من المزارعين يعتمدون على الآبار في سقي مزروعاتهم وقد أفرزت هذه الظاهرة ثلاثة جوانب :
1) خطر الأمن الغذائي حيث أصبح العراق يعتمد في غذائه والمنتجات الصناعية على دول الجوار وفي حالة إغلاق الحدود مع هذه الدول فإن شعب العراق يموت جوعاً.
2) أصبح العراق دولة ريعية يعتمد في وارداتها المالية على بيع البترول التي بها يشتري المواد الغذائية والمنتجات الحيوانية والزراعية والصناعية وقد أصبح الشعب العراقي شعباً استهلاكياً وليس إنتاجياً.
3) التضخم الكبير في أجهزة موظفي الدولة حيث كان عدد الموظفين في الدولة العراقية لا يتجاوز الـ (800 ألف) ثمانمائة ألف موظف أما الآن فإن أعدادهم تتجاوز (5,4 مليون) أربعة ملايين وخمسمائة ألف موظف أكثرهم من (الفضائيين) كما انتشرت في دوائر الدولة البطالة المقنعة.
كما انتشرت ظاهرة غسيل الأموال والرشوة وسرقة أموال الدولة والاحتيال كما برزت ظاهرة التفاوت الكبير في رواتب الموظفين في الدولة كما برزت بصورة غير طبيعية ظاهرة المحسوبية والمنسوبية في التعيينات الوظيفية والمناصب الكبيرة وكان كثير من المحسوبين طائفياً أو عرقياً أو مذهبياً ليس بمستوى المسؤولية علماً ومعرفة وكان كثير من هؤلاء يحملون شهادات مزورة لا تتناسب مع مناصبهم بينما تشاهد كثير من حملة الشهادات العلمية يعملون سائقي سيارة تكسي أو في أعمال لا تتناسب مع الشهادة التي حصل عليها، جميع هذه السلبيات شكلت مع مرور الوقت فجوة واسعة بين أبناء الشعب والسلطة التي كان من المفروض عليها أن تدرك تراكمات هذه السلبيات وتعالجها بشفافية وشعور بالمسؤولية، إلا أن إهمالها وعدم الاهتمام بها فجرت تلك المتراكمات وحولتها إلى حركة جماهيرية واسعة بدأت قبل أكثر من شهرين مطالبة الحكومة بالوفاء بوعودها في الإصلاح وتقديم الخدمات إلى الشعب ومكافحة الفساد الإداري ومحاكمة المفسدين والمقصرين والمسببين بوصول العراق إلى ما هو عليه الآن.
لقد بادر السيد علي السيستاني المرجع الديني الأعلى في العراق إلى وضع حلول وأفكار تعالج الأوضاع السائدة الآن في العراق التي أدت إلى هذا الحراك الجماهيري الواسع والتي أيدتها وساندتها جماهير واسعة من مختلف الطوائف والمذاهب وكانت هذه الحلول تقوم على تشكيل حكومة مدنية ذات كفاءة عالية ومقدرة تستطيع تجاوز المرحلة الحالية ومكافحة الفساد ومحاكمة المفسدين وتقديم الخدمات إلى الشعب.
من أجل تجاوز هذه المرحلة من تاريخ العراق أن تكون الحكومة لهذه الدولة من التكنوقراط وعناصرها من المستقلين عن الطائفية والشوفينية والفئوية مع ترسيخ النهج الديمقراطي واحترام إرادة الشعب وسيادة الوطن لأن طبيعة الشعب العراقي كالفسيفساء متعدد الطوائف والقوميات ولذلك فإن الوطن الذي يحتضن هذه الطوائف والقوميات يكون أكبر من الطائفة والقومية ولذلك فإن الدولة المدنية بسعة وحجم الوطن لا تميز بين فئة وأخرى لكي تكون محترمة ومطاعة ومحبوبة من كافة أبناء الشعب العراقي بمختلف طوائفه ومذاهبه. والديمقراطية من شأنها أن تفسح المجال والمساهمة لكافة جماهير الشعب الواسعة في اتخاذ القرارات الخاصة ومن خلال ممارسة الديمقراطية بشكل صحيح من الممكن اتخاذ القرارات المناسبة بخصوص نمط الإنتاج والاستهلاك وضمان فرص العمل والتشغيل للإنسان المناسب في المكان المناسب من كل حسب طاقته ولكل حسب عمله، وضمان الاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية وذلك من أجهزة تخطيط وإحصاء ومتابعة على صعيد جميع محافظات العراق من خلال طبيعة الإنتاج وتوفر الأيدي العاملة والفنية من أجل إقامة المشاريع الإنتاجية للقضاء على البطالة والعاطلين عن العمل ومن أجل الاكتفاء الذاتي صناعياً وزراعياً للشعب العراقي وعدم الاعتماد على توفير هذه المواد من خلال استيرادها من الدول الأخرى وذلك بالاستفادة واستغلال عوائد البترول والاعتماد على البدائل التكنولوجية التي تضمن الاعتماد على المواد الأولية المنتجة في كل محافظة من محافظات العراق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تنشر أسلحة إضافية تحسبا للهجوم على رفح الفلسطينية


.. مندوب إسرائيل بمجلس الأمن: بحث عضوية فلسطين الكاملة بالمجلس




.. إيران تحذر إسرائيل من استهداف المنشآت النووية وتؤكد أنها ستر


.. المنشآتُ النووية الإيرانية التي تعتبرها إسرائيل تهديدا وُجود




.. كأنه زلزال.. دمار كبير خلفه الاحتلال بعد انسحابه من مخيم الن