الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يوميات التحكيم من لندن .. ردا على تخرصات - سليم - الحسنى .... (( اليوم الثامن ))

محمود جابر

2015 / 11 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


- من صنع الأساطير المُؤسسة للحزب؟

قبل أن أبدا حلقة اليوم أود أن أرسل التحية والشكر الغامر لكل اصدقائى الذين مدوا يد العون لى فى هذه السلسة وأكثرهم رفض أن اذكره بكلمة وجميعهم قد آثر الحقيقة على الشهرة والسمعة وكان لهم حق على أن افتتح بشكرهم هذه الحلقة .....
وعوداً على بدء .... فإن السيد الصدر الأول كان يبحث عن فكرة وآلية تمكنه من فرض فكرة الإسلام وتطبيقها ولكن حين وصل الأمر الى الفعل رفض السيد محسن الحكيم، وعليه فقد انصرف الصدر للبحث والكتابة ولم يعد مرة آخرى .
وقد كانت للحكيم سلطة روحية طاغية وكلمة مسموعة ونفوذ كبير في أوساط المجتمع، ومن باب أولى في صفوف المتدينين، لهذا فإن ما يقال للسيد محمد باقر الصدر سيلزم غيره حتما ولا يمكن الخروج عليه. وحتى بعد وفاة الحكيم وتصدر السيد الخوئي سدة المرجعية، وهو الأستاذ الأثير للسيد محمد باقر الصدر، فإن الخوئي كان يرى بأن مسؤولية رجل الدين لا تتعدى حدود القدر المتعارف عليه من "الحسبة" - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- والذي يتراجع عنده إلى أضيق الحدود.
من هنا فإن استاذ الصدر كان لا يرى التدخل في الشأن السياسي العام، وأثر السيد الخوئي في تلامذته كان بينا واضحا قبل التحول الكبير والحاسم في رؤية الشهيد الصدر لمثل هذه الأمور بعد النجاح الباهر للثورة الإيرانية.
وبعد أن سحبت سلطة عبد الكريم قاسم رخصة حزب الإخوان – الحزب الإسلامى الجمهورى – وزاد عليه انسحاب زعيمه محمد محمود الصواف الذى فر من العراق لاجئا للسعودية، أخذ الحزب فى الاضمحلال والتلاشى، وربما إنعكاسا للصراع الدائر في مصر بين حزب الإخوان والقيادة الناصرية في منتصف الستينيات، والعلاقة الوثيقة بين جمال عبد الناصر ونظيره عبد السلام محمد عارف وصعود نجم التيار القومي الناصري في العراق، فإن الحزب لم يستعد نشاطه بعد ذلك حتى أوائل التسعينيات من القرن الماضي، وفي تلك الفترة من غياب حزب الإخوان عن ساحة العمل السياسي حوالي منتصف الستينيات، لم تبرز قوة سياسية إسلامية شيعية، وإنما كان للعمل الإسلامي الذي لم يكن مشهورا بهذا التصنيف في ذلك الحين، جناحان أحدهما يتمثل بجماعة علماء بغداد التي تشكلت إثر إنتقال نجل المرجع السيد مهدي الحكيم ومجموعة من ثقاة وكلائه وفضلاء الحوزة إلى بغداد، لإدارة حركة المرجعية في مركز الحكم لأجل إستخلاص - ما يعتقد أنه- الحقوق المهضومة للشيعة، والآخر تمثل في نشاط حزب جديد في العراق اسمه حزب التحرير الإسلامي، وهو حزب أسسه فلسطيني يدعى تقي الدين النبهاني قبل ذلك الحين بعشر سنوات في القدس، وكانت تابعة للأردن فى حينها، ويدعو الحزب إلى إعادة الخلافة الإسلامية، كما أنه يتيح للشيعة الإنضواء في صفوفه خلافا لحزب الإخوان المسلمين.
