الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عندما تقوم بعض أطراف المعارضة السورية بتعرية ذاتها

عماد يوسف

2005 / 10 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


يتلاقى الموروث التاريخي الديني ، والنزعة الإقصائية والوصائية الفوقية التي تتحلى بها أطراف كثيرة في المعارضة السورية، مع النتاج السياسي الذي طرحته الأحزاب الشمولية وعلى رأسها حزب البعث في السلطة، مع فارق كبير، بأن حزب البعث في السلطة طرح الكثير من مفاهيمه تحت راية النظام الاشتراكي الذي تبنى مشاريع اجتماعية واقتصادية في تحقيق العدالة الاجتماعية للجماهير والتي سوغت المبررات لدكتاتورية هذه الأنظمة القمعية، بينما تأتي المشاريع الأخرى برؤيا ديمقراطية مبطّنـة، تحمل بين طياتها إرثاً مزدوجاً من الرؤية الاسلاموية الشمولية التي لا يستطيعون الانسلاخ عنها، لتزاوجها مع منظور ليبرالي ضيق للنظام السياسي الحديث، فنكتشف بأننا أمام مولود مستقبلي هجين التكوين،هلامي البنية، يقود البلاد إلى حمل المزيد من التناقضات التي تجاوزتها الأنظمة اليسارية الشمولية نفسها، كحال حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق وسوريا ! وحتى لانترك الفرصة للإصطياد في الماء العكر للبعض، فإننا نوضح هنا بأن المقصود هو الفكر النظري لهذه الأنظمة التي بنت عليها مشروعها، وليس عن تطبيقاتها وممارساتها التي ألغت لاحقاً كل ما بنته خلال سنوات حكمها الطويلة .
يمكن قول الكثير حول إعلان دمشق، توقيته وتاريخه، و الحملة الإعلامية الكبيرة التي رافقته، والذي أتى في أشد لحظات التوتر الداخلي والاقليمي الذي يتجلى بنتائج تقرير المحقق الألماني ميليس، مما يدعونا إلى التساؤل حول هذا التوقيت، وأغراضه، والسبب الذي حدا بمرشد الإخوان المسلمين السيد علي صدر الدين البيانوني إلى مباركته، والتسويق له ليكون برناج المرحلة، في الوقت الذي تغطي فيه الضبابية الكثير من الوضع السياسي السوري الداخلي و الإقليمي ، حيث يعجز كبار جهابذة السياسة عن تقديم قراءة تصورية لواقع الحال القادم في سوريا، يعود هذا إلى حجم التناقضات الهائل الذي تحمله المرحلة القادمة في المنطقة، وإلى حجم الصراع الكبير الذي يدور في أتون المصالح الإقليمية والدولية لكل أطراف النزاع، ولكن يبدو أن التجمع الوطني الديمقراطي وحلفاءه المتضامنين قد قرأوا ما يبشر بتغيير ما، كالذي ذكروه في الإعلان من أن التغيير قد بدأ، دون علم أو دراية الكثير من أطياف المعارضة السورية الذين فوجئوا بالإعلان بعد أن سمعوه في المحطات التلفزيونية وشاشات الأنترنت .
نستوحي من هذا الإعلان الكثير من النقاط التي تحتاج إلى توضيح وشرح مفصل، يبتعد عن العمومية والضبابية، والنص الذي يحمل الكثير من الأوجه ويترك الباب مفتوحاً للكثير من الاجتهادات المستقبلية التي صيغ على أساسها الإعلان، ففي الوقت الذي يؤكد فيه البيان على ذكر المكون الإسلامي بأنه دين الأكثرية مع الحرص الشديد على احترام عقائد الآخرين وثقافتهم وخصوصيتهم أياً كانت إنتماءاتهم الدينية والمذهبية والفكرية، في الوقت ذاته، يقوم بالاعتراف بنسيج مجتمعي سوري مغاير، وله الحق في الوجود واحترام خصوصيته، ولكن بعد التأكيد على أن الإسلام هو دين الأكثرية والمكون الثقافي الرئيسي في الدولة، مما يطرح مغالطة كبيرة تحتاج تحليل وترجمة لمعنى هذا الاحترام وآليته، وتفسير مصطلح الحرص الشديد الذي يطرحه موقعوا البيان، فليس هناك في السياسة مصطلحاً يطرح مفهوم الحرص الشديد، فما هي ضمانات هذا الحرص الشديد، وكيف يتآلف مع الدين الاسلامي الذي هو دين الأكثرية والمكون الثقافي الرئيسي، أي أن الأقليات غير الإسلامية لا يجب أن يتعارض مشروعها وحراكها مع المكون الثقافي والإسلامي الرئيسي لنظام الدولة الذي يطرحونه بصيغة سياسية تبتعد عن العلمانية ومفهوم الدولة الحديثة التي يتحدث عنها الإعلان والذي يقوم نظامه السياسي المطروح على العقد الاجتماعي الجديد ! وهذا يحمل مغالطات فكرية كبيرة، فالعقد الاجتماعي الذي أتى به مونتسكيو يشكل جوهر ومفهوم المجتمع المدني، الذي يتبنى المفهوم العلماني لنظام الدولة الحديثة، ولا يقرّ إلاً بمفهوم المواطنة ضمن