الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جمال الغيطاني كما عرفته

حسام الحداد

2015 / 11 / 4
الادب والفن


عرفته من حكايات الغريب والزيني بركات والرفاعي باحثا بلغة ادبية راقية في اعماق الشخصية المصرية وبطولاتها، مهموما بالبسطاء الذين يشكلون السواد الاعظم من المجتمع المصري، وبقضاياهم وتفاصيلهم اليومية، لم يكن متعاليا بكتابته ولا سابحا في الفراغ، بل كان ممثلا نبيلا للمثقف العضوي المهموم بتغيير مجتمعه والنهوض به، فان كان جمال حمدان مغرما بالشخصية المصرية في جغرافيتها وتاريخها، فالغيطاني كان ومازال مغرم بها، في قوتها وصلابتها والتحامها، لم يكن الغيطاني مهموما فقط بالشخصية المصرية ومؤرخا لها في اعماله الابداعية، بل ايضا سجل بقلمه حواديت وحكايات المنطقة العربية وشغل بهمها، يعتبر الغيطاني من أكثر الكتاب العرب شهرة على شبكة الانترنيت إذ أن أغلب رواياته ومجموعاته القصصية متوفرة في نسخ رقمية يسهل تبادلها اضافت بعدا جديدا لهذا الكاتب الذي جمع بين الأصالة العميقة والحداثة الواعية. وتعد رواية" الزيني بركات" من الروايات البارزة في الروايات العربية التي عالجت ظاهرة القمع والخوف واتكأت على أسبابها وبينت مظاهرها المرعبة في الحياة العربية، فالغيطاني حين يحاصره الراهن بقمعه واستبداده وقهره، حين يمارس أقسى أشكال العنف والرعب والقهر في السجن المعاصر يعود بنا مستنطقاً تاريخ ابن إياس بدائع الزهور ليجد صورة مرعبة لكبير البصاصين الشهاب الأعظم زكريا بن راضي ووالي الحسبة الزيني بركات ويكفي أن نقرأ عن تعذيب التاجر علي أبي الجود وتدرج الزيني في التفنن بتعذيبه ليحصل على المال، والأدهى أن وسيلة إرغامه على الإقرار كانت بتعذيب الفلاحين أمامه عذاباً منكراً بغية إخافته وترويعه، على مدى سبعة أيام منها تعذيب فلاح أمام عينيه:" أظهروا حدوتين محميتين لونهما أحمر لشدة سخونتهما، بدأ يدقهما في كعب الفلاح المذعور، نفذ صراخ الفلاح إلى ضلوع علي، وكلما حاول إغلاق عينه يصفعه عثمان بقطعة جلد على قفاه." وفي اليوم الرابع والخامس " ذبح ثلاثة من الفلاحين المنسيين، أسندت رقابهم إلى صدر علي بن أبي الجود والزيني يدخل ويخرج محموماً مغتاظاً يسأل" ألم يقر بعد؟" لا يجيب أحد. يضرب الحجر بيديه."
يسقط هذه الصورة على الحاضر بل يسقط الحاضر عليها فيبني منها ما هو أقل إيلاماً من الحاضر فقدمت لنا نماذج مرعبة ولكنها مشوهة منخورة في الوقت نفسه لأنها من وجهة نظر الرواية فيما أحسب لا تتسلح بقيم تجعلها قادرة على مواجهة التغيرات المحتملة.
اما عن الاصالة والمعاصرة لدى الغيطاني والذي حل هذه الاشكالية مع نفسه في همله الابداعي "وقائع حارة الزعفراني" فالحدث الذى يزعزع الوجود الهش لسكان حارة الزعفرانى غريب ومقلق؛ فكل سكان الحارة يفقدون قدرتهم الجنسية عدا شخص واحد غير معروف. هنا يتحرر الروائى من أشكال الكتابة المقدسة التي تدغدغ حواس القارئ المعتاد على الكتابات سريعة الانتشار، مما يجعله يواجه دائمًا صعوبات جمة ليفتح طريقه باتجاه التعرف على العمل. قليلون وقليلون جدا الكتاب الذين يحافظون على الصبر المطلوب للعمل. أعمال جمال الغيطانى الكبيرة تشكل عمارة جميلة، معمارها وشكلها يمكن الإحساس بهما عبر مسافة طويلة. حانية التجربة الشخصية التي يبدو فيها الظاهر غلافا وكاشفا للباطن، منتقلا الى "الرفاعي" الذي جاء إلى الدنيا ليقاتل دفاعًا عن كل الذين مرّ بهم وعرفهم أو مشوا معه وحاوروه في تلك القرى والمدن، عن كل من يعيشون في هذه المساحات التي طار فوقها بالهيلوكوبتر والأنتينوف وبالأليوشن، كل من رآهم يرشفون الشاي في المقاهي ويحتفلون بأعياد الميلاد ويهمسون بالنجوى...
إنه العميد أركان حرب إبراهيم الرفاعي، مؤسس وقائد المجموعة 39 قتال، هذه المجموعة الاستثنائية في تاريخ العسكرية المصرية، والتي قُدر للمؤلف أن يقترب منها ويعايش أفرادها وأعمالهم القتالية عن قرب في فترة صعبة واستثنائية، عن هذه الظروف كانت تلك الرواية.
فالغيطاني لم يكن ابدا محلقا في فضاءات الابداع دو الارتكاز على واقعه المعيش مناقشا له ومتحاورا معه ومغيرا له في نفس لحظة الكتابة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آخر ظهور للفنان الراحل صلاح السعدني.. شوف قال إيه عن جيل الف


.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي




.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال


.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81




.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد