الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يوميات التحكيم من لندن .. ردا على تخرصات - سليم - الحسنى .... (( اليوم التاسع ))

محمود جابر

2015 / 11 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


الأساطير المؤسسة :

وقفنا فى الحلقة السابقة من حلقات الرد على غرفة التحكيم من لندن والتى يحررها – سليم – الحسنى،عند أحد أهم الشواهد على عدم وجود الحزب لا فى 1957، ولا بعده فى 1959، بمرور الأحداث العظام عربيا وإسلاميا وشيعيا ولم يكن للحزب موقفا ولا بيان، ولم نعثر فى وثائق الحزب المنشورة شىء من هذا ولا ذاك، وكان هذا حديثا إجماليا، واليوم نحن مع التفاصيل الكاملة .. .
ومع أن قادة الحزب اليوم يحرصون على تقديم سير ذاتية منمقة وقد إختيرت كلماتها بدقة، إلا أنها لا تشكل وسيلة لإثبات حقيقة أو نفيها، ذلك أن هؤلاء ليسوا هم الرعيل الأول ولم يحضر أحدهم مشهد التأسيس المزعوم، وحتى لو بالغوا في إختراع مسيرة جهادية لهم في صفوف الحزب، إلا أن من المستحيل إثبات هذه الإدعاءآت، فيكتب أحدهم بأنه عاش أجواء إنقلاب 1958 وما تبعه من تداعيات سياسية وإجتماعية وإعلامية مختلفة، وينسى أنه كان يومذاك بعمر الصبا لم يتجاوز العاشرة من عمره!!
آخر يقول بأن إنتماءه للحزب كان رد فعل على حدث عاصف شكل مفرق طرق في حياة العرب وأجهض أحلامهم وحركتهم السياسية، أي نكسة حزيران عام 1967، مع أنه كان مبعوثا بعد ذلك العام بعشر سنوات في بعثة دراسية حكومية لإتمام دراسته العليا في بريطانيا على حساب الدولة العراقية قبل أن يتحول عقب إنهاء دراسته نحو حزب الدعوة خارج العراق، وكانت قد مضت سنوات يومها على إغلاق البعثات الدراسية إلى الخارج والدراسات العليا في داخل العراق، فضلا عن عدد من الكليات والإختصاصات على منتسبي حزب البعث الحاكم حصرا، وإن كان من السهولة بمكان العثور على أمثلة لا تعد ولا تحصى من هذا القبيل، إلا أنها لا تغري بتقديم معلومات دقيقة أو حتى عامة، إنما نسوقها كمثل على إصطناع أحداث كثيرا ما تحولت إلى تاريخ، حتى لو لم تكن لتصمد أمام الفحص والتدقيق.
كل هذا يساق وينمق من أجل الإيحاء بأن الحزب حركة عريقة في التاريخ السياسي العراقي وهذا ما لا يقوم على تأكيده أي دليل حقيقي، وهم برواياتهم لا يستطيعون تأكيد واقعة، ذلك أنهم ليسوا شهودها بحكم السن، كما أننا لا نرى في الحزب رعيلا مؤسسا معروفا يقدم رواية ثابتة البناء، وليس هناك بين ذلك الجيل والجيل المعاصر جيل وسيط كما هو الحال في تاريخ كل الحركات السياسية التي شهدها العراق، وعلى هذا فالروايات عن تأسيس الحزب سواء في ظروفه أو تاريخه، هي روايات متناقلة دون التأكد من صحتها وتعتمد على التلقين بدون دليل يذكر.
لقد شهد الميدان السياسي في العراق وقائع ومناسبات تاريخية ليس من المبالغة القول بأن آثارها ما زالت شاخصة إلى يومنا هذا، وقد كانت المنطقة تمور بأحداث صاخبة ملأت الدنيا وشغلت الناس، ومن باب التذكير نورد بعض هذه الاحداث بل وأهمها فحسب ما بين التاريخ المفترض لتأسيس حزب الدعوة الإسلامية العام 1957 والتاريخ الحقيقي والفعلي لإنطلاقته في مؤتمر طهران عام 1980، فبعد الإطاحة بالنظام الملكي وإقامة الجمهورية، والصراع السياسي الحاد والدموي الذي شهده العراق بين الشيوعيين والقوميين، والخلافات التي دبت بين رفاق السلاح الذين أطاحوا