الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجمعة الأسود

امال قرامي

2015 / 11 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


فى يوم الجمعة الأسود، أقدمت مجموعة من الإرهابيين على اختطاف يافعين أحدهما فى الـ16 من عمره والآخر فى الـ14 كانا يرعيان الغنم فى المنطقة المتاخمة لحدود ولاية القصرين، «فى الجنوب التونسى» وقام الإرهابيون بذبح الأكبر سنا ثم وثقوا العملية بالفيديو، وبعد أن أنهوا فصل الرأس عن الجسد وعلى مرأى الطفل الثانى «وهو ابن عم الشهيد»، وهبوا له الرأس وطلبوا منه أن يسلمه لذويه وأن يتصل بالجيش «الطاغوت».

أجبر المراهق على قطع كل المسافة الفاصلة بين الجبل ومنزله وهو يحمل بيده رأس ابن عمه. لا أحد بمقدوره أن يتصور حجم المعاناة والرعب والألم الذى تحمله اليافع فى تلك الساعات الزمنية، ولا أحد بإمكانه أن يتصور شعور الأهل وهم يتلقون الخبر مشفوعا بدليل الإثبات: الجزء العلوى/الرأس، فى حين بقيت الجثة فى الجبل.

تشير هذه الحادثة الأليمة إلى أن المجموعات الإرهابية غيرت استراتيجياتها فنوعت الأهداف والوسائل. لم يعد الفاعلون السياسيون ولا الشخصيات الوطنية هدفا رئيسا للإرهابيين بل أضحى استهداف المدنيين من كهول وشيوخ وأطفال ونساء نشاطا مستمرا ويجد له مبررا فى المراجع المتداولة لدى الإرهابيين التى تؤصل لهذه العمليات دينيا «فتاوى وبيانات وكتب وغيرها».

فمادامت المعركة معركة تمكين تمهد لإقامة الدولة الإسلامية، فكل الوسائل مسموح بها لاسيما إذا كان الضحايا من المتعاونين مع النظام الرافضين الصعود إلى الجبال والالتحاق بالمجوعات التى ترفع الرايات السود.


وتعكس هذه المرحلة الجديدة التى يمر بها النشاط الإرهابى فى تونس والمتمثلة فى استهداف المدنيين إلى البنية النفسية السائدة لدى المجموعات الإرهابية. فبعد سد المنافذ أمام الإرهابيين وتضييق الخناق عليهم ومنعهم من التحرك بكل حرية وقطع الطرق المؤدية إلى القرى المجاورة التى كانت يعتبرها هؤلاء أرض غنيمة بات الإرهابيون غير قادرين على تنفيذ اتصالاتهم والتنسيق مع الخلايا النائمة والاستمرار فى تطبيق مشاريعهم ومخططاتهم. وعلى هذا الأساس أضحى سكان المناطق المهمشة ضحايا يقدمون قرابين فى الحرب على الإرهاب.

وليس خُفيا أن هذه الفئات التى تعيش الخصاصة وتكابد من أجل البقاء تعد لقمة سائغة فى يد هذه الجماعات الإرهابية باعتبارها تفتقر إلى أبسط الحقوق كتوفر الحماية والتحصين عبر خلق الموارد الأساسية للتنمية، فضلا عن الإحاطة والتوعية. إن الهجوم على الفئات المستضعفة لا معنى له سوى فضح النظام وتعرية فشل السياسيات المعتمدة وكشف النقاب عن عورات السياسيين وخاصة الأحزاب الحاكمة. فما تعيشه تونس طيلة أشهر من صراع على السلطة بين أغلب أبناء النداء الذين لم يصغوا إلى نداء الواجب الوطنى وارتأوا فى المقابل تلبية نداء المصالح الشخصية، يبين عن تغيير فى منظومة الأولويات: فالأولوية صارت اقتسام الغنيمة، وهو اختيار لا يتعارض مع عقيدة كرسها الأوائل فحتى حزب النهضة الذى انتخبه الناس لأن أتباعه يعرفون الله لم يشذ عن هذه القاعدة، وبات أنصاره يظهرون نعمة الله عليهم «فيكدسون الممتلكات» ويحبون المناصب وما تدره على أصحابها من امتيازات تحقق لهم المزيد.

يبدو أن المنسيين فى كل الحكومات غدوا فى وضع اختبار: «هل يخضعون لإرهابيين انتزعت الرحمة من قلوبهم أم يستمرون فى إعلان انتمائهم الوطنى حتى وإن أدى الأمر إلى هلاكهم الجماعى فى مجتمع يميز بين الشهداء على أساس الطبقة والسن والجهة».

الجمعة الأسود فى بيروت وتونس وباريس، تؤكد إجماع الإرهابيين على ارتكاب سلسلة من الجرائم ضد الانسانية. فى تونس وباريس وبيروت أبرياء يدفعون ثمن التوحش والرعونة. ولكن شتان بين نظام يواجه أزمته بكل رباطة جأش وينجح المجتمع المدنى فيه فى التعبئة الجماعية لمواجه العدو فكريا وإعلاميا وعسكريا. وأنظمة لا تملك جهاز مناعة تستمر فى المعارك السياسية التى تزود الإعلام بأطرف الأخبار وتُلهى الناس عن المشكلات الأساسية: العدالة الاجتماعية والحد من استشراء الفساد، والتنوير المعرفى وثقافة احترام التنوع والاختلاف.


الإرهاب واحد ومعلوم ولا دين له، ولكن تبعاته تختلف من مجتمع إلى آخر، وفق وعى الطبقة السياسية وقوة المجتمع المدنى ومدى القدرة على تحمل المسئولية التاريخية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س