المعايير التي أنتجها عصر الحداثة في أوروبا، فإذا كان الإعلان يقرّ بأن الإسلام هو دين الأكثرية والمكون الثقافي الرئيسي، فكان يجب أن يقرّ بمفهوم الشورى في الإسلام على مبدأ " وأمرهم شورى بينهم "، وهنا يمكن التأكيد بأن المكون الإسلامي سيحظى بأغلبية الأصوات في الشورى، أما التداخل في المفاهيم الفكرية الذي أتى به الإعلان فليس أقل من أن يقال فيه، بأنه يأتي من تداخل موروثات وتيارات فكرية وثقافية ودينية متباينة المشارب والانتماءات شكلت خليطاً غير متجانس الرؤيا ولم يتم الاتفاق على مشتركات من المفترض أن تشكل منهجاً موحداً لطرح مشروع تغيير ديمقراطي من هذا النوع، ففي الوقت الذي يؤكد فيه الإعلان على ضمان حق العمل السياسي لجميع مكونات الشعب السوري الدينية والاجتماعية والقومية، ينادي بالمجتمع المدني وتنشيطه دون التطرق إلى الصيغة التي يرون فيها مفهومهم ورؤيتهم للمجتمع المدني المنشود، ولماذا يجب تنشيط المجتمع المدني؟ فإذا كان المكون الاجتماعي الذي يضم الطوائف والفئات المتعددة في سوريا لها الحق في العمل السياسي، فنحن ننادي هنا بمجتمع ما قبل وطني مبني على البنى الأهلية والعشائرية والطائفية، وربما يتمثل " الأخوة " ( كما استخدموا في إعلانهم في دعوة الناس إلى مباركة و تأييد هذا الإعلان، علماً أنه ليس هناك في السياسة مفردة تعني الأخوة، إلاً عند الإخوان المسلمين والتيارات الدينية المتشددة ) التجربة العراقية التي أستهوت الموقعين على البيان، من هنا جاء استخدام العبارة التالية؛ التأكيد على إنتماء سوريا إلى المنظومة العربية، وإقامة أوثق علاقات التعاون معها، فهذا التعبير استخدم في الدستور العراقي، ليؤكد بأن العراق تربطه صلة بالمنظومة العربية، والخوف أن يكون المشروع القادم هو نموذج عراقي بشرط سوري داخلي تتبناه بعض القوى التي تشكل الأكثرية السنية في سوريا، كما شكلت الأكثرية الشيعية في العراق دولتها ودستورها الذي يتفق مع مصالحها وتاريخها، أما الأقليات فتندرج تحت مصطلح الحرص الشديد على احترام عقائدهم وانتماءاتهم، وربما يتحولون إلى ذميين في نظام الدولة المنشود الذي يطرح مشروعاً ديمقراطياً لا يستند على الشرط السياسي المطلوب والناجز لمفهوم الديمقراطية الشاملة، وخصوصاً في طريقة الطرح التي يتبناها الإعلان، فبعد إعلانه أن التغيير قد بدأ فعلاً، ويطرح مطالب عديدة في شكل هذا التغييير ومضمونه، يعود ليطالب بفتح حوار وطني شامل لكل مكونات الشعب السوري ، هذا الحوار مطروح كما يراه الموقعون على الإعلان ، لا كما يجب أن يكون تحت شرط العمل السياسي الصحيح والناجز، ومن ثم عقد مؤتمر وطني تشارك فيه جميع القوى الطامحة إلى التغيير، بالإستناد إلى التوافقات الواردة في الإعلان، وهذا يعني بأن كل من لا يوافق على هذا الإعلان غير معني بهذا المؤتمر، وأكثر من ذلك هو غير مدعو إلى المشاركة فيه، أو حتى له الحق في طرح وجهة نظر مغايرة، فتتجلى بذلك النزعة الإقصائية الكبيرة لدى موقعي هذا البيان، الذي استثنى الكثير من الفعاليات السياسية في سوريا، ونضيف هنا بأنه لم يتم دعوة الكثير من الفعاليات للمشاركة في صياغة هذا الإعلان، هذا بالإضافة إلى غياب كلّي للشخصيات السياسية المعارضة التي تنتمي إلى الأقليات الدينية والطائفية في سوريا، مع غياب واضح وكامل للتيار اليساري الماركسي ، وهو التيار الحاضر بقوة في الحياة السياسية السورية، ولا يمكن إغفاله، أو تهميشه في مشروع يتبنى عملية تغيير كاملة في سوريا ذات الخصوصية السياسية والاجتماعية شديدة الحساسية . هل يعني هذا بأن هناك استقطابات وتوافقات مع تيارات خارجية، كالإخوان المسلمين مثلاً، أم أن الأمر يذهب أبعد من ذلك ليلتقي مع مشاريع قادمة تشكل وجهاً آخر لعراق جديد..؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصف إسرائيلي على مركز رادارات في سوريا قبيل الهجوم على مدينة


.. لماذا تحتل #أصفهان مكانة بارزة في الاستراتيجية العسكرية الإي




.. بعد -ضربة أصفهان-.. مطالب دولية بالتهدئة وأسلحة أميركية جديد


.. الدوحة تضيق بحماس.. هل تحزم الحركة حقائبها؟




.. قائد القوات الإيرانية في أصفهان: مستعدون للتصدي لأي محاولة ل