الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انجلز إلى ب. لافروف، لندن

فريدريك انجلز

2015 / 12 / 3
الارشيف الماركسي


مراسلات ماركس-انجلز: الرسالة 50 — انجلز إلى ب. لافروف، لندن


1875

-50-

انجلز الى ب. لافروف، لندن

لندن، 12 (17) تشرين الثاني/نوفمبر 1875

عزيزي السيد لافروف!

أخيرا، وبعد عودة من رحلة إلى المانيا، طالعت مقالك (1) بمزيد من الاهتمام. واليك ملاحظاتي المتعلقة به، التي كتبتها بالألمانية حتى يتاح لي ان أكون اكثر ايجازا.

1-انني أقبل من المذهب الدارويني بنظرية التطور، ولكني لا أعتبر منهج داروين في بالرهان (الصراع من أجل البقاء، الانتخاب الطبيعي) سوى تعبير أولي، تعبير مؤقت، ناقص، عن واقعة تم اكتشافها. فحتى داروين، كان الناس لا يرون في كل مكان الآن سوى الصراع من اجل البقاء (فوغت، بوخنر، موليشوت، الخ) كانوا هم أنفسهم يؤكدون وجود العمل المتناسق للطبيعة العضوية، وينوهون كيف ان عالم النبات يقدم لعالم الحيوان الاوكسجين والغذاء، وكيف يقدم عالم الحيوان مقابل ذلك للنباتات السماد وحامض الفحم، وهذا ما ابرزه بوجه خاص لا يبيغ. ولكلا التصورين ما يبرره بنوع ما وإلى حد ما. لكن كلا منهما يضارع الآخر ضيق أفق وأحادية جانب. فتفاعل الاجسام الطبيعية –الحية والميتة- يستدعي التناغم بقدر ما يستدعي الصراع، ويستلزم النزاع بقدر ما يستلزم التعاون. وعليه، إذا ما أباح عالم طبيعيات مزعوم لنفسه ان يلخص كل غنى التطور التاريخي وكل تنوعه في صيغة ضيقة الأفق وأحادية الجانب، صيغة «الصراع من أجل البقاء»، وهي صيغة لا يمكن القبول بها حتى في مضمار الطبيعة إلا مع حبة ملح (أي مع بعض التحفظ)، فان هذه الطريقة تشتمل في ذاتها على إدانة ذاتها.

2-من بين الداروينيين الثلاثة الراسخي الايمان (2) المشار اليهم، يبدو ان هلفالد هو وحده الذي يستأهل ان يؤتي بذكره. فما سايدليتز في احسن الأحوال سوى علاّمة خامل الذكر، وما روبير باير إلا مؤلف روايات تظهر الآن إحدى رواياته في الـ«Uber (عبر البراري والبحار)» «Landvnd Meer» تحت اسم «Drei Mal» (ثلاث مرات). وحذلقاته كافة هي هنا في محلها حقا.

3-من دون أن أماري في منهجك في النقد، الذي يمكن ان يوصف بأنه بسيكولوجي، كنت سأختار منهجا آخر لو كنت محلك. فكل واحد منا متأثر بقدر او بآخر بالبيئة الفكرية التي يتطور فيها. ومنهجك هو الافضل في أرجح الظن بالنسبة إلى روسيا التي تعرف فيها خيرا مما أعرف جمهورك، وبالنسبة إلى جهاز دعاية يخاطب حس الجماعة (2)، الحس الاخلاقي. أما بالنسبة إلى المانيا، حيث سببت عاطفية كاذبة وما تزال تسبب إلى اليوم ضررا منقطع النظير، فانه غير مناسب، وما كان ليلاقي تفهما، ولجرى تأويله بصورة عاطفية. ان الحقد عندنا اكثر ضرورة من الحب –في الوقت الراهن على الأقل- ومن الضروري قبل أي شيء آخر أن تمحى من الوجود آخر بقايا المثالية الالمانية وأن يعاد إلى الوقائع المادية حقها التاريخي. وعليه، سأهاجم –وقد أفعل ذلك إذا ما حانت اللحظة المناسبة- أولئك الداروينيين البورجوازيين على النحو التالي تقريبا:

ليس المذهب الدارويني عن الصراع في سبيل البقاء برمته سوى نقل لمذهب هوبز قلبا وقالبا من الميدان الاجتماعي إلى الطبيعة الحية: Bellum Imnium Contra Omnes (حرب الجميع ضد الجميع) (3)، وسوى استنساخ لأطروحة المزاحمة العزيزة على قلوب الاقتصاديين البورجوازيين والمربوطة بنظرية السكان المالتوسية. وبعد تنفيذ هذه الحركة البهلوانية البارعة (التي أماري في تبريرها المطلق، كما أشرت إلى ذلك في فقرتي رقم 1، ولاسيما فيما يتعلق بمذهب مالتاوس)، يعاد نقل هذه النظريات عينها هذه المرة من ميدان الطبيعة العضوية إلى التاريخ الانساني، مع الزعم بأنه قد تم البرهان على صحتها من حيث انها قوانين ابدية للمجتمع البشري. ان الطابع الصبياني لهذه الطريقة في العمل ظاهر للعيان، ولا حاجة بنا إلى هدر وقتنا في الحديث عنه. ولكن إذا كنت أريد مع ذلك أن ألح على هذا الموضوع، فسأفعل لك على النحو التالي: سأبيِّن انهم اولا اقتصاديون رديئون، وانهم ثانيا فحسب علماء طبيعيات رديئون وفلاسفة رديئون.

