الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أصبحت (مقاتل) الشيعة العراقيين في زمن حكم الشيعة تُبث على الهواء مباشرة

حسين كركوش

2015 / 12 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


في (مقاتل الطالبيين) ينقل أبو الفرج الأصفهاني ما يلي :

" وحمل شمر- لعنه الله – على عسكر الحسين ، فجاء إلى فسطاطه لينهبه ، فقال له الحسين : ويلكم ، إن لم يكن لكم دين فكونوا أحرارا في الدنيا ، فرحلي لكم عن ساعة مباح ، قال : فاستحيا و رجع ."

تعبير " استحيا ورجع " غائب في تعامل السياسيين الشيعة الذين يقودون الحكم في العراق ، و الذين يؤكدون أنهم جاءوا لبناء دولة و لنشر ثقافة لا مكان فيهما بعد الآن لثقافة (الشمر) وسلوكه وتفكيره.
لقد فشلوا في أول اختبار لهم، أي منذ الأيام الأولى لوصولهم للحكم، ولم يترجموا على الأرض ما كانوا ينادون بها من مبادئ نبيلة.

لا الحياء موجود عندهم ولا التراجع. حتى فيما بينهم أنفسهم. إنهم فشلوا في الاختبار والتجربة حالما تيقنوا أن (الفسطاط) الذي يُراد نهبه هذه الأيام يعني الدولة بكل أبهتها ، و يعني مليارات من الدولارات لا يستطيع أن يحصل عليها إلا من يشهر سيفه قبل الآخر.

العراق في ظل حكم الأحزاب الشيعية منذ سنة 2003 ما يزال يحكمه، سياسيا وأخلاقيا، السيف. (والسيف هنا رمز للعنف و لكل أنواع الأسلحة الفعلية والمعنوية التسقيطية).

الفرق الوحيد هو أن السيف هذه المرة أصبح استخدامه سهلا و شائعا، وأضحى نصله مطليا بالذهب و غِمده مرصعا بالياقوت، وصار وسيلة ينحر بها الشيعة بعضهم البعض الآخر، قبل أن كانوا يقولون انه وسيلة لنحر الشيعة فقط من قبل أعدائهم.

وألا ، ماذا يعني ان يشهر نائب شيعي في البرلمان وعضو في الائتلاف الشيعي مسدسه ويطلق منه النار على سياسي شيعي ينتمي مثله لنفس الائتلاف الشيعي داخل مبنى تلفزيوني جاء إليه الاثنان أصلا ليتحاورا ، لا ليتقاتلا ؟

إنه يعني أن (الحوار) أكذوبة كبرى لا وجود لها و نابت عنه لغة المسدس. ويعني ان الائتلاف الشيعي ليس أكثر من مجموعة عشائر متقاتلة وحّدتها المصالح ، لكن ظلَ كل طرف فيها يشهر سلاحه وهو يردد : إن كان حكم العراق لا يستقيم إلا بذبح حليفي في الائتلاف ، فيا سيوف خذيه.
ويعني أن السياسيين الشيعة الذين يحكمون العراق تفوقوا في فقدان المروءة والشهامة حتى على من يقولون إنهم أعدائهم العقائديين.

هل نحن بحاجة ليطلق هذا البرلماني الشيعي النار من مسدسه بوجه حليفه وزميله الشيعي حتى نعرف أن العراق، الذي يقوده الشيعة، يحكمه المسدس ؟

قطعا لا.

المسدس حسم خلافات (الأشقاء) الشيعة في البصرة وفي النجف وفي معركة الزركة.

وآخر مرة تم فيها التهديد باستخدام المسدس عندما هدد رئيس الوزراء السابق بفتح أبواب جهنم (بالطبع ، امام حلفائه الشيعة داخل الائتلاف الشيعي لأنهم هم الذين أبعدوه عن الولاية الثالثة). وعندما لم يف بوعده وينفذ المجزرة، فليس لأنه كان غير راغب ولكن لأنه غير قادر.


أما قضية اختيار شخص لرئاسة التحالف الشيعي فما تزال شاغرة ، و دونها خرط القتاد ، رغم أن " الفسطاط " نفسه (العراق) يواجه هذه الأيام مصيرا مجهولا.

هل ستكون هذه الحادثة التلفزيونية هي الاخيرة ؟ أبدا لا.

