الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نظرة حول اسباب انتشار وباء الفساد الاداري

زاهر نصرت

2015 / 10 / 26
العولمة وتطورات العالم المعاصر


باتت ظاهرة الفساد الاداري اشبه بالوباء او المرض الخطير الذي يصيب عضواً في الجسم وما يلبث ان يصيب كافة اعضاء الجسم وتصبح عملية استئصاله شبه مستحيلة . وما الديمقراطية التي سعت الولايات المتحدة الامريكية بناءها في العراق التي ادت الى ترسيخ مفاهيم البيروقراطية وجعل القرارات انفرادية مما نتج عنها اثار سلبية متعددة تقف في مقدمتها غياب القواعد ونظم العمل الرسمي وهيمنة الاجتهادات الشخصية والمزاجية في انجاز الاعمال وفقدان الحكمة والرشد في اتخاذ القرارات والاستحواذ على جهود الاخرين وغياب التحديد الواضح لحقوق المواطنين التي تجلت اثاره في اضعاف الالتزام بالمسؤولية الاجتماعية وأخلاقيات العمل والوظيفة وانحراف المؤسسات عن تحقيق اهدافها والتشكيك بمصداقيتها الذي امتد لاحقاً ليصبح جزء من ثقافتها وها هي الان امست جزءاً من ثقافة المجتمع التي تم تبنيها على انها الحالة الصحيحة له وساهمت في تفشي ظاهرة الفساد الاداري .
ان العلاقة الجيدة المتبادلة بين مؤسسة ما والمواطنين المتعاملين معها تعد من اهم المؤشرات في نجاح هذه المؤسسة اذا ما بنيت تلك العلاقة على اساس الثقة والاحترام المتبادل الا ان ظاهرة الفساد الاداري التي تمثل سوء استعمال السلطة لأجل تحقيق مكاسب شخصية للعاملين بطريقة مخالفة للأنظمة والقوانين والمعايير القانونية والأخلاقية تقود الى عدم القدرة على بناء مثل هذه العلاقة ويمثل ذلك انحراف في الوصول الى اهداف المؤسسة وبالتالي عدم تحقيق اهداف الادارة العليا وسينعكس بشكل واضح على المواطن الذي يصعب عليه تحقيق اهدافه التي يرجوها من خلال تعامله مع المؤسسة الا بأساليب لا اخلاقية تفتقد الى الحكمة والشفافية .
لقد تعددت وجهات النظر حول تحديد مفهوم للفساد الاداري لكن التشخيص الافضل له يصب في اتجاهين ، الاول الاتجاه الاخلاقي حيث يعد الفساد سلوك منحرف عن القيم الاخلاقية والدينية يستهدف تحقيق منافع ذاتية بطريقة غير شرعية وبدون وجه حق وهذا نابع من القيم الاخلاقية للفرد نفسه اما الاتجاه الثاني فهو الوظيفي الذي يعتبر فيها الفساد ممارسة غير امينة للصلاحيات الممنوحة للموظف في الجهاز الاداري ويأخذ ثلاث اشكال :
1 – التسهيلات التي يمنحها بعض العاملين الى المواطنين المتعاملين مع المؤسسة لتقليص الجهد والوقت والكلفة عليهم على حساب حقوق الاخرين بالخدمة نفسها .
2 – منح الامتيازات لبعض المواطنين وحرمان البعض الاخر دون الاستناد الى اسس وقواعد موضوعية وقانونية .
3 – المخالفات القانونية التي يقوم بها الموظف في الجهاز الاداري بممارسات مخالفة للقانون ونصوصه من اجل الحصول على مكاسب شخصية بعيداً عن تحقيق المصلحة العامة .
ومن ذلك يتبين لنا وجود اسباب عديدة للفساد الاداري تختلف باختلاف المؤسسات والأفراد العاملين فيها التي يمكن من خلالها تحديد ثلاثة مجموعات رئيسية منها ، اسباب فردية التي تعزى الى طبيعة شخصية الفرد فالقيم الاخلاقية التي يحملها والتي اكتسبها من المجتمع الذي يعيش فيه من خلال العادات والتقاليد التي يتميز بها هذا المجتمع ، فالطمع وسواه من الامراض النفسية هي اسباب فردية بحتة غالباً ما يكتسبها الفرد من البيئة التي يعيش فيها وهذه بطبيعة الحال ستدفعه الى ارتكاب انحرافات معينة ، وهناك اسباب تنظيمية تكون المؤسسة نفسها هي السبب الرئيسي في تفشي ظاهرة الفساد من خلال دعم الادارة العليا لها التي تتمثل في رسم وتحديد الستراتيجيات والسياسات التي تخدم فئات معينة وأغراض شخصية لبعض العاملين وفي اتخاذ القرارات الغير داعمة لديمومة وبقاء المؤسسة وقد يكون هناك خلل في القوانين والأنظمة بحيث تكون داعمة لحالات الفساد او في اختيار العناصر القيادية الغير مناسبة للعمل القيادي ، واختيار الموظف واستخدامه خارج الضوابط التي تؤهله لمسؤوليته وكفاءته بالمقارنة مع العمل المسند اليه ودخول عنصر المحاباة من اجل قرابة او مصلحة مشتركة ونحو ذلك من الاسباب الخفية .
اضافة الى ذلك تعد الفرصة مهيأة امام الفرد لممارسة الفساد الاداري من خلال وجود العوامل البيئية التي تتمثل بأسباب اقتصادية فالنقص في مدخولات الافراد الى مستويات متدنية غير كافية للمعيشة من جراء عدم اهتمام الحكومة بالتشريعات الخاصة بهيكلية الاجور والرواتب وعدم تحقيق العدالة في توزيع الناتج القومي الاجمالي وتحقيق التوازن بين مستلزمات المعيشة ومستويات الاجور التي تؤدي الى زيادة ميول بعض الافراد الى تحقيق مدخولات اضافية من خلال طرق غير مشروعة والعمل بالفساد الاداري لتغطية تكاليف المعيشة ، كما ان حالات التضخم وارتفاع الاسعار هي اسباب اخرى تنعكس سلباً على مدخولات الافراد وتزيد من الاعباء المعاشية للفرد . ان انخفاض الاجور وارتفاع مستويات التضخم قد تكون ناجمة عن اتباع سياسات مالية خاطئة او انخفاض الناتج القومي الاجمالي من جراء انفاق الدولة على قطاعات غير منتجة او زيادة الانفاق العام بمستويات اعلى من المستويات الطبيعية او ان تكون موازنة الدولة غير صحيحة .
ومن الاسباب الاخرى هي اسباب اجتماعية التي يكمن فيها تأثير القيم الاجتماعية والأخلاقية والدينية للمجتمع ومدى تمسك الافراد وتأثرهم بها والقدرة على نقلها الى داخل المؤسسة التي يعملون بها ، فوجود الاطر الاخلاقية لسلوكيات الافراد في المجتمع ستكون بمثابة الموانع او المصدات ضد الانحراف او الانسياق نحو الفساد الاداري . اما اهم واخطر الاسباب التي تقود الى تفشي الفساد الاداري فهي الاسباب السياسية حيث تقود الى الولاءات الجزئية التي تحقق مصالح اقلية دون المصلحة العامة بالتأثير على القرارات الادارية من خلال الانتماءات السياسية وبالتالي سيشكل ذلك تكتل لتحقيق مصالح فئات معينة واستخدام او تشريع القوانين باتجاه مصالح هذه الفئات على حساب فئات اخرى ويعتمد ذلك على مقدار السلطة والقوة التي تتمتع بها هذه الفئات اذ لوحظ ان الفساد الاداري يزداد كلما تمتعت بعض هذه الفئات السياسية بالقوة والحرية على اتخاذ القرارات وأنها ستتخذ كل القرارات اللازمة التي تزيد من سلطتها وقوتها على حساب الفئات الاخرى والمصلحة العامة وسيشكل ذلك اخطر انواع الفساد .
خلاصة القول ان خطورة الفساد الاداري تزداد كلما كانت منتشرة في اعلى الهرم التنظيمي وستقل كلما وصلنا الى المستويات التنفيذية حيث ستكون قرارات الادارة الرشيدة والحكيمة بالمستويات العليا قادرة على تقويض مساحات الفساد وتعديل سلوك العاملين من خلال تغيير الخطط والستراتيجيات .



زاهر نصرت








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صواريخ إسرائيلية -تفتت إلى أشلاء- أفراد عائلة فلسطينية كاملة


.. دوي انفجارات في إيران: -ضبابية- في التفاصيل.. لماذا؟




.. دعوات للتهدئة بين طهران وتل أبيب وتحذيرات من اتساع رقعة الصر


.. سفارة أمريكا في إسرائيل تمنع موظفيها وأسرهم من السفر خارج تل




.. قوات الاحتلال تعتدي على فلسطيني عند حاجز قلنديا