ومن المصادفات أن هذا الحزب إنتشر في العراق على يد رجل دين سني قريب من مرجعية السيد محسن الحكيم ومتعاطف مع الشيعة إلى حد أنه يتهم بالتشيع اسمه الشيخ عبد العزيزالبدري، وكان له كتاب مشهور اسمه "حكم الإشتراكية في الإسلام" ألفه عقب إطلاق عبد السلام عارف ما عرف وقتها بـ " القرارات الاشتراكية " محاكاة للتجربة المصرية الناصرية، واستقطب ذاك الحزب الشباب المتدين في الساحة الشيعية وبقي ناشطا في الساحة العراقية حتى قيام سلطة البعث العام 68 حيث اعتقل البدري وعذب حتى الموت ورميت جثته على باب داره لينتهي الحزب ودوره منذ ذلك الحين.
أما جماعة علماء بغداد فقدت تلقط هى الأخرى ضربة على يد سلطة البعث، حيث وجهت اتهامات للسيد مهدي الحكيم، أبرز وجوه الجماعة وقائدها الفعلي، بالتجسس لصالح المخابرات الأميريكية والإيرانية مرفقة بحملة إعتقال لمن كان ينشط حوله من شخصيات الشيعة المدنية، ليختف بعد ذلك ويهاجر إلى خارج العراق حيث قتل هو الآخر في الخرطوم العام 1988 و ضاع دمه في مساومات ما بعد الإحتلال وطويت صفحة قتله.
لم يعرف العراق في العهد الجمهوري، منذ بدايته وحتى عودة البعث إلى السلطة بعد إنقلابه الثاني، سلطة مركزية ذات توجهات شمولية تمارس القمع على نطاق واسع. وحتى سلطة البعث الأولى لم تكد ترسخ أقدامها حتى فوجئت بمن يقضي عليها. كان هنالك دوما هامش يتيح القدرة على التحرك، وهناك أمثلة عديدة عن حصانة المؤسسة الدينية وإمتداداتها بشكل خاص طيلة تلك الفترة، حيث كانت السلطة الروحية للعمامة تفرض هيبتها.
ومع أن أزمات سياسية عدة حصلت بين سلطة بغداد ومرجعية النجف، ولكنها لم تكن أزمات كسر العظم، حيث كانت الحكومة العراقية، على إختلاف قادته، تسعى إلى مد جسور الود وتصفية خلافاتها مع المرجعية. ومع أن جماعة علماء بغداد كانت تنشط في العاصمة وتحاول جمع شخصيات الشيعة ووجهاء الطائفة حول مشروعها السياسي، فإن غض الطرف توسع على عهد عبد الرحمن عارف في سياق روح التسامح التي سادت آنذاك في مواجهة القوى السياسية والإجتماعية المختلفة، وكانت تلك الأوضاع تشكل فرصة فريدة لنشاط سياسي سيلقى تسامحا، ولو نسبيا، كما هو حال النشاطات السياسية التي شهدتها تلك الفترة، فكيف والحال حينما تكون عباءة المرجعية هي الغطاء وعمامتها هي السند؟ فهل شهدت تلك الفترة أي نشاط ومن أي نوع لجهة سياسية اسمها "حزب الدعوة الإسلامية"؟
هنا ستكثر الإدعاءآت والروايات ولكن دون دليل موثوق، والأهم من ذلك دون وثائق تشير ولو بطرف خفي لمثل ذلك الوجود، ومع أنه قد ذاع في الأوساط الشعبية في توصيف تحرك جماعة علماء بغداد على أنه يمثل حزبا شيعيا اسمه "الحزب الفاطمي"، فإن تلك التسمية ومدلولاتها كانت شائعة، وحسب، لم تؤخذ لاحقا كحقيقة تستحق البحث والنقاش.
وسنجد فيما بعد كيف أن أحداثا كبرى حصلت في العراق والمنطقة العربية والعالم الإسلامي، بل وحتى على مستوى الحركة الإسلامية في جانبها الشيعي، لكن أيا منها لم يكن ليحفز الحزب لإتخاذ موقف أو إبداء رأي، وكل التحركات التي شهدتها الساحة العراقية بدءا من جماعة العلماء وإنتهاء بجماعة علماء بغداد مرورا بالمواقف والنشاطات التي ارتبطت بالمرجعية الشيعية، لا تصلح لأن تكون مقدمات لنشوء هذا الحزب أو يكون هو إمتداد لها، لأنها كانت من طبيعة مختلفة ولغايات أخرى أكبر من أن تنحصر بحزب ونشاطاته وقراراته.
