الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وسائل الاعلام الحديثة ودورها في ايقاظ الضمير الجمعي

ماجد عبد الحميد الكعبي

2015 / 12 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


قديما اسهمت الماكنة الاعلامية في صنع الطغاة وتمجيدهم وضاعت حقوق المظلومين والمهمشين. فالمال السياسي والسلطة والنفوذ قمعت كل تلك الاصوات فازدادت مساحة الظلم . اما اليوم فان المساحة بدأت بالتقلص، فمع كل تطور في حقل الاعلام يبدأ الطغاة يفقدون جزءا من سلطانهم . ومع بزوغ اول حركة للنشر سقطت عروش كثيرة للطغيان عندما فتح الناس عيونهم على المطبوعات حيث بدأت الافكار تسري الى العامة وتنتشر بينهم. واصبح الكتاب المطبوع مصدرا مهما من مصادر الوعي الجديد ومنارا للتقارب الانساني . وعلى الرغم من ان تلك المطبوعات قد خضعت لموازين الايدولوجيا وقوانين الحظر والرقابة لفترة من الزمن فلم يكن تاثيرها كبيرا حول العالم في القرن السابق الا ان القرن الحالي قد شهد تطورا خطيرا في الميديا حيث اصبحت المعلومة تنتقل بحرية تامة وبسرعة فائقة بين افاق الكون وباقل الاثمان. لذلك ازدادت أعداد الجماهير المتلقية للاخبار والحوادث واخذت تتفاعل معها بسرعة ولم يعد بمقدور السلطة مهما بلغت قوتها ان تقمع الفكر او تصادر الحريات .
بالامس كانت المجازر الشنيعة ترتكب بحق الابرياء في مناطق مختلفة من العالم في كل يوم ولكن المصالح والمنافع التي تسندها الايدولوجيا تحجب المعلومات عن العامة فالراديو والتلفزيون والجرائد والمجلات والكتب والاصدارات الاخرى كلها خاضعة لرقابة الدول. أما اليوم فان الثورة الكبيرة في وسائل التواصل الاجتماعي قد كسرت تلك الاسوار والحواجز لذلك نرى ان المعلومة بدأت (ومعها الخبر و الحدث) تاخذ حيزا اكبر في الوصول الى الناس وبدأ هذا الحيز يهدد المساحة الزمنية للطغاة . لان الوعي الجماهيري الشعبي الجمعي حول العالم اخذ يشكل جبهة ضاغطة على الساسة واصحاب الايدولوجيات بكافة اشكالها فلم يعد خافيا على الناس التحقق من التزييف والتغييب المتعمد وبذلك بدأ العالم يشهد تكون الضمير الجمعي الذي يسمو الى سيادة القيم الانسانية.
وسناخذ بعض الامثلة من حقول مختلفة ليتضح مدى الفاعلية والسرعة في حجم التاثير الجماهيري.
فمثلا في مصر صدر كتابان للمفكر المرموق محمود ابو رية عن السنة النبوية في نهاية السبعينات من القرن الماضي ينتقد فيهما كثيرا من وسائل نقل الاحاديث والمحدثين داعيا الى اعادة النظر في الاحاديث النبوية ومناهج تدوينها وعلى الرغم من ان الكتابين قد صدرا عن دار المعارف المعروفة الا انهما لم ياخذا حيزا من الانتشار الجماهيري الواسع . وبعد مرور اكثر من اربعين سنة على تلك الدعوة شاهدنا وسمعنا بعضا من مقاطع وافلام اليوتيوب لخطب الشيخ الدكتور عدنان ابراهيم ودعوته لتجديد الخطاب الديني برمته الذي جاء متزامنا مع دعوات مشابهة للمفكر السعودي الشيخ حسن المالكي ثم تلا ذلك ظهور البرامج التلفزيونية التي يقدمها بعض الاعلاميين المصريين الكبار (بافعالهم وشجاعتهم وافكارهم التحررية)مثل اسلام البحيري وابراهيم عيسى وغيرهما وهم يكررون الدعوة نفسها ولكن بطرق مختلفة وبصورة فاعلة اكثر وبحماس وشجاعة قل نظيرهما ، متحملين التهديدات بالقتل والمثول امام المحاكم بدعوى ازدراء الاديان و خير شاهد على ذلك ما جرى للاعلامي المفكر المصري الشاب اسلام البحيري مؤخرا.
