الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الربيع العربي أو التبعية بصيغة جديدة

محمد بوجنال

2015 / 10 / 31
مواضيع وابحاث سياسية



الثورة والثوار مفهومان تم العمل على تمييعهما بفعل شروط المرحلة التي توجد الغلبة فيها بشكل أحادي للنظام الرأسمالي للتخلص من معناهما السليم؛ وعليه فقد أصبحنا أمام ثورة مزورة وثوار مزورين أسندت لهم مهام تحريك وتسخين الشارع العربي لخلق شروط الإطاحة بالأنظمة العربية والإحلال محلها. هذا علما أن الأوائل، الثوار المزورون، عاشوا ودرسوا وتسلحوا بوصايا وإرشادات أسيادهم؛ والثاني، الأنظمة الحاكمة، بارك تعيينها وتنصيبها وقام بحمايتها الأب الرأسمالي شرط الاستجابة لمصالحه والمحافظة عليها. هكذا، ومنذ الوهلة الأولى، يبدو واضحا أن مصلحة الأب الرأسمالي والأمن الإسرائيلي مسألتان يؤكد الجانبان على احترامهما وحمايتهما. أما الاختلاف، فلا يتعدى مستوى التفضيل الذي تحدده مدي النجاعة ، خاصة منها الدبلوماسية في الحفاظ على مصالح الأب الرأسمالي والأمن الإسرائيلي وبالتالي ضمان تبعية الشعوب العربية. هذا الوضع، أي التبعية، تبنته وصادقت عليه الأنظمة الحاكمة العربية منذ الاستقلال، المتمثلة في تنفيذ القرارت الصادرة عن الأب الرأسمالي على مختلف المستويات المتعلقة خاصة بالاقتصاد بأساليب عدة معتمدة الغموض تارة والتحايل تارة أخرى والعنف تارة ثالثة والدبلوماسية تارة رابعة وأحيانا التركيب بين بعضها أو كلها؛ فهي قرارت منها ما تمت الموافقة عليها فوق الطاولة، ومنها ما وافقت عليها من تحت الطاولة. إلا أن الأنظمة الحاكمة تلك تمادت في ممارسة الاستبداد والفساد وإفقار الشعوب؛ بل وتميزت الأنظمة تلك بالضعف المتزايد من حيث التدبير والنظر السليم في اتخاذ القرارات التي أصبح يتصرف فيها لاعبون آخرون من خارجها أهمهم وسائل الإعلام خاصة منها الجزيرة والعربية والفضائيات الأنجلو- ساكسونية والفرنسية، وكذا شركات التواصل من قبيل الفيسبوك وغوغل وغيره. فمصدر المعلومة لم يبق الأنظمة تلك بقدر ما أنه تعداها وعرى مراوغاتها ومكرها؛ فاهتزت بذلك قيمتها وتأكد فشلها في تحقيق النمو والتنمية باعتبارهما أحد أسس مصادر الإنتاجية وارتفاع الأرباح لحصول سلامة وتوازن الاقتصاد السياسي الغربي أو قل التنمية التابعة؛ ومن جهة أخرى، أفقرت الأنظمة الحاكمة تلك شعوبها أكثر فأكثر إلى الدرجة التي أصبحت فيها شعوبا غير منتجة بفعل تفشي الأمية والأمراض الصحية والمستوى المعيشي المتدني وضعف خلق فرص العمل؛ هذا إضافة إلى ممارسة الاستبداد والتسلط والفساد. وضع الشعوب بهذه الشاكلة لا يهدد وجودها هي بالذات وحسب، بل وأساسا الاقتصاد السياسي للأب الرأسمالي. فهذا الوضع الذي أصبح يهدد الأب الرأسمالي والأمن الإسرائيلي أصبح يفرض التغيير لكن بالحفاظ ومن داخل نظام التبعية. لذا، فالتغيير أصبح عملية مسطرة في أجندة الأب الرأسمالي تنتظر تهيئ وتوفير شروط تنفيذها. ومن هنا تم تحريك وتفعيل دور المنظمات غير الحكومية بتكوين وتمويل من الأب الرأسمالي، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، لتكوين الشباب تحت شعارات تمويهية من قبيل التدخل الإنساني ومحاربة الأمية والفقر ونشر حقوق الإنسان...الخ. وفي هذه المرحلة بالذات عرف كتاب جين شارب:"من الدكتاتورية إلى الديمقراطية" انتشارا كبيرا، بل وتم التركيز عليه لما يحتويه من تصور وخطط دقيقة للتخلص من الاستبداد والدكتاتورية. هكذا، بدأ التحضير للحراك الذي تمت تسميته "بالربيع العربي". وبلغة أكثر دقة، تم الشروع في تنفيذ خطة نقل نظام التبعية من الأنظمة العربية الحاكمة والفاسدة إلى الأنظمة التي سيفرزها "الربيع العربي" . وعليه، فقد تم إسقاط أنظمة وحلت محلها أنظمة أو قل تغيرت أسماء لتحل محلها أسماء أخرى دون المس بطبيعة الأنظمة التي هي أنظمة ريعية تتميز بالتبعية للأب الرأسمالي والحفاظ على الأمن الإسرائيلي. لذلك، لم يطالب الربيع العربي برحيل لا الأب الرأسمالي ولا إسرائيل؛ بل أكثر من ذلك، فاللغة والشعارات المرفوعة كانت تقصد رحيل رؤساء دول لا رحيل الأنظمة. لذا، هل الشباب الذي قاد المسمى "بالربيع العربي" كان واعيا بمعنى اللغة المستعملة أم أن الاغتراب والتنفيذ كانا سيدا الموقف؟ ولا شك أن أرض الواقع تثبت ذلك ما دام مشكل الربيع ذاك مشكل أفراد لا مشكل تحرير الشعوب العربية من وحشية الأب الرأسمالي وغطرسة الدولة الإسرائيلية؛ بل وتميزت شعاراته بغياب وتغييب القضية الفلسطينية. هكذا، فمشكل العراق أصبح هو مشكل شخص صدام حسين، ومشكل ليبيا أصبح هو مشكل شخص القذافي ،ومشكل سوريا أصبح هو مشكل شخص بشار الأسد...الخ في الوقت الذي احترم فيه المسمى "الربيع العربي" الاقتصاد-السياسي الرأسمالي والاستعمار الإسرائيلي للأرض الفلسطينية والعربية.