بالنظام الملكي، وتحرك الشواف في الموصل، وإعدام بعض الضباط الأحرار، وإنقلاب الثامن من فبراير/شباط 1963، والإطاحة بحكم حزب البعث في إنقلاب نوفمر/ تشرين الثاني من العام نفسه، والقرارات الإشتراكية وتأسيس الإتحاد الإشتراكي العربي كتنظيم واحد شرعي في البلاد، ومقتل عبد السلام محمد عارف وتولي أخيه عبد الرحمن عارف السلطة، ومحاولة الإنقلاب البعثية في سبتمبر/ أيلول عام 1964، ومحاولتي القوميين الإستيلاء على السلطة في عهدي الأخوين عارف، وإضراب الطلبة الشامل والشهير في 1968 عشية إستيلاء البعثيين على السلطة، والإنشقاق الذي أصاب الحزب الشيوعي العراقي وقسمه إلى قسمين: لجنة مركزية وقيادة مركزية، وإعلان الجناح الثاني تبني الكفاح المسلح ورفع السلاح في مدن جنوبية عدة وبشكل خاص في الأهوار، وفي تلك الأثناء تشكلت ما لا يقل عن عشر حكومات، ورفع الأكراد السلاح بوجه الدولة المركزية ثلاث مرات، ومحاولة الشريكين عبد الرحمن عارف وعبد الرحمن البزاز حل المشكلة الكردية وإعلان بيان 29 يونيه/ حزيران عام 1966 في هذا الصدد، وإستيلاء البعثيين على السلطة وما شهده قصر النهاية من تصفيات للقوى المناوئة، والمؤامرات المزعومة في العشرين من يناير/ كانون الثاني عام 1970 والمجزرة الكبرى التي ارتكبت خلال ساعات إثر ذلك، والإتفاق مع الحركة الكردية المعروف بإتفاقية 11 مارس/ آذار 1970، ومؤامرة ناظم كزار وإعلان الجبهة بين الشيوعيين والبعثيين عام 1973، وتوقيع إتفاقية عام 1975 في الجزائر مع شاه إيران حيث تنازل موقعها صدام حسين بموجبها عن حقوق تاريخية ثابتة للعراق، وتوقيع ميثاق العمل القومي مع سورية، وإستقالة أحمد حسن البكر وصعود صدام إلى المركز الأول في السلطة ومجزرته بحق رفاقه وإنقلابه على الإتفاقيات الموقعة مع سورية.
كل هذه الاحداث فى العراق التى قلبت الدنيا واقعدتها ولم نجد موقفا موثقا يقول أن حزب الدعوة كان هنا، وقد وقع عليه عبأ هذه الأحداث بفرحها أو ترحها، بانتصارها أو انكسارها، فهل كانوا كلهم نيام؟! أم توقفت إشارات المذياع فلم يدركوا ما يحدث ؟
وبنفس الدرجة من الأهمية كانت هناك أحداث عربية يضيق بذكرها المقام وسنذكر منها أهمها على سبيل المثال لا الحصر. إعلان الوحدة بين مصر وسورية عام 1958، ثم الإنفصال عام 1961، وعقد أول قمة عربية شاملة عام 1964، والصراع الذي انفجر بين جمال عبد الناصر والإخوان ، وإعدام سيد قطب؛ علما أن الحزب وحسب مدوناته الموثقة يرى فى الإخوان حركة إسلامية ويرى فى قطب ملهما ومعلما. ونكسة يونيه/ حزيران عام 1967، وإحتلال الأراضي العربية ومن بينها القدس الشريف، وإنطلاق المقاومة الفلسطينية عام 1965 وصعودها إثر النكسة وأحداث الأردن ضد الفلسطينيين المعروفة بأيلول الأسود (سبتمبر) عام 1970، ووفاة جمال عبد الناصر، وتولي السادات وإنقلابه على سياسات سلفه، وحرب أكتوبر/ تشرين ( العاشر من رمضان) عام 1973، وقيام إتحاد الجمهوريات العربية، وذهاب أنور السادات إلى القدس وتوقيعه إتفاقات كامب ديفيد1979.
وحتى فيما يمكن حصره في الدائرة الشيعية البحتة، فإن تطورات كبيرة حصلت في تلك الفترة من أهمها تأسيس جماعة العلماء في العراق لمواجهة المد اليساري، ونشاطات المرجعية ووكلائها في بغداد خاصة وفي بقية أنحاء العراق، والخلافات بين المرجعية وعبد الكريم قاسم ثم مع خلفه عبد السلام عارف، وحادثة إضراب الشورجة الذي شل الحركة التجارية في العراق قبيل مجيء حزب البعث إلى السلطة إحتجاجا على إعتقال الشاعر محمد حسين الصغير إثر قصيدة له ألقيت في مسجد براثا إحتفالا بذكرى المولد النبوي الشريف حيث هجا السلطة بأشد الكلمات وقد دام الإضراب أسبوعين، واستعراض السيد محسن الحكيم لقوته بعد إستيلاء البعث على السلطة بالمجيء إلى بغداد وإستقباله وفودا من مختلف أنحاء العراق، وإتهام السلطة البعثية للسيد مهدي الحكيم بالتجسس لجهات أجنبية – أمريكية- وما صاحب ذلك من إعتقالات واسعة شملت شخصيات شيعية مرموقة، وقتل الشيخ عبد العزيز البدري تحت التعذيب، ووفاة السيد محسن الحكيم وما صاحب تشييعه من تظاهرات عارمة، ومنع السلطات لمراسم الإحتفالات الشيعية بذكرى عاشوراء، وإنتفاضة خان النص عام 1977.
وعلى أهمية هذه الأحداث والجانب التعبوي فيها فإن التاريخ لم يسجل كلمة واحدة في بيان أو تصريح أو موقف باسم حزب الدعوة الإسلامية،أو لشخصية من الرعيل الأول باسم الحزب، ومن بديهيات الأمور أن القوى السياسية تستغل الأحداث والوقائع بغرض تعزيز دورها ومكانتها في المجتمع، لأن غاية كل حركة سياسية أن تختلط بالناس لحشدهم في مسيرة تحقيق أهدافها الكبرى، وإن كانت سلطة البعث قد تميزت بالعنف والتعسف في إستخدام القوة والبطش، فقد سبقتها فترة من الهدوء والحرية النسبية قياسا إلى كل العهود السابقة واللاحقة في التاريخ العراقي المعاصر، وفضلا عن ذلك فإن القوى السياسية تكتب تاريخها إما من خلال وثائقها وأرشيفها، أو تناول القوى السياسية الأخرى في أدبياتها ومواقفها سواء كانت صديقة أو معادية، أو من رصد السلطات الأمنية في البلاد لنشاط سياسي خاصة وأن الأوضاع السياسية قد تقلبت بين أربعة رؤوساء قبل عام 1980 ووثائق الدولة قد أتيحت للحزب بعد سقوط البعث، ، وما يمكن الجزم به أنه لا توجد أي وثيقة تشير ولو بشكل عابر إلى وجود حزب ((الدعوة)) الإسلامية عند الآخرين، وليس للحزب صحافة داخلية أوصحافة موجهة للجماهير، بكلمة شاملة ليس له أرشيفه الخاص به أسوة بالأحزاب والقوى الأخرى، ولم يعرف أن حزب ((الدعوة)) الإسلامية قد أصدر بيانا قبل بيان التفاهم الذي أصدره بعد مؤتمره التأسيسي عام 1980 خارج العراق، ولغة البيان وخطابه تظهران حداثة عهد في العمل السياسي وقلة خبرة في صياغة البيانات السياسية، ولعله من أكثر الأمور دلالة أن نظام صدام حسين وفي سياق حملته القمعية ضد معارضيه، وعلى خلفية حادثة المستنصرية ومحاولة إغتيال طارق عزيز المدبرة من مخابراته، تمهيدا لكل الإجراءآت القمعية اللاحقة، وكذريعة من ذرائع الحرب مع إيران، كان في عجلة من أمره ولم يجد من دليل دامغ يدين به منفذ الحادثة بالإنتماء المزعوم لحزب ((الدعوة)) الإسلامى سوى كتاب مشهور ويغرق الأسواق بطبعاته المتعددة هو "العلم يدعو للإيمان" للكاتب والأكاديمي الأميركي كريسي موريسون، والكتاب يتناول الحقائق العلمية كدليل على وجود الخالق سبحانه وتعالى، وليس فيه أي غرض سياسي مهما كان بسيطا، مع أن الإعتقالات العشوائية حينها شملت آلاف المواطنين وتفتيش بيوتهم بدون العثور على ما يفيد النظام في تعزيز دعايته.
إن عدم وجود حزب بهذا الاسم لا يعني أنه لم تحصل محاولات لتشكيل تنظيم سياسي إسلامي شيعي، وربما تكون حادثة إعدام الشيخ عارف البصري ورفاقه عام 1974 نتيجة لواحدة من أكبر المحاولات ولهذا كانت ردة فعل النظام قاسية وتعسفية تمثلت بإعدامه مع ثلة من رفاقه، إنما تحت عنوان عام هو القيام بنشاط رجعي غير محدد.
