الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ترنيمة في تضاريس ذاكرة

سعد محمد موسى

2015 / 11 / 8
الادب والفن


ترنيمة في تضاريس ذاكرة
سعد محمد موسى

كان الصديق العصامي والنبيل الذي جعل من حياته عبارة عن عطاء وتفاني ومساعدة للاخرين دون ان يستعرض او يتفاخر او حتى يطلب يوما ما مقابلاً او ثمناً عن اعماله الخيرية .. وهو يعمل ويعيش بعزلة وصمت وحيدا دون عائلة دون اطفال دون زوجة لانه لايريد ان يضيف رقما أخر لطوابير العذابات المستمرة بانجابه لاطفال اخرين ربما يضيفون ماساة اخرى الى هذا العالم القاسي!!
فكانت وصيته بعد الموت هو التبرع باعضاء جسده الصالحة للاخرين وما تبقي من اوصاله طلب ان تحرق كي تنتهي قصة حياته مع حكايات الرماد والفناء دون أن يتذكره أحد.
كان أخر لقاء جمعني مع هذا الصديق في سدني قبل سبعة سنوات بمناسبة حضور المطربة اللبنانية ماجدة الرومي الى استراليا.
وحين دلفنا الى قاعة " هوم بوش" كان جلوسنا في المقاعد الامامية كما فضلها ان تحجز وقبل بدء الاضاءة وحضور المطربة كان يبدو الصديق صامتاً كالزجاج وحزينا كسرير يتيم
وبعد اطلالة ماجدة الرومي بكل اناقتها وحضورها المسائي صعق صاحبي بكل هذة المداهمة الجمالية وحلمه الذي كان ينتظره .. ثم رتلت ماجدة اناشيدها .. ولكنها حين اباحت باغنية "ماحدا بعبي مطرحك بقلبي" .. ارتحلت ذاكرة المعذب المثقبة بكل هذا الخراب مثل خوذة جندي مهزوم من حرب الى سواتر الحرب ومجانية الموت.
ثم تسلل الى مسامعي نحيب مكتوم منبعث من ملامح وجه الصديق الطيب والمتعب وبعد ان تطلعت المطربة من المنصة بالتفاتة عفوية توقفت برهة وكأنها كانت تقرأ انفعالاته وتأريخ عذاباته ومنافيه الطويلة.
فارتحلت ذاكرته الى صدى مشاهد من فجائع الحرب العراقية الايرانية والتي وأدت من عمره ثمان سنوات من بواكير شبابة في تلك المحرقة العبثية.. متذكرا احدى هجومات الجيش الايراني قي قاطع شرق البصرة.. حين انهالت قذائف المدافع والراجمات فوق الخطوط الامامية للجبهة فانسحب محاولا انقاذ أخر احلامه بالنجاة تحت السماء العارية .. ثم القى بجسده الذي كان يبحث عن الخلاص في اقرب ملجأ كان يختبأ بداخله احد الجنود العراقيين .. وهو كان يستمع من راديو صغير برفقته غير آبهاً بما يحدث في الخارج .. فكانت اغنية .. ماحدا بعبي مطرحك بقلبي.. استرسلت انغام الاغنية مع لهاث الجندي المفزوع مع جندي الملجأ.. وبعد ان انتهت الاغنية وانتهى قصف العدو غادر الجندي الخندق وهو كان يردد مع نفسه الاغنية التي بقيت عالقة في ذاكرته ورافقته منافيه وعذاباته واحلامه وهو يتطلع الى صورة مطربته والتي قطعها ذات يوم من جريدة ثم احتفظ بها داخل محفظته المتهرئة والتي بقيت تلازمه كحرز او ترنيمة اثناء رحلة الموت .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحكي سوري- رحلة شاب من سجون سوريا إلى صالات السينما الفرنسي


.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع




.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج