الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إضاءات حول المانيفيستو الشيوعي اليوم 1

سعيد زارا

2015 / 11 / 4
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية





إن أهمية المانيفيستو الشيوعي اليوم تكمن في تشخيص الفوضى العالمية التي عقبت انهيار المشروع اللينيني بعد الغاء الخطة الخماسية الخامسة و التخلي عن دولة دكتاتورية البروليتاريا التي قادها البولشفي العظيم ستالين, وتاليا انهيار الرأسمالية بعد إن فصلت بضائعها عن مراكزها و عن الذهب , تشخيصا علميا و إضاءة ماركسية ضروريتان لكل عمل شيوعي اليوم. لذلك اعتبر نقاش المانيفيستو الشيوعي اليوم نقاشا موضوعيا هو الطريق إلى العناية و حسن استعمال البوصلة الماركسية اليوم , فهي أداتنا الوحيدة للاهتداء إلى النجمة الحمراء.

من الصعوبات التي تعيق فهم المانيفيستو الشيوعي اليوم هو طبيعة النقود في النظام الرأسمالي, و كيف يمكن ان تزاح القيمة من البضاعة إلى "النقود" عبر اعلان رامبوييه, لذلك رايت من خلال هذه الاضاءة البسيطة تسليط المزيد من الضوء على النقد في النظام الرأسمالي كوحدة لضدين, مضمون واقعي معدني و مضمون اسمي ورقي. الأول يسعى دائما إلى البقاء لصيقا بالبضائع خازنا للعمل البشري معايرا لكل القيم و الثاني يتجرد منفصلا عن البضائع شبه فارغ من العمل البشري رامزا لكل القيم. إن الفصل بين المضمونين المعدني و الورقي أو بالأحرى بين الضدين هو فصل إجرائي و ليس فصلا نهائيا, فصل إجرائي استدعاه النشاط الموسع و المتسارع للدورة الحيوية الرأسمالية نقد-بضاعة-نقد فيها يزيح الورق الذهب دون أن ينفيه, فصل إجرائي اقتضاه انفصال عمليات البيع و الشراء و الأخطار الناجمة عن نقل المعدن النفيس و فيها أيضا يزيح الورق الذهب دون أن ينفيه, و ليس فصلا نهائيا ينفي فيه الورق الذهب. فلما كان للنقد الورقي بمرساته الذهبية دور هام في نمو الرأسمالية إلى أن تبلغ مرحلة النضوج ثم الامبريالية عبر تسهيل اتساع الدورة الحيوية للإنتاج الرأسمالي عبر الإنتاج الكثيف للبضائع , فقد كان له دور هام أيضا في انسداد دورة الإنتاج الرأسمالي بعد أن نضجت و بلغت مرحلة الامبريالية في سبعينات القرن الماضي عندما تحرر من مرساته و أصبح يطفو في بحر الديون .

و لفهم ما تقدم أجدني مضطرا إلى التفاتة مقتضبة إلى ظروف و تاريخ نشأة الأوراق النقدية, التفاتة قد تساعدنا في فك لغز انهيار الرأسمالية الذي يرفضه رفاقنا.

فقد ارتبط نشوء الأوراق النقدية بتطور وظيفة البنوك بالفهم الحديث مع نشوء الرأسمالية الصاعدة حيث كانت حاجة الرأسمال التجاري إلى النقود الورقية ملحة من اجل توسيع نشاطه التجاري. فقد تطورت وظيفة الصيرفي من مؤسسة حراسة ائتمنها التجار و العامة على معادنهم النادرة و النفيسة إلى وظيفة صرف النقود المختلفة في البلاد المعينة و في ارويا , بذلك وفر على التجار عناء و أخطار نقل المعادن النفيسة من اجل توسيع عملياتهم التجارية عبر إصدار وصولات على الودائع أو شهادات الإيداع قابلة للتظهير أو في حالات متقدمة مسجل عليها المبلغ لحامله.

إن إصدار وصولات على الودائع أو شهادات الإيداع القابلة للتظهير كانت البدايات الأولى للأوراق النقدية. فكان بنك أمستردام المؤسس سنة 1609 و بنك ستوكهولم المؤسس سنة 1658 انعكاسا لتطور وظيفة الصيرفي التي فرضتها ميكانيزمات تطور الرأسمالية الناشئة. يسجل التاريخ أن الصينيين هم أول من استعمل الأوراق النقدية.

وثق التجار و العامة بالبنكي الجديد الذي كان يسلمهم وصلا أو شهادة إيداع تحمل قيمة الوديعة التي ائتمن عليها من طرفهم, وكانت تلك الوصولات و الشهادات بمثابة أوراق تجارية . حرص البنكي على أن تكون القيمة الاسمية لمجموع الوصولات أو الأوراق النقدية ترمز إلى قيمة المعادن النفيسة و هي البضائع النقدية بدون منازع و التي كان يحرسها في صناديقه. فكانت الوعود بالقروض التي كان يعقدها مع زبنائه تنبثق من مرساتها الحقيقية و هي البضائع النقدية المودعة في خزائنه, وهو أمر سليم للشريان الرأسمالي أي أن الودائع تخلق القروض.

لقد ذكرت سابقا انه كلما اتسعت عمليات التداول كلما اشترط في النقد أن يفصل بين مضمونه الواقعي المعدني و بين مضمونه الاسمي الورقي, أي انه لا يمكن للرأسمالية أن تنمو دون أن يستعاض النقد المعدني بالنقد الورقي, لكن دون أن تختل رمزية الأوراق النقدية إلى المعدن النفيس, لان "النقد الورقي هو رمز للذهب, أو رمز للنقد. وعلاقته بالقيم البضاعية تنحصر في أن هذه الأخيرة يعبر عنها مثاليا بنفس كميات الذهب التي تحصل في الأوراق على تعبير رمزي يدرك حسيا. و يعتبر النقد الورقي رمزا للقيمة فقط لأنه يعتبر ممثلا لكميات معينة من الذهب, أما كمية الذهب, شانها شأن أية كميات أخرى من البضائع. فهي في الوقت ذاته كمية القيمة."1 إذن فالعبث في إصدار الأوراق المالية بعيدا عن مرساتها المعدنية هو العبث بقوانين التداول النقدي و قانون القيمة الرأسمالي الذي لا تسمح الرأسمالية بالعبث فيه لأنه بكل بساطة لم يعرف التاريخ طبقة خدعت نفسها.

إن حركة تداول الأوراق النقدية في النظام الرأسمالي الملقاة في قنوات التداول لا يمكن أن تعكس إلا قوانين التداول النقدي نفسه, و " لا يمكن للقانون المتعلق بتداول النقد الورقي أن ينبثق إلا من نسبته إلى الذهب, إلا من واقع انه يعتبر ممثلا للذهب. و يرجع هذا القانون إلى مجرد أن إصدار النقد الورقي يجب أن يتحدد بكميته التي يتداول بها فعلا ما يمثله رمزيا من ذهب (أو فضة)"2.

بعد الالتفاتة التاريخية الوجيزة فان الفصل بين المضمون الورقي و المضمون المعدني للنقد أملته طبيعة الرأسمالية ذات النزوع التوسعي, لكن ما الذي يوحد الضدين بحيث يستطيع الورق أو الرمز أن يزيح المعدن النفيس و يظهر و كأنه كل البضائع و بل و ملكها أيضا؟ بمعنى أخر ما الذي يجعل الورق النقدي يأخذ مكان النقد المعدني في عمليات التداول رغم شبه انعدام قيمته؟

كيف يسمح الذهب للورق أن يمثله و هو الذي قال فيه شكسبير على لسان تيمون في مسرحيته الشهيرة : "تيمون اثينا":
“ أيها الذهب الثمين، أيها الذهب البراق !
هذا ذهب يكفي ليجعل الأسود أبيض، والقبيح جميلا
والظالم عادلا، واللئيم نبيلا، والعجوز فتية، والجبان باسلا
...
انه هو الذي يجعل الأرملة العجوز البالية عروسا صبية،
هيا أيها الصلصال الملعون ،.... يا قواد الجنس البشري “