4-ان الفارق الجوهري بين المجتمعات البشرية والحيوانية يكمن في ان الحيوانات تجمع الادوات في الاكثر بينما يقوم البشر بانتاجها. يكفي هذا الفارق الجوهري وحده ليجعل من رابع المستحيلات تطبيق قوانين تصح بالنسبة إلى المجتمعات الحيوانية بصورة مباشرة وحرفية على المجتمعات البشرية. وهو يتيح امكانية ما لاحظته انت بحق: «ان الانسان لا يخوض كفاحا في سبيل البقاء فحسب، بل يناضل في سبيل لذته وفي سبيل زيادة لذاته… وهو على استعداد للنكوص عن المتع الدنيا في سبيل المتع العليا» (4)،ومن دون أن أماري في الاستنتاجات التي تستخلصها من ذلك فيما بعد، سألخص، من جانبي، إلى قول ما يلي انطلاقا من مقدماتي: ان الانتاج البشري يدرك اذن، في مرحلة معينة، مستوى عاليا لا يلبي معه الحاجات التي لا غنى عنها للحياة فحسب، بل ينتج ايضا منتجات كمالية حتى لو كانت وقفا، في البداية، على أقلية ما. الصراع في سبيل البقاء يتحول إذن، هذا إذا أردنا أن نعزو ولو لهنيهة من الزمن شيئا من القيمة لهذه المقولة، يتحول إلى كفاح في سبيل متع، لا في سبيل وسائل البقاء فحسب بل ايضا في سبيل وسائل التطور، في سبيل وسائل تطور منتجة اجتماعيا. وعلى هذا المستوى لا تعود المقولات المقتبسة من العالم الحيواني قابلة للاستعمال. لكن إذا أنتج الانتاج في شكله الرأسمالي، كما يحدث في الوقت الراهن، كمية من وسائل البقاء والتطور أكبر بكثير مما يستطيع المجتمع الرأسمالي استهلاكه، لأنه يقصي جانبا وعلى نحو مصطنع الجمهرة الكبرى من المنتجين الفعليين لوسائل البقاء والتطور هذه؛ وإذا كان هذا المجتمع مضطرا، بحكم قانون وجوده بالذات، إلى أن يزيد باستمرار هذا الانتاج المتجاوز الحد أصلا بالنسبة اليه؛ وإذا ما اضطر بالتالي، وبصورة دورية كل عشر سنوات، إلى أن يدمر لا كتلة من المنتجات فحسب بل قوى منتجة ايضا، فأي معنى يتبقى في هذه الحال لكل الخطب عن «الصراع في سبيل البقاء»؟ ان الصراع في سبيل البقاء لا يمكن في هذه الحال ألا أن يكمن في ما يلي: ان تنتزع الطبقة المنتجة قيادة الانتاج والتوزيع من الطبقة التي كانت مولجة بعبء هذه المهمة والتي اصبحت عاجزة عن حملها –وتلكم هي بالتحديد الثورة الاشتراكية.

ملاحظة عارضة: ان مجرد النظر إلى التاريخ حتى أيامنا هذه على انه سلسلة من صراعات الطبقات يكفي ليظهر كل السطحية التي ينطوي عليها التصور الذي يريد ان يجعل من هذا التاريخ صراعا في سبيل البقاء لا يحتوي على اي تنوع تقريبا. وعليه، لن أقدم هذه المتعة لعلماء الطبيعيات المزيفين هؤلاء.

5-للسبب نفسه كنت سأصوغ بطريقة مختلفة جملتك، من حيث المضمون بالذات: «ان فكرة التضامن التي تجعل الكفاح اكثر سهولة أمكن لها في نهاية المطاف أن تنبجس… ان تستولي على البشرية قاطبة، فتجعلها متعارضة بالتالي، من حيث انها مجتمع أشقاء متضامنين، مع مملكة الجمادات والنباتات والحيوانات» (5).

6-على النقيض من ذلك، لا أستطيع أن اتبنى فكرتك التي تنص على ان «صراع الجميع ضد الجميع» (5) كان المرحلة الأولى في التطور الانساني. ففي رأيي ان الغزيرة الاجتماعية كانت واحدا من المحركات الرئيسية للتطور الذي يقود إلى الانسان بدءا من القرد. ولا بد ان البشر الاوائل عاشوا في شكل جماعات، ومهما أمكن لنا ان نوغل صعدا في الماضي فسنجد ان هكذا كانت الحال.

(17 تشرين الثاني/نوفمبر). قوطعت من جديد، وهأنذا أعود إلى هذه السطور اليوم لأبعث بها اليك. انت ترى ان ملاحظاتي تنصب بالأحرى على الشكل، على طريقة هجومك، أكثر مما تنصب على المضمون. آمل أن تجدها على درجة كافية من الوضوح، فقد كتبتها على عجلة، ولقد كان بودي، حين أعدت قراءتها، ان أغير الكثير من الكلمات، لكنني أخشى ان أجعل المخطوط بذلك لا يقرأ…

تحياتي القلبية، ف. انجلز

رقن الموقع الالكتروني: الطلبة الثوريون أنصار تيار المناضل-ة

احالات 1875

1-المقصود مقال ب. لافروف «الاشتراكية والصراع في سبيل البقاء» المنشور في صحيفة «فبيريود» في 15 أيلول/سبتمبر 1875.

2-بالروسية في النص.

2-بالروسية في النص.

3-تعبير لهوبز استخدمه في عدد من كتاباته.

4-بالروسية في النص.

5-بالروسية في النص.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري


.. عمران خان: زيادة الأغنياء ثراء لمساعدة الفقراء لا تجدي نفعا




.. Zionism - To Your Left: Palestine | الأيديولوجية الصهيونية.


.. القاهرة تتجاوز 30 درجة.. الا?رصاد الجوية تكشف حالة الطقس الي




.. صباح العربية | الثلاثاء 16 أبريل 2024