الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراق: الأوجه الكثيرة للإستفتاء على الدستور

فالح عبد الجبار

2005 / 10 / 31
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


مثلما حصل في الانتحابات العامة في 31 كانون الثاني (يناير) الماضي، تلقّى الاستفتاء العراقي ردود فعل متناقضة. الأصوليون الاسلاميون شجبوه باعتباره امتثالاً للكفار، والولايات المتحدة رحبت به كصفعة للارهاب، وايران (بعض حكامها) رأوه صفعة لواشنطن، واليسار الغربي (على غرار اصوليتنا المحلية) اعتبره هرطقة لا قيمة لها. أما العراقيون المنقسمون، فجلهم يميل الى النظر اليه كمأثرة وتحدٍ.
وأما كيف يكون الحدث الواحد نفسه كفراً، وهرطقة، ومأثرة، ومؤامرة، وترياقاً ضد الارهاب، وتغذية لحرب أهلية فتلك هي الشيزوفرينيا الجديدة التي تسم عالم اليوم المعولم، كما يقال.
ليست كتابة الدستور ذاتها، ولا نص الدستور عينه، من حيث هما معان، بالشيء المهم. فالدستور يمكن ان يعدل بطرق عدة أو يمكن أن يخرق بسبل أكثر تنوعاً. الشيء الجديد هو اعتياد العراقيين على صناديق الاقتراع، وهي عادة حميدة يقرف منها الجيران، عرباً وغير عرب، لشدة بعدهم عنها. ولم يكد العراقيون يزيلون عنهم صبغة الاصابع البنفسجية، حتى صبغوها ثانية، وهم يستعدون لغمسها في هذا الحبر السحري للمرة الثالثة يوم 15 كانون الأول (ديسمبر) المقبل. هذه بدايات تفريغ لشحنات العنف التي انغرست عميقاً في السيكولوجيا الاجتماعية. فوراءنا جيلان خاضا ثلاث حروب، ولم يعرفا غير العنف سبيلاً لفض النزاع والخلاف، وهما يعيشان وسط انهيار كل المرجعيات الايديولوجية والسياسية الحديثة، وتشظي الهويات.
كنت أتمنى أن يفشل الدستور لكثرة ما فيه من سوءات تكاد تغطي على بعض مبادئه المهمة (خاصة الفيديرالية، توزيع الثروات، واللامركزية). وكنت أتمنى لو يفشل الدستور حتى يدفع السياسيين الخارجين من أقبية العمل السري، الى أن يتعلموا فن الانصات، وبناء الاجماع، والكف عن غطرسة «الغالبية البرلمانية» (التي لن تدوم بأي حال). وكان من شأن الفشل، ان يعلّم دعاة العنف الذين انقلبوا، بحكم الضرورات، الى اكبر دعاة التصويت حمية واندفاعاً بين عشية وضحاها، فوائد اللجوء الى صناديق الاقتراع، التي تتجاوز، بما لا يقاس، فعل اية سيارة مفخخة، او قصف عشوائي.
ولعل أرقام الاستفتاء تشي بحقائق أجلى من كل بيانات الاحتفاء أو الشجب. فثمة اكثر من عشرة ملايين ناخب (من مجموع 14 مليوناً) توجهوا الى صناديق الاقتراع.
ويلاحظ ان مستوى الحماس للتصويت تدنى في محافظات الجنوب الشيعي، ومحافظات كردستان، في حين سُجّلت زيادة هائلة في الأنبار، إذ تضاعف عدد المقترعين نحو عشرين مرة، وفي صلاح الدين نحو أربعة أضعاف، اما في الموصل فتضاعف العدد قرابة أربعة اضعاف أيضاً، وفي ديالى، زاد على الضعف. حتى بغداد شهدت زيادة هائلة في الاقبال على المشاركة (نحو ربع مليون صوت اضافي قياساً للانتخابات السابقة)، وكذا حال كركوك.
ورغم ان هذه الزيادات تفسر بمنظار طائفي صرف (تحرك السنة اثباتاً للوجود ورغبة في الثأر) فإن نجاح المعارضين في تحقيق غالبية رافضة من الثلثين تحققت في الانبار وصلاح الدين (96 و81 في المئة ضد الدستور) الا انها فشلت في الموصل (55 في المئة ضد، مقابل 45 مع).
ان قبول 78 في المئة من المقترعين بالدستور، لا ينبغي ان يُنسينا حقائق عدة. فقرابة ربع سكان العراق لا تجد في هذا الدستور ما يرضيها. والدستور ليس مجرد حلوى توزع بنسب معينة، بل مصالح ينبغي ان تمثل بقدر معقول من التوافق.
