الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مجتمعات الكراهيّة !

شامل عبد العزيز

2015 / 11 / 22
الصحافة والاعلام


كل من يعتقد بأنه سُيغير الكون عليه أن يُغيّر نفسه أوًلا .
في الحقيقة هناك سؤال لا جواب له :
لماذا يحاول كل واحد منا أن يفرض ما يؤمن به على الأخرين ؟ يفرض رأيه .. ويؤمن بإحدى عبارات الإنجيل : من ليس معي فهو ضدّي مع العلم أنّد يدعي العكس !
ما معنى هذا ؟ لماذا ؟ لماذا لا يكون هناك أكثر من لون ورأي وعقيدة وإيمان وفكرة ؟ ما طعم الحياة بلون واحد ؟ لماذا نحاول أن نجعل الناس على أمة واحدة ؟
لماذا لا نؤمن بما قاله كارل ماركس مثلاً نقلاً عن صديقه " سر في طريقك ودع الناس يقولون ما يشاؤون " وكذلك لماذا لا نؤمن بما قاله الإمام الشافعي " رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب ؟ " ..
هل هذه عبقريّة مثلاً أم غباء ؟ هي أن نجعل الناس أمة واحدة ؟
هل الحياة تحتمل أن تكون ذات صبغة واحدة – لون واحد – طعم واحد - فكرة واحدة – رأي واحد ؟
دينيّة – قوميّة – يساريّة – اشتراكيّة – شيوعيّة – ليبراليّة ؟ هل يستقيم هذا ؟ هل هذا يتنافى مع طبيعة الحياة ذاتها أم يتماشى معها ؟
هل هناك حتمية لفكر معين ولا بدّ ان يسود ؟ تخيلوا الحياة بنمطية واحدة ؟ كم هي مقرفة ومقززة ؟ أن تكون على نسقاً فكرياً واحداً وأن يتشابه جميع بني البشر .. كيف ستكون ؟ أنا اعتقد بأن الجحيم أفضل منها ..
لا توجد قوّة على الأرض ولا في السماء – في حالة وجود شئ اسمه السماء - تستطيع جعل الناس أمة واحدة ولقد فشلت وستفشل جميع المحاولات التي تحاول ذلك ولا وجود لما يسمى بالحتميّة ..
ثمّ لماذا هذا العنف اللفظي في الاختلاف ؟ هل لا بدّ أن ينصاع أحدنا لما يقوله المخالف له رغم أنفه مثلاً ولماذا ؟ هل هناك من يؤمن بالرأي والرأي الأخر ؟ أم هي أكذوبة وضحك على الذقون وبلاهة نستخدمها دون أن نعي معناها ؟ أوليس الناس أحراراً فيما يؤمنون به أو يرفضونه ؟ إذن لماذا نحاول أن نُرغم الأخرين على أن يصدقوا ما نقوله ؟
النَّظريَّة الأخلاقيَّة لشوبنهاور بسيطة ، واضحة ومباشرة . إنَّها تقول : لا تؤذ أحدًا ولا تلحق به ضررًا ، بل على العكس ، ساعد البشر وقدم لهم يد المساعدة ما استطعت إليه سبيلا . نقلاً عن كارل بوبر .
ما أراه العكس تمامًا ,, كل واحد منا يُريد قهر الأخر إن لم يتمنى في قرارة نفسه أن يقتله .. نعم يقتله متى ما سنحت الفرصة له ,, على ماذا ولماذا ؟ لا ادري ..
إنّها مجتمعات الكراهيّة لا غير .. وبهذا الصدد يقول – سمير طاهر - وهنا سأقتبس :
في كلّ بلد تأخذ الكراهيّة شكلاً وذريعة يناسبانه . وإذا كانت العنصريَّة أحد أشكال هذه الكراهيّة فإنَّها هي أيضًا تتفرَّع بدورها إلى أشكال مختلفة . فالعداء بين المواطنين بسبب الدّين أو بسبب الطَّائفة داخل الدّين الواحد أو بسبب الهويَّة القوميَّة داخل الوطن الواحد ، كلُّها مظاهر مختلفة من العنصريَّة . لم يسلم – إلاَّ نادرًا - أتباع أيّ دين من تسونامي الكراهيّة هذا. فصرنا نرى أديانًا تحض نصوصها القديمة المقدَّسة على المحبة والتَّسامح يقترف أتباعها اليوم جرائم جماعيَّة بشعة بحقّ “الآخر”. وأصبحت السّياسة تَستثمِر في الصّراعات الدّينيَّة ، والأخيرة تَستثمِر في السّياسة ، والمال يَستثمِر فيهما معًا ، فتنتفخ أرصدة الشَّركات والدُّول الكبرى ، وتدور، بل ترقص ، دواليب صناعة السّلاح.