ومما لا شك فيه أن خلايا كثيرة تشكلت ونشأت بعد قيام الثورة الإيرانية وإنتصارها وبوحي منه، إلا أنه لا دليل يذكر على أن حزبا معينا قد جمع هذه النشاطات أو كانت إمتدادا له، ولعله من المفيد التذكير بشهادتين لشخصيتين مهمتين في تاريخ الحزب بعد تأسيسه هما ابراهيم الجعفري ونوري المالكي حيث يقران في لقاءين ضمن برنامج "خارج المألوف" بأنهما خرجا من العراق بصورة طبيعية وبجوازات سفر رسمية، في وقت كانت حملات القمع القاسية تقوم على الإعتقال العشوائي للمتدينين وغيرهم من المعارضين وتنفيذ الإعدام بهم عسى أن يكون بينهم من يرتبط بنشاط تنظيمي ضد السلطات القائمة، ويضيف إلى هاتين الشهادتين القيادي ضياء الشكرجي شهادته المعبرة في أنه حاول البحث عن حزب الدعوة بغرض الإنتماء إليه فلم يهتد إلى طريق يوصله داخل العراق، وقد إنتمى إلى الحزب في لندن عام 1982، ولعله من المفيد في سياق البحث الإشارة إلى أن حزب الدعوة الإسلامية بعد عودته إلى العراق واسهامه في العملية السياسية وبرصيد دعائي قل نظيره، لم يستطع أن يقدم شخصية واحدة من خارج الأسماء المعروفة التي إشتهرت خارج العراق من خلال نشاطاتها العلنية.
وعود على بدء، فإن الغاية من هذه المقالات التي تحتاج إلى ذكر الكثير من التفاصيل المتوفرة في ذهن كاتبها، والمبعثرة فى الكثير من الكتابات هنا وهناك، ولكن يحد من ذكرها ضيق المجال، ليست الإنتقاص من جهة سياسية معينة أو التهوين من دورها وشأنها، أو الإنخراط في الصراعات السياسية الجارية، وأنما جاء الحديث ردا على غرفة التحكيم فى لندن التى اشترك قادتها مع الاحتلال فى انتاج سياسية ما زال العراق يعيش نتائجها وسيبقى إلى عقود مقبلة،وكان لابد من فتح الباب أمام بحث موضوعي جاد وعلمي لوضع الأمور في نصابها الصحيح، وإسقاط هالة الأساطير الشعبوية المؤسسة بدون أساس، وقد تم توظيفها لمصلحة طرف سياسي أو شخصية سياسية ولكنها تبقى تنهل من خارج دائرة الأمانة وحكم الضمير، وقبل ذلك رد الإعتبار لضحايا نظام قمعي مستبد تعسف في ظلم الناس وأسرف في القتل تحت حجة واهية وذريعة لا تصمد أمام البحث الدقيق، ذهب ضحيتها الآلاف من أبناء العراق وعانت عوائلهم أشد تنكيل وملاحقة، وعسى أن تكون هذه الحلقات المتواضعة حافزا يشجع الباحثين على الغوص في التفصيلات الكثيرة فيسلطون ضوء البحث والتنقيب على حقبة هي الأخطر والأكثر وجعا وإيلاما في تاريخ العراق المعاصر، وتاريخ الحركة الإسلامية فى العراق، فتكون قد أدت الغرض المقصود وحققت الغاية المرجوة منها.

ولكن قبل الختام نعيد السؤال : من صنع تلك الأساطير المؤسسة..

رابط الحلقة السابقة : http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=490990








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رداً على روسيا: بولندا تعلن استعدادها لاستضافة نووي الناتو |


.. طهران تهدد بمحو إسرائيل إذا هاجمت الأراضي الإيرانية، فهل يتج




.. «حزب الله» يشن أعمق هجوم داخل إسرائيل بعد مقتل اثنين من عناص


.. 200 يوم على حرب غزة.. ومئات الجثث في اكتشاف مقابر جماعية | #




.. إسرائيل تخسر وحماس تفشل.. 200 يوم من الدمار والموت والجوع في