وإذ تسجل الأحداث الكبرى التي شهدتها هذه الساحات غيابا تاما ومطلقا لاسم حزب (( الدعوة))، فهل كان الحزب يمثل خلايا نائمة كليا مع أن الأسباب والظروف الموضوعية تقتضي النهضة وتهيئ لظروف عمل حزبي آمن، أم أن الحزب لم يكن موجودا أصلا كما تشير المؤشرات الدامغة؟!!
إن أي كاتب لسيناريو ومهما بلغت إمكاناته التصورية وقدرته على الخيال لن يستطيع أن يخترع تاريخا لحركة سياسية لم تكن موجودة، في وقت كان العراق يموج بالقوى والأحزاب والصراعات السياسية والحركة الفكرية وسجالاتها، ويشهد أحداثا جساما ذهب ضحيتها الكثيرون من أبنائه المنقسمين خلال الستة عقود تقريبا هي التاريخ الإفتراضي لحزب الدعوة الإسلامية. ولكن أكثر من نصف هذا التاريخ كان يشهد غيابا ملموسا لهذا الحزب في حلبة العمل السياسي العلني والتنظيم الحزبي السري، خاصة وأن ذلك التاريخ زاخر بالمشاهد الحاضرة إلى اليوم، بقسوتها ودرجة إتساعها وآثارها بحيث لا يمكن للفرد العراقي أن يقف متفرجا عليها، حياديا في الموقف منها، فكيف بحزب يفترض أنه يسعى إلى إقامة نظام بديل عن الأنظمة القائمة بمختلف توجهاتها ورغم إختلافاتها لأنه يرى ككل القوى الدينية أن ((الإسلام هو الحل)).
وقد نرى كثيرين يرددون ما هو شائع وسائد دون تدقيق وتمحيص، ولكن أسئلة عميقة تفرض حضورها ولا تجد أي إجابة، بل لن نتردد في القول بأنها لن تجد أي إجابة إلا من خلال تلفيق التاريخ وإصطناع أحداث غير موجودة، وسنسمع كثيرين يعلنون بأن أحداثا كبرى في العراق ومن بينها إنقلاب البعث الثاني عام 1968 الذي أعاد الحزب إلى السلطة كان سببه فورة إسلامية مفترضة في المجتمع، إستفزت أولياء أمور الشأن السياسي العراقي فدبروا الإنقلاب ليقطعوا الطريق أمام البديل الإسلامي الصاعد.
ولكنه من المفارقات الطريفة في هذا الصدد أن حزب البعث نفسه وبعد إعتلائه سدة الحكم قدم في جريدته الحزبية المركزية "الثورة العربية" في أعدادها الأولى جردة تفصيلية بمختلف القوى السياسية التي تعمل في الميدان السياسي العراقي، بما في ذلك الصغيرة والهامشية منها والتي لا تحمل سوى عنوان لحركة تتجمع فيها بعض الشخصيات، لغاية تعريف منتسبيه بمفردات الوضع السياسي العراقي، إنما ليس في ذلك التفصيل الدقيق أي ذكر لحزب الدعوة الإسلامية ولا حتى بإشارة عامة، مع أن الأخير زعم لنفسه بعد أكثر من عقد من الزمن بأن مجيء البعث إلى السلطة كان خوفا من قوته وحضوره بين الجماهير المؤمنة.

الغريب والعجيب، والذى يثير حفيظة الباحث هو مرور مناسبات مهمة وأحداث جثام مر بها الوضع السياسي داخليا وإقليميا ودوليا، وحتى في الأوساط الشيعية التي من المفترض أن تشكل بيئة الحزب، ولم يكن للحزب فيها وجود حتى على مستوى الرأي والموقف او البيان.
ثم نعيد ونكرر السؤال من صنع الاساطير المؤسسة للحزب؟
وللحديث بقية ... والسلام








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. واشنطن تفرض عقوبات جديدة على طهران بعد الهجوم الإيراني الأخي


.. مصادر : إسرائيل نفذت ضربة محدودة في إيران |#عاجل




.. مسؤول أمريكي للجزيرة : نحن على علم بأنباء عن توجيه إسرائيل ض


.. شركة المطارات والملاحة الجوية الإيرانية: تعليق الرحلات الجوي




.. التلفزيون الإيراني: الدفاع الجوي يستهدف عدة مسيرات مجهولة في