الدرس الذي يجب استخلاصه هو فشل المسمى "الربيع العربي" في تحقيق التغيير في العالم ، اللهم التخلص من عامل الخوف؛ بمعنى أن الشعوب العربية انتقلت من نظام التبعية للأب الرأسمالي مرحلة الأنظمة الحاكمة العربية السابقة إلى نظام التبعية للأب الرأسمالي ذاك بصيغة جديدة ما بعد المسمى "بالربيع العربي". لقد قال مهدي عامل سابقا: في الفلسفة السياسية هناك الثابت وهناك المظهر؛ فلا يمكن كسر نظام التبعية للأب الرأسمالي إلا عندما يصبح المظهر هو هو السياسة. فهل تمكن المسمى "الربيع العربي" من الوعي بمعنى ربيعه/ خريفه الذي ليس سوى الانتقال إلى تبعية جديدة للأب الرأسمالي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل ساعدت كوريا الشمالية إيران بهجومها الأخير على إسرائيل؟ |


.. مسلسل يكشف كيفية تورط شاب إسباني في اعتداءات قطارات مدريد في




.. واشنطن تؤكد إرسال صواريخ -أتاكمس- بعيدة المدى لأوكرانيا


.. ماكرون يدعو إلى أوروبا مستقلة أمنيا ودبلوماسيا




.. من غزة| 6 أيام في حصار الشفاء