انتهى الاقتباس ..
متى سنعي ذلك ومتى سنفهم وندرك .. لا أظن بأن الوقت قريب لكي نتخلص من مجتمعات الكراهيّة ..
من يراقب ما يحصل على وسائل التواصل الاجتماعيّ وبعض الصحف الإلكترونيّة ومنها صحيفة الحوار وتعليقاتها يُدرك حجم معاناة هذه الأمة التي أصبحت على الهامش في كل شئ ..
منشورات المتدّينين من الطرفين والتعليقات عليها لا يوجد وصف حقيقي لها سوى " انحطاط فكري وأخلاقي لم يسبق لهما مثيل ممزوجان بكراهيّة لا حدود لها " .
لماذا هذه الكراهيّة المقيتة ؟
أما الصراع الطائفيّ بين الشيعة والسنُة على وسائل التواصل الاجتماعي والمنشورات والمجموعات فهذا الموضوع يحتاج لمجلدات .. ونعود ونقول لماذا هذه الكراهيّة المقيتة ؟
أما كتابات وتعليقات – المقاومة والممانعة - من القوميين واليساريين أو ممن يدعون اليسار والاشتراكيّة وباق الشعارات مع من يخالفهم الرأي فحدث ولا حرج ..
من المستحيل أن يكون هناك ثقافة منحطة أكثر من ذلك .
هذه هي ثقافتنا حقيقة وهذه هي البيئة التي ترعرنا فيها وهذه هي دراستنا وهذه هي حكوماتنا ومثقفينا ونخبنا وتراثنا وماضينا وحاضرنا ومن المحتمل أن يكون مستقبلنا في خضم هذا البؤس العربيّ وهذه الثقافة البالية المعطوبة ..
متى سنغادر كل هذا البؤس العربيّ – الإسلاميّ ؟
حتى الذين غادروا بلادهم ويعيشون في دول أخرى فهم ألعن من الذين يعيشون في البلاد العربيّة ,, غادروا بلادهم وهم يحملون معهم تلك البيئة المتخلفة التي خرجوا منها وتراهم يتشبثون بالقشور ظناً منهم أنهم اندمجوا مع حضارة تلك البلدان ولكن الحقيقة هي أن المكان تغيّر اما العقول فهي محلك سر .
المتدين مسلمًاً – مسيحيًا هو الذي على صواب .
يتبعه في نفس التصور القوميّ واليساريّ والاشتراكيّ والشيوعيّ والليبراليّ . وبالأخير من هو الذي على صواب ؟ هل هناك من يستطيع ان يقول لنا من هو الذي على صواب ؟
الخلاف مسألة صحيّة - بديهيّة وهي الأفضل في الوصول إلى حوار قد يكون مفيداً .. واقول – قد – وأضع تحتها – مليون خط ..
لا يوجد مفهوم بمعنى أن جميع من هم في الغرب ملائكة وأن جميع من في الشرق شياطين أو العكس أن جميع من في الشرق ملائكة ومن في الغرب شياطين ,, هذه بلاهة وينطبق على ذلك كل مفهوم أخر ,, لا المتدين هو الأفضل ولا الملحد هو الأفضل – هناك دائماً وفي كل طرف جيّد وسيء .. لا الشيوعيّ هو الأعلى ولا الليبراليّ هو الأدنى ,, هذا أيضاً غير منطقياً .
منذ الخليقة هذا هو المفهوم السائد مفهوم الخلاف في كل شئ ولكن نحن نحاول أن نختزله بغبائنا حتى الطبيعة أو الخالق جعلنا أمم مختلفة في اللون والشكل وفي كل شئ .
معرفتنا محدودة ولكن جهلنا لا حدود له .
أوضاع الدول العربيّة أكثر من بائسة وشعوبها تئن تحت دياجير العنف والقتل والموت ناهيكم عن أننا نحتل المراتب الأولى في سلم التخلف العالميّ فكريًا – ثقافيًا – اقتصاديًا – اجتماعيًا – سياسيًا ..
الثقافة ليست أن تعيش في بلداً اوربيًا وأنت تحمل معك ما زرعه والديك في عقلك - الثقافة ليست محاولتك أن ينصاع الأخر لك أو يؤمن أو يصدق ما تقوله .. الثقافة ليست من ثقيف ,, الثقافة ليست هي الدين الذي تنتمي إليه فهو موروث لا غير واقع عليك دون إرادة منك . الثقافة ليست كلمات نحفظها قالها فلان عن علان .. الثقافة ليست منشورات هنا وهناك .. الثقافة ليست معناها مطالبة المرأة بالتعري .
المرأة متخلفة كما الرجل فنحن نعيش في مجتمع واحد وعندما تمطر السماء نصاب جميعنا بالبلل ..