لقد اختزل هؤلاء القلة من الثائرين الزمن واثروا في عشرات بل مئات الالاف من الناس وغيروا افكارهم السابقة ومن مختلف الاعمار والمستويات التعليمية وبسرعة فائقة قياسا بايام محمد عبدة وجمال الدين الافغاني وعلي عبد الرازق وطه حسين ونصر حامد ابو زيد . واصبح فعل المعاصرين الشباب اشد تاثيرا من اولئك القدماء واكثر نفعا بفضل وسائل الاعلام الحديثة.
وهناك مثال اخر من المملكة المتحدة بدأ مباشرة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية مع المستشرق ذي الميول الصوفية جون ارثر اربري الذي قدم مشروعا بالتعاون مع اليونيسكو دعا فيه الى اعادة قراءة الشرق مرة اخرى قراءة انسانية قوامها النظر الى البشر والثقافات المختلفة نظرة الاحترام والمساواة وعدم الانجرار خلف المطامع النفعية السياسية التي تسبب الكوارث والحروب لبني البشر . دعا الى ان يكون الخطاب الاستشراقي بعيدا عن الايدولوجيا السياسية وان السياسة نفسها يمكن ان تسهم في الحل ويجب ان لا تكن اداة من ادوات خلق الحروب والازمات من اجل ان تنعم طبقة او اقلية من البشر بالرفاهية على حساب الطبقات الاخرى ذات الاغلبية الساحقة. وبعد مضي اكثر من نصف قرن على تلك الدعوة نشاهد اليوم ان الحياة بدأت تدب في تلك الافكار من جديد وبفضل وسائل الاعلام الحديثة التي قاربت بين الاشياء بمختلف النواحي . فها هو زعيم حزب العمال البريطاني جيرمي كوربن يدعو وباصرار في كل يوم مكررا تلك المفاهيم التي طرحها اربري قديما ولكن هذه المرة يخرج الصوت من ميدان السياسة نفسه عندما انتقلت الافكار من ميدان الاستشراق الذي اراد ان يناى بنفسه عن الاعيب وايدولوجيا السياسة الى ان يتحول ميدان السياسة نفسه الى ساحة لطرح الافكار الاستشراقية الانسانية وهذه تعد نقطة تحول فارقة في عالمنا المعاصر عموما وفي الخطاب السياسي البريطاني المعاصر . فعندما يعرف كوربن السياسة بقوله: السياسة هي المودة والقيم والمبادئ. وعندما يلح مكررا على المطالبة بانتشار قيم العدل والمساواة في مجتمع قد رفع الديمقراطية شعارا له منذ قرون خلت ، يجب ان نصغي جيدا لنفهم معنى ما يقوله كوربن لكي نفقه الى اين سيؤول فكر الطغيان المادي النفعي في السنوات القليلة القادمة وفي ظل افاق من التطور الهائل في وسائل التواصل الاجتماعي والاعلامي الحديثة. وهناك عشرات الامثلة على تكون الضمير الجمعي بسبب تلك الوسائل ولكني ساكتفي بمثال قصير اخر:
لقد اجرت قناة ال(بي بي سي العالم ) قبل حوالي سنة مقابلة مع الاعلامية الامريكية ساره جيس تحدثت فيها عن الاسباب الكامنة وراء الارهاب وما يجري في الشرق الاوسط. ودعت الساسة الغربيين –اذا ما ارادوا حقا التخلص من الارهاب- الى قطع مصادر الارهاب والضغط على الدول التي تدعي محاربة الارهاب وهي الداعم والممول الحقيقي للارهاب فكرا ومالا . وعلى الرغم من انها لم تذكر صراحة تلك الدول بالاسم الا اننا نشاهد اليوم ونسمع الصيحات تعلو من منابر البرلمانات الاوربية معلنة صراحة اسماء تلك الدول الداعمة مطالبين بضرورة مكافحة الفكر الداعشي الارهابي اولا ومحاسبة الداعمين له ثانيا لكي يعيش العالم بسلام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مزارع يتسلق سور المسجد ليتمايل مع المديح في احتفال مولد شبل


.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت




.. #shorts - Baqarah-53


.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن




.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص