الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خبر مرعب

عبد الرحيم التوراني
صحفي وكاتب

(Abderrahim Tourani)

2015 / 10 / 28
الادب والفن


صباحا، في شارع بليز باسكال (مولاي عبد الله حاليا) بالدار البيضاء، كان المارة يتجهون بخطى حثيثة إلى عملهم وأغراضهم، وكان هو يحاول الاقتراب من سيدة تتفرج على واجهات المحلات التجارية.
رجل خمسيني، أسمر البشرة، يرتدي بذلة رمادية، وربطة عنق حمراء، وجه عريض بشارب كث، وابتسامة بلهاء كشفت عن أسنان صفراء من إدمان التدخين.
أما هي فكانت تتأبط حقيبة يد متوسطة، باهتة اللون، وترتدي جلبابا دافئا، بدا ضيقا على جسمها المكتنز. طقس بارد، وسماء تنذر بالمطر.
اقترب منها ونطق:
- صباح الخير على الزين...
. التفتت إليه وابتسمت، علامة تشجيع حصل عليها ليتقدم في مسعاه
دخل إلى الموضوع مباشرة:
- عندك الشوفة زوينة.. تبارك الله..
اتسعت عيناها أكثر وردت مبتسمة:
- صحيح؟
- والله يا لغزال أنا معقول وما نعرفش نكذب، واش انتي ما عارفاش الزين اللي فيك...؟
والابتسامة تعلو محياها دائما ردت:
- أخويا الرجال ديال اليوم كلهم كذابين.
- إلا أنا .. .
قالها بقهقهة عالية.
مشى خطوة زائدة ليلتصق بها، كتفا لكتف، أصبحا يبدوان كزوجين أو على الأقل كشخصين يرافقان بعضهما في الشارع.
أخبرته بصوت خفيض:
- أنا راني مرات الراجل
- واشنو فيها.. أنا ما عنديش مشكل..
ضحكت من سذاجته، ضحك هو الآخر وعينه على عقد الذهب والخواتم في يديها.
سألها ما الذي أضحكها؟
سألته هي:
- لم تخبرني أولا هل أنت متزوج أم لا؟
سارع إلى الجواب:
- مطلق.. وحكايتي حكاية طويلة سأرويها لك ذات يوم.
ثم انتقل إلى سؤالها هل هي سعيدة مع رجلها؟
- لم تجبه، بل سألته عن عمله:
- ما قلتيش لي فاش كتخدم؟
- أنا...؟
- لا..
ثم أضافت :
- وأنا مع من كنتكلم؟
رد ضاحكا:
والله حتى دخلت لقلبي، أنت مرا ضحوكية واللي عاشرك ما يشيب..-
سوت خصلة شعرها البادية من تحت الفولار، وحدقت في وجهه، تبحث عن الحقيقة في كلمات الإطراء والتغزل التي تصدر منه.
عادت لتسأله عن عمله. رد وهو يتمتم، كأنه فوجئ بالسؤال:
أنا.. أأ.. أنا.. كنخدم في البيع والشراء..-
- البيع والشراء؟
إييه.. كنبيع.. كنبيع..ونشري في الزرابي....-
حدقت في هيأته من جديد، ثم سألته عن عنوان محل تجارته.
- لا .. أنا لست من كازا.. أنا هنا عطلة فقط، أنا من مكناس..وأنت بلا شك بيضاوية أو دكالية...
- أنا حريزية على بويا وجدي.. احنا من أولاد احريز.. أصل الناس لَحْْقَاقْ ديال كازا ...
- قلتها مع راسي مللي تلاقت عيني مع عينيك الواعرين، قلت هاد الزين ما يكون غير بيضاوي حر.. أنا كنموت على البيضاويات..اللي ما خذا بيضاوية حياتو ضايعة...
غيرت من مشيتها، صارت أكثر مرحا وتدللا. لمعت في رأسها خواطر جميلة. أما هو فدارت في رأسه فكرة أن صنارته نجحت وأمسكت بالسمكة..
مسح شاربه الأشيب الكث معتدا بنفسه وبمهارته وذكائه.
طلبت منه رقم هاتفه:
- خلّي لي نمرة التيلفون وخد نمرتي ونتشاوفو من بعد.. دابا قرّبت لباب الخدمة ديالي.. نتفارقو هنا...
- ولكن أنا غادي نسافر غدا
- خليها مرة أخرى إلى بغا الله..
- ما تقدريش اليوم؟
- ما يمكنش لي
- اتصلي بهم وقولي راك اصبحت عيانة مريضة..
- ما يمكنش
رب صدفة خير من ألف ميعاد... - أنا نخلص ليك سرتفيكا ديال الطبيب
- ضحكت. ووقفت جنب محل بائع الماكياج. تنظر إلى سلعته المعروضة وتفكر:
- اصبر.. نقدر نشوفك ما بين التناش والجوج.. واش عندك فين نمشيو..؟
اتسعت ابتسامته ذات الأسنان الصفراء، أشعل سيجارة ورد عليها:
- كاين أمولاتي الزين فين نمشيو.. غادي نبرعك.. زما يكون غير خاطر خاطرك..
- التناش وربع نلقاك حدا الصيدلية اللي في راس الزنقة اللي قدامنا.. صافي..
- صافي.
افترقا، كل ذهب من طريق. وكل واحد يفكر في الآخر..
في الموعد المحدد جاءت مسرعة للقائه، ولم يحضر هو. بقيت تمشي على رصيف الصيدلية حتى دنت الساعة من الواحدة زوالا.
دخلت إلى بوتيك التيلفون واتصلت به، استقبلتها العلبة الصوتية: "الرقم الذي تطلبونه غير موجود". وضعت السماعة بعنف وانصرفت تلعن في سرها الرجال وما يأتي منهم، أحست بالشماتة وبالغضب، وقفت تنظر إلى هيأتها المنعكسة على الواجهة الزجاجية لدكان لبيع الأحذية النسائية. أحنت رأسها تتفحص حذاءها القديم، ثم رفعت عينيها صوب المارة من الرجال، أحست بالغيرة من النساء المتأبطات أذرع رجال، فكرت في زوجها المعطوب من سنوات إثر حادثة سير، فكرت في حرمانها، رأت أن إخلاصها ليس في محله، قررت أن تتغير وتعيش حياتها وتنتقم لنفسها.
مرت أسابيع نسيت فيها حكاية بائع الزرابي، إلى أن طالعتها صورته على جريدة، إنه هو.. والعنوان المثير: "وأخيرا البوليس يضع حدا لغز جرائم قتل النساء المسنات.. إلقاء القبض على المجرم الخطير"..
أرعبها الخبروأذهلها بقوة، وأرعبها وأحزنها أكثر أنها امرأة مسنة. نطحت المرآة بعنف، سال نزيف دم على وجهها المزوق..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - الناقد الفني طارق الشناوي يحلل مسلسلات ونجوم رمضان


.. كل يوم - طارق الشناوي: أحمد مكي من أكثر الممثلين ثقافة ونجاح




.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي لـ خالد أبو بكر: مسلسل إمبراطور


.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي: أحمد العوضي كان داخل تحدي وأثب




.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي : جودر مسلسل عجبني جدًا وكنت بق