مرت الثقافة بالعديد من المراحل والمصطلحات والمعاني والتعاريف منذ القرن السادس عشر حتى القرن الحادي والعشرين ..
في مقال مرجم يقول حمّود حمّود :
لدينا فكرة عن الثقافة بكونها سجنٌ للغرائز الاجتماعيّة بدلاً من كونها حقل في التطوّر الإنسانيّ ..
الثقافة في إحدى معانيها :
( نظريّة في السلوك مما يساعد على رسم طريق الحياة إجمالا ) .
وفي معنى ثانِ حسب الموسوعة المعرفيّة وهنا سأقتبس :
التذوق المتميز للفنون الجميلة والعلوم الإنسانيّة ، وهو ما يعرف أيضا بالثقافة عاليّة المستوى.
نمط متكامل من المعرفة البشريّة ، والاعتقاد ، والسلوك الذي يعتمد على القدرة على التفكير الرمزيّ والتعلم الاجتماعيّ .
مجموعة من الاتجاهات المشتركة ، والقيم ، والأهداف ، والممارسات التي تميز مؤسسة أو منظمة أو جماعة ما.
انتهى الاقباس ..
أما تعريفي الشخصيّ المتواضع للثقافة هي " أن تكون فيلسوفًا " ولكن هيهات ؟
أغلب الفلاسفة عاشوا حياة شقية بينما جميع الحمقى ينعمون بالحياة ..
إذا كان المتعلم بهذه الثقافة الباليّة المنحطة والكراهيّة التي لا حدود لها فكيف يكون لنا ثقافة ونسبة الأميّة 49 % ؟
وسائل التواصل الاجتماعيّ التي أعطتنا فرصة لكي نتشارك مع العالم الأخر فيما يسعى إليه ونتعلم منه انقلبت علينا وبالاً وزادت الطين بلّه فهي انعكاس لواقعنا وثقافتنا وبما أن ثقافتنا في الحضيض وكراهيتنا لا حدود لها فكذلك مساهماتنا على وسائل التواصل الاجتماعيّ والصحف الإلكترونيّة في الحضيض ..
وسائل التواصل الاجتماعيّ هي المرآة الحقيقية لواقعنا فأنظروا لواقعنا تعرفون ما اقصد.
أما الذين لا يعلمون ما هو واقعنا ويعيشون الأوهام فهؤلاء لا يعنيهم الأمر لا من قريب ولا من بعيد ..
منذ عام 2008 لغاية عام 2014 وصل عدد أصدقائي إلى ما يقارب 4000 صديق ولكن بعد ذلك بدأت بتنقيح الصفحة حتى وصل الأمر إلى أن أحذف 3500 طلب صداقة واستقر الحال على ما يقارب 500 صديق ..
لماذا ؟ لأن غالبيّة هؤلاء من النمط الذي يحاول أن يفرض رأيه عليك أو أنه يعيش أحلام اليقظة بتغيير الكون وهو جالس وراء الشاشة أو أنه مالك للحقيقة المطلقة أو أنه يكرر نفسه كل يوم وبعبارة واحدة وموضوع واحد وفكرة واحدة وتعليق واحد وبنفس الكراهيّة المعهودة ومنذ عشر سنوات ويطلب من الجميع أن يوافقونه على ما يقول وإلاّ فالويل كل الويل ,, لا يتغير ولا يتبدل ولا يواكب مع العلم أنّ المخلوق الوحيد الذي لا يتغير هو ...... كما قال سامي النصف ...
إذا كان كارل پوپر قد قال :
لا يمكن بناء السفن بأخشاب بالية , ولا يمكن بناء المجتمع والحياة بأفكار بالية ,, وأنا أقول ولا يمكن بناء مجتمعاتنا وحياتنا بهذه الكراهيّة ,, لا يمكن بناء المجتمع والحياة بلون واحد وفكرة واحدة وعقيدة واحدة .
لا يأتي الربيع بوردة واحدة " الزميل حميد كشكولي " .
هناك قامات معروفة في بلادنا وحديثنا عن أكثر من 90 % من هذه المجتمعات ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صحة وقمر - القرصان أكلة شعبية سعودية بطريقة الإيطالية مع قمر


.. صنّاع الشهرة - لا وجود للمؤثرين بعد الآن.. ما القصة؟ ?? | ال




.. ليبيا: لماذا استقال المبعوث الأممي باتيلي من منصبه؟


.. موريتانيا: ما مضمون رسالة رئيس المجلس العسكري المالي بعد الت




.. تساؤلات بشأن تداعيات التصعيد الإسرائيلي الإيراني على مسار ال