كما ان نسبة غير قليلة من المصوتين لا تضمر رضا تاماً عن الدستور، بل تبدي اعتراضات جادة. وما مساندتها له الا من باب الخشية من حصول فراغ سياسي يمعن في اطالة العنف، وتقويض العملية السياسية، بل ان بعض المصوّتين يأمل ان يسفر نجاح الدستور عن نهاية عمر وزارة ابراهيم الجعفري سريعاً.
والرافضون للدستور، في المقابل، متنوعون، شيعة وسنة، علمانيون واسلاميون، دعاة عمل سلمي، او انصار المفخخات. هناك في المحافظات «السنية» اليوم نحو 30 ألف عائلة شيعية هاجرت من الجنوب المتأسلم، هرباً من الحكام الجدد، لأنها تواجه خيارين: اما ان تندرج في الحركات الاسلامية، أو تواجه كل تبعات «اجتثاث البعث». لكنها تجد في الزرقاوي تهديداً أكبر كان سينتهي بها الى الابادة لولا حمية القبائل المحلية.
وتضم جبهة الـ22 في المئة الرافضة للدستور حركة الصدر، التي تعارض الدستور علناً، وحركة أهل العراق (أهل السنة سابقاً)، علاوة على حركة «الحوار الوطني» وهي منبر سياسي يكاد يشكل استمراراً للحزب الحاكم القديم.
لقد أمكن لعملية الاستفتاء ان تمر بنجاح لأن القوى الاساسية مطمئنة الى انها حققت جل ما تريد، ولأن القوى المعارضة مطمئنة الى وجود آلية تصحيح ذاتي في الدستور (تسمح بمراجعته سريعاً بعد الانتخابات، مثلما تسمح بتعديله لاحقاً عبر القوانين الفرعية)، ولأن القوى المعترضة تأمل في بناء غالبية ثلثين في ثلاث محافظات، لقلب الدستور.
وهذه الآمال انفتحت بعد تعديل مسودة الدستور قبل ثلاثة ايام من الاستفتاء باضافة المادة 140 التي تجيز التعديل، وتجيز عرضه على استفتاء جديد قد يجري في تموز (يوليو) المقبل.
هذه الترتيبات قلبت الأمزجة السياسية أو فتحت التطور السياسي على العمل المؤسساتي اكثر من العمل العسكري. ويعرف دعاة العنف ان ليس لهم ان يعودوا الى السلطة. فلا قواهم الذاتية ولا المزاج العام بقادرة على تحقيق حلم «رجوع الشيخ الى صباه». ولعل الاستعدادات الجارية لخوض الانتخابات في المناطق المقاطعة خير دليل على هذا التحول. سيوصل هذا المنطق اصحابه الى نقطة التقاطع بين مسار العمل المؤسساتي (السلمي بالتعريف) ومسار العنف المسلح. اما العملية الدستورية ذاتها فما تزال مفتوحة.
هناك، أولاً، التعديل الدستوري الكبير المتوقع بعد الانتخابات، وهو التنازل الذي حققه الحزب الاسلامي.
وهناك، ثانياً، حقيقة ان الدستور يرتكز الى فراغ قانوني مريع. فثمة اكثر من 50 مادة دستورية تنتظر تنظيمها بـ «موجب قانون». وسيتوقف اتجاه هذه القوانين نحو الأسلمة المتطرفة، او الاعتدال الوسطي، على قوام البرلمان المقبل.
ورغم ان معظم القوى السياسية الرئيسية في الشطر العربي ما تزال تواصل التعبئة على أساس طائفي، فإن الغاء نظام التمثيل النسبي، وتخصيص مقاعد برلمانية للمحافظات حسب حجمها السكاني (بواقع مقعد لكل مئة الف نسمة) يقوّض أساس التنافس الطائفي، ويشدد التنافس داخل المحافظات بين قوائم من لون ديني أو مذهبي واحد، باستثناء المحافظات المختلطة.
لقد حاول الحزب الاسلامي خلال فترة مشاركته في مجلس الحكم ان يبني جبهة اعتدال وسطية، وبدا ان هذا الحزب ميّال لمثل هذه الوجهة يوم اعلن قبوله المشروط بالدستور. الا ان تحالفاته الانتخابية تجره الآن الى خطوط التعبئة الطائفية، على غرار منافسيه من الائتلاف الموحد. ويصعب تخيّل ان يخرج العراق من هذا الجبّ الطائفي من دون قرارات شجاعة تجمع الاتجاهات الوسطية على طرفي الانقسام المذهبي، وخارجه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجناح العسكري لحركة حماس يواصل التصعيد ضد الأردن


.. وزير الدفاع الروسي يتوعد بضرب إمدادات الأسلحة الغربية في أوك




.. انتشال جثث 35 شهيدا من المقبرة الجماعية بمستشفى ناصر في خان


.. أثناء زيارته لـ-غازي عنتاب-.. استقبال رئيس ألمانيا بأعلام فل




.. تفاصيل مبادرة بالجنوب السوري لتطبيق القرار رقم 2254