أو كيف يسمح مالكو الذهب بان يقبلوا أن تستعاض ثروتهم بورق لا قيمة له؟؟
إنها الثقة, الثقة التي يحتاجونها لتطوير معاملاتهم و قد تجسدت في الأعراف أولا ثم في قانون الدولة لاحقا. لكن ذلك لا يكفي فالأمر يتعلق بالذهب, فما ضمانة مالكي المعدن النفيس عندما يقبلون بان يستعاض معدنهم بالورق؟ ضمانتهم الوحيدة هي ضمانة قانونية , فالورق النقدي الذي بحوزتهم هو بقوة القانون اعتراف بدين في ذمة المؤسسة البنكية التي أصدرت ذلك النقد الورقي, أي أن حائز الورق النقدي دائن اتجاه البنك بما هو مسجل من مبلغ لقيمة المعدن النفيس على الورق, و عليه فان مالك الأوراق النقدية هو مالك لديون على الجهة التي أصدرت ذات الأوراق, مالك لديون قابلة للتداول , أي أن الأوراق النقدية مهما تم تداولها بسرعة أم ببطء فهي ديون في ذمة من أصدرها. إذن فالأوراق النقدية هي في حقيقة الأمر ديون ما دامت هي تعترف بذلك, تصير نقدا ما دامت متعلقة بالمعدن النفيس النقد.

كان من الطبيعي جدا أن تلجا الولايات المتحدة الأمريكية في بسط هيمنتها الاقتصادية بعد انهيار الإمبراطوريتين الاستعماريتين العريقتين بريطانيا و فرنسا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية من خلال معاهدات بروتن وودز حيث تمت المصادقة على الدولار كعملة عالمية, لكن دون أن يفقد صلته بالذهب . فعرف الدولار بخازن للقيمة, و هي صفة يستمدها من ثباته فوق المعدن البراق.

فمن قرار نيكسون 11 غشت 1975 إلى اتفاقيات جمايكا كنغستون 1976 عبر إعلان رامبوييه 1975, أصبح الدولار منفصلا عن الذهب, أي منفصلا عن كل قيمة عدا تلك السنتيمات التي لا تتعدى العشرة في تكلفة طباعته. إن الاستمرار في الإقرار و الدفاع و التشبث بالدولار كونه خازن للقيمة هو سرقة قيمة العمل المتجسدة في البضاعة مع إلغاء صفة النقد عن الذهب (La démonétisation de l’or) و نقل القيمة إلى اللاشيء (Ex-nihilo) الذي أصبح يرتدي زي النقد (الأوراق "النقدية" و ما شابهها من سندات مالية الخ...), و بتعبير أخر نقل القيمة المسروقة إلى الديون (ما دامت الأوراق "النقدية" هي اعترافات بديون) و هو ما يفسر وضع التنمية في المراكز الرأسمالية السابقة القائمة حصرا على الديون.


تكمن أهمية المانيفستو الشيوعي اليوم في عدم الاستسلام للعقائدية التي جمدت عقول رفاقنا في أن يروا المراكز الرأسمالية السابقة تزداد توحشا في الامبريالية و هي تفتقد لوسائل تداول الإنتاج الرأسمالي و هي نظام الائتمان الذي يقوم على الذهب كنقد.يقول المانيفستو الشيوعي اليوم: "قرار الدول الأغنى الخمسة بسحب عملاتهم من التداول في أسواق الصرف كيلا تخضع لتقلبات الأسعار، وتضامنهم جميعاً في الحفاظ على الأسعار الثابتة لعملاتهم المحددة مسبقاً من قبلهم، وليس من خلال السوق، لم تعد هذه العملات مسهلاً (facilitator) لمجرى الإنتاج الرأسمالي (نقد – بضاعة – نقد) وبذلك تم إغلاق الدورة الحيوية للنظام الرأسمالي وشطبها نهائياً ."

يعتمد تجديد الإنتاج الرأسمالي الموسع كمضمون فعلي للتراكم أي لتحويل فائض القيمة إلى رأسمال على التدبير الحسن للوسائل التالية:
1-تامين النقد الإضافي اللازم لتداول كميات البضائع المتزايدة الخازنة لقيمة اكبر .
2-استخدام وسائل تعجل من سرعة تداول النقود.
3-تحويل شكل النقد من كنز إلى نقد متداول.
4-تخصيص كميات إضافية من الذهب المستخرج سنويا لأدوات التداول.

إن تطوير نظام الائتمان كان وسيلة فعالة في تزايد الثراء الرأسمالي عبر الزيادة في فعالية النقود. و رغم ذلك كان ماركس يرى تلك الوسائل ذات التكلفة الباهظة لا تنتج قيمة تذكر, فهي تستلزم إنفاق المزيد من العمل و الاجتماعي و وسائل الإنتاج من اجل الاستخراج السنوي للمعدن النفيس الذي تفرضه آليات التداول , أي أنها تصرف المجتمع عن الانتفاع بها كثروة حقيقية توفر وسائل استهلاك إضافية, "و هذا يحسم أيضا السؤال الأخرق الذي يدور حول ما إذا كان الإنتاج الرأسمالي ممكنا , بنطاقه الراهن, بدون نظام ائتمان (حتى لو جري النظر إليه من وجهة النظر هذه وحدها) أي, بالتداول المعدني وحده. فمن الجلي أن ذلك ليس ممكنا. إذ سيصطدم الإنتاج الرأسمالي بالحدود المقيدة لاستخراج الذهب"3.

فهل كان الهدف من استغناء المراكز الرأسمالية السابقة عن التداول المعدني هو الزيادة في كفاءة الإنتاج الرأسمالية عبر التخلص من تكاليف غير مثمرة (Faux frais) و بالتالي إخراج الذهب من وسائل التداول إلى البضائع سيزيد من ثراء الرأسماليين؟؟؟
أم إن الاستغناء عن التداول المعدني رغم كلفته الباهظة أفقر المراكز الرأسمالية السابقة لتقوم على اقتصاد مكشوف؟؟؟


يتبع



الإحالات:

1-كارل ماركس, رأس المال المجلد الأول طبعة دار التقدم ص:186
2-كارل ماركس, رأس المال المجلد الأول طبعة دار التقدم ص:185
3-كارل ماركس, رأس المال المجلد الثاني طبعة دار التقدم ص: 501








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الرفيق العزيز سعيد زارا
فؤاد النمري ( 2015 / 11 / 4 - 21:55 )
حبذا أيها الرفيق العزيز لو تبسطت في نقدك للمانيفيستو الشيوعي اليوم
الشروحات البسيطة تجتذب الآخر للمشاركة في طرح الأفكار الماركسية
خاصة وأن شيوعيي البورجوازية يمتنعون عن نقد المانيفيستو خشية أن أفكار المانيفيستو تكشف هزالهم الفكري وتبخس ذواتهم
هم أصلاً جاءوا ن البورجوازية الوضيعة إلى الماركسية متاجرة بذواتهم وقد عرفوا أن البورجوازية الوضيعة مفلسة ولا يمكنها أن تجعل منهم زعماء

تحياتي وتقديري لأعمالك


2 - الرفيق العزيز سعيد زارا
فؤاد النمري ( 2015 / 11 / 4 - 21:56 )
حبذا أيها الرفيق العزيز لو تبسطت في نقدك للمانيفيستو الشيوعي اليوم
الشروحات البسيطة تجتذب الآخر للمشاركة في طرح الأفكار الماركسية
خاصة وأن شيوعيي البورجوازية يمتنعون عن نقد المانيفيستو خشية أن أفكار المانيفيستو تكشف هزالهم الفكري وتبخس ذواتهم
هم أصلاً جاءوا ن البورجوازية الوضيعة إلى الماركسية متاجرة بذواتهم وقد عرفوا أن البورجوازية الوضيعة مفلسة ولا يمكنها أن تجعل منهم زعماء

تحياتي وتقديري لأعمالك


3 - الرفيق العزيز فؤاد
سعيد زارا ( 2015 / 11 / 5 - 08:34 )

حسبتني بسطت بعض الامور قدر الامكان.

ريما قد يتضح مضمون ما طرحته اعلاه مع طرح اشكالية الاستدانة فيما بعد.



و لك الشكر الجزيل على التوجيه

اخر الافلام

.. لماذا استدعت الشرطة الفرنسية رئيسة الكتلة النيابية لحزب -فرن


.. فى الاحتفال بيوم الأرض.. بابا الفاتيكان يحذر: الكوكب يتجه نح




.. Israeli Weapons - To Your Left: Palestine | السلاح الإسرائيل


.. إيران و إسرائيل -كانت هناك اجتماعات بين مخابرات البلدين لموا




.. إيران و إسرائيل -كانت هناك اجتماعات بين مخابرات البلدين لموا