الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


داعش : الامبريالية حين تستثمر في الجهل و الدين و الدم

محمد المناعي
باحث

(Manai Mohamed)

2015 / 11 / 22
الارهاب, الحرب والسلام


إنه عصر حرب الكل ضد الكل ، جماعات متطرفة دينيا تفجّر و تقتّل الأبرياء في ضواحي باريس ، مشهد مشابه لعمليتي شارلي ابدو و 11 سبتمبر بنيويورك منذ 14 عاما ، روجت هذه الصورة لمدة طويلة سابقا على أنها ردة فعل شعوب مقهورة على محتل جائر وهضمها البعض وسكت عنها البعض الأخر. صورة أخرى تدمر الأولى تقتيل و تذبيح أمام عدسات الكاميرا لجنود و مواطنين سوريين بالمناطق التي تسيطر عليها داعش و تذبيح و تنكيل بالجنود في الشعانبي بتونس ، لم يعد معه العدو و الهدف " غرب كافر محتل " بل أصبح من نفس جلدة و دين و هوية القاتل ، روجت أيضا لفترة على أنها مقاومة للعدو الداخلي " الذي يضيّق على التدين و لا يطبق شرع الله وهو الهدف الاول قبل محاربة الهدف الاكبر المحتل " ... صورة ثالثة عمال مصريون بسطاء بليبيا يعدمون أمام شاشات الكاميرا باخراج هوليودي ، طفل بأرياف الجنوب التونسي يرعى الاغنام يقطع رأسه و يسلم لأهله ...انتهت المسرحية و جفت المبررات لم يكن هذا الطفل لا محتلا و لا حاكما عميلا و لا عونا لهذا الحاكم و لا عدو ديني أو مذهبي أو طائفي ... انها صناعة الدم بكل بساطة و الاستثمار فيه .
مسرحية العداوة معاداة داعش:
المشهد الثاني : الدولة الاسلامية في العراق والشام ، هجرة وافدة و هجرة مغادرة ، توسع مستمر ، انتدابات في صفوف الجيش ، صفقات سلاح و سيارات و أسلحة ثقيلة ، وسائل نقل و أعوان مرور ، زراعة القمح و الخضر والعلف أيضا، استخراج النفط و الغاز و تصديره و اعادة الاستثمار في عائداته في جزيرة يحيط بها من الشرق عدو ايراني و اتباعه في العراق ، عدو كردي مسلح و منظم ومن الغرب عدو سوري شديد المراس يقاتل على جبهات متعددة ، أما جنوبا فالأردن بوابة اسرائيل نحو الشرق و النفط الضالعة في تمويل ميليشيات تقاتل الدولة السورية ، وامتداد جغرافي الى حدود الرياض منبع المال و العتاد ، و شمالا تركيا التي يحكمها " الاسلام الخفيف " بوابة حلف شمال الاطلسي لتزويد العصابات المقاتلة بالمتطوعين و المرتزقة القادمين من كل أنحاء العالم و بالتدريب و السلاح و المعلومات و ممر النفط الداعشي الذي يضخ في الاقتصاد الاوروبي و الامريكي بخمس ثمنه في السوق و أقل . .
وفي السماء أقمار اصطناعية لجميع القوى العظمى تعلم ما تسر داعش وما تعلن وامكانات تقنية تعلم بها مدى رطوبة التربة هناك فما بالك باليات مدرعة تصول في سهول دجلة و الفرات ... لم يعد مع كل ذلك من حديث عن داعش كمجرد قطعان سلفية تتوسع على مناطق حيوية كونيا بامكاناتها الذاتية وقوة عقيدتها الجهادية الا كحديث بين أغبياء .
الامبريالية صانعة داعش و محركها :
لم تكن المصالح الامبريكية لتصان في محور " التجارة و الطاقة والقوة النووية " الممتد من سواحل غزة الى كوريا الشمالية مرورا بايران بوجود قوة واحدة هي اسرائيل التي تلقت هزائم مقلقة في مواجهاتها التقليدية ضد أجوارها ، وبعض العملاء الذين لا يعول عليهم سوى بتمويل المخططات و الحروب ،عروشهم من ورق تحرسهم القواعد الامريكية في دويلات الخليج ..في المقابل أعداء يمتلكون الطاقة و الماء و الامتداد الجغرافي لكنهم يمتلكون نقطة ضعف قاتلة ، توتر بين النظام و الشعب في علاقة بالديمقراطية و الحريات و خاصة هويات متشنجة و بذور انقسام طائفي و قومي بل وصراع كامن ، هذه الهويات المتشنجة هي الأرض الخصبة التي أنبتت داعش بمجرد زرعها من قبل وكالات الاستخبار الامريكية و الاوروبية و الاسرائيلية ، فلازال الدين معطى أساسي في المنطقة و محدد للانتماء و لازالت المواطنة مجرد كلمات في الكتب المدرسية و لازال الفرد يعتبر مواطنه من طائفة أخرى كافرا أو رافضيا أو من النواصب وعدوا محتملا واذا ضعفت الدولة وخفت وطأة النظام تحول الى عدو لدود لشريكه في نفس الوطن بمجرد صب بعض النفط و المال بين الشقوق الطائفية و المذهبية لذلك تحول العراق الى قنبلة موقوتة بل ومتفجرة الى عشرات الشظايا الطائفية وعادت ثنائيات السنة و الشيعة و العرب و الاكراد الى سطح الانتماء بدل الوطن و برز النظام السوري كطائفة علوية في مواجهة طوائف أخرى أو هكذا أراد الذراع الاعلامي لمشروع داعش في المنطقة تسويقه عبر قنوات العربية و الجزيرة و ما شابهها .
الدين والدم :
لم تكن أجهزة الاستخبارات بمفردها و لا استبداد الانظمة و التربة الخصبة للتمزق لوحدها من صنع هذا المارد المدمر بل مشروع سياسي لخلط الأوراق و طرح الدين كعنصر جديد يمكن أن يعيد الشعوب من موريتانيا الى الباكستان الى نقاشات عقيمة حول علي ومعاوية ويقي المد الامبريالي الصحوة الشعبية وبداية ظهور ثمار التعليم العصري – على رداءته – في شكل طبقة شبابية و نخب مستعدة للاحتجاج مطالبة بالتغيير و بالديمقراطية و العدل الاجتماعي لكن أيضا بالسيادة الوطنية ... فلا يوجد أفضل من مشروع الاسلام السياسي تنثر بذوره في المشهد العربي من المغرب الى تونس الى مصر الى السودان الى اليمن ، يغذيه المال القطري و الخليجي و يتعلم على يديه كيفية التوفيق بين الثروة و الجهل و التدين و العمالة في نفس الوقت فكان الاخوان المسلمين التلميذ النجيب لهذه المدرسة.
و في المناطق المستعصية على استيعاب الاخوان كشريك في الحكم ، تم تجهيز وصفة وجرعة أكثر فاعلية تحمل نفس الفكر مع التقدم فيه خطوات أكبر تعتمد سياسة الترهيب و نشر الخوف و الدمار للتخلص من أنظمة حافظت على الحد الادنى من السيادة كالنظام الليبي و السوري و خلط الأوراق في دول لتجبر على قبول النسخة الأولى المعدلة الممثلة في التيار الاخواني في مرحلته ما قبل الداعشية ، أما داعش وهذه القطعان التي يتم استعمالها يمكن أن تندثر بمجرد غلق صنبور النفط و المال و المعلومات تاركة ورائها أرض مدمرة ومهيئة للاعمار من طرف الشركات الامريكية الكبرى و تهديد لكل من تسول له نفسه التصدي للارادة الامريكية أو المطالبة بالديمقراطية قبل أن تسمح له المخابرات الامريكية بذلك .
العالم العربي و المنطقة الاسلامية ضحية بداوة فكرية و بيئة لا تزال تلوك خطابا هوويا بائسا و ضحية التواجد في حلبة الصراع على النفط و الطاقة و الأسواق و حلبة صراع على اعادة كتابة التاريخ ومراجعة التراث الحضاري و مخبر تجارب للسلاح الفتاك و السلاح الفكري و الثقافي و التمرن على فقدان الاوطان و بيعها و التجارب الجديدة للديمقراطية و التأقلم بين البداوة و العصرانية ، و بين التدين و التحرر... ضحية امبريالية في أخر شطحاتها تستثمر في الجهل والدين والدم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آثار القصف الإسرائيلي على بلدة عيترون جنوبي لبنان


.. ما طبيعة القاعدة العسكرية التي استهدفت في محافظة بابل العراق




.. اللحظات الأولى بعد قصف الاحتلال الإسرائيلي منزلا في حي السلط


.. مصادر أمنية عراقية: 3 جرحى في قصف استهدف مواقع للحشد الشعبي




.. شهداء ومفقودون في قصف إسرائيلي دمر منزلا شمال غربي غزة