هل تقود هذه الحادثة لمراجعة عميقة وشاملة تعيد المؤتلفين – المتقاتلين في الائتلاف الشيعي إلى رشدهم وتجعلهم يفكرون بعقلية وطنية شاملة وعقد تحالفات جديدة عابرة للطوائف ، تُبقي العراق موحدا ، حتى لو انفرط عقد الائتلاف ؟ مستحيل.

لقد حدث ما هو أعظم منها ولم تحدث أي متغيرات.

أعضاء الائتلاف الشيعي يدركون أن انفراط عقدهم رسميا وبطريقة حاسمة قاطعة ، يعني فقدانهم جميعا دجاجة السلطة والحكم التي غنموها في ضربة حظ تاريخية لن تتكرر أبدا ، و التي تبيض ذهبا ومليارات وأبهة وبهرجة وشهرة.

وهنا ، بالضبط ، تكمن معضلة العراق الكبرى ، حاليا.

يوجد ائتلاف شيعي دانت له قيادة البلاد بانتخابات ديمقراطية وليس بانقلاب عسكري. لكن هذا الائتلاف فشل في امتلاك تصور واضح قاطع لهوية الدولة التي يقودها والمجتمع الذي يريد بنائه. ولا يملك تصورا واضحا عن المستقبل الذي يريد خلقه.

هذا عن فشل مشاريع الحاضر والمستقبل.
أما فيما يخص (الماضي) فأن هذا الائتلاف يقول إنه وصل إلى الحكم ليصححه و ليتجنب تكرار ما حدث في القرون الماضية من ظلم طبقي ، و اضطهاد سياسي ، ونهب لبيت المال ، وتهميش اجتماعي ، و تهتك اخلاقي. وهي مظالم حدثت فعلا.
لكن محصلة السنوات العشر الماضية لم تقدم حلولا أفضل ، اللهم ألا في (الشكليات) الاستعراضية. الائتلاف ظل يركز على محطات تراجيدية محددة وقعت في الماضي. وهي مأساوية فعلا وحزينة حقا. لكن الائتلاف يركز عليها بطريقة تصل حد الهوس ، لا لمنع تكرارها ، وإنما لاستخدامها وسيلة لتخدير الناس وأضعاف يقظتهم وتدمير وعيهم حتى ينسى الناس الحاضر التراجيدي المرير ، ويشغلون أنفسهم بالماضي وحده.
والسياسيون يفعلون ذلك بسبب فشلهم وعجزهم من تقديم بدائل وحلول إيجابية جديدة، فيهربون، ويحثون الناس أن يهربوا معهم من الحاضر إلى الماضي.

فما حدث خلال عشر سنوات من حكم الائتلاف لا يتقاطع وإنما يتماشى مع ما حدث من مظالم خلال القرون الماضية.

ويكفي لإثبات ذلك أن المرجعية الشيعية في النجف لا شغل لها ولا عمل منذ عشر سنوات إلا شجب ما يحدث من ظلم في ظل حكومة يقودها الشيعة !

وهذه هزيمة وجودية كبرى للأحزاب السياسية الشيعية التي تقود الدولة، لأنها تعني إلغاء مبرر وجودها أصلا.

إن هذا الائتلاف يتصف بكل شيء ما خلا الائتلاف نفسه. أعضاءه يختارون شخصا منهم لقيادة البلاد، لكنهم بعد مرور ساعة على تنصيبه يطعنون في أحقيته في الحكم، ويظلون يشغلون أنفسهم طوال فترة حكمه، لا في أعمار البلاد وبنائها، وإنما في حياكة المؤامرات ضد صاحبهم الذي اختاروه.

بمعنى آخر، أنهم أقسموا أن يظلوا داخل الائتلاف، مهما صار ومهما حدث، لأن هذه الطريقة الوحيدة التي تبقيهم كلهم في السلطة. وفي الوقت نفسه أقسموا أن يعطل أحدهم أي قرار يتخذه الآخر ، حتى لو كانوا على قناعة أن قراره يفتح أبواب الجنة أمام العراقيين ، كي لا يُحسب النجاح له ويحصد وحده زعامة الشيعة (تذكروا ، على سبيل المثال ، ليس ألا ، ما حدث عند تقديم مشروع قانون البنى التحتية قبل سنوات).

ولأن الحال كما هي ، فأن ائتلافا كهذا غير قادر ، حتى لو أراد ، على تقديم رؤيا موحدة استراتيجية لإنقاذ البلاد من المأزق الذي وقع فيه، ومن الكارثة الكبرى التي تدفعه نحوها داعش وكل حلفاء داعش.

الشق الثاني من هذه المصيبة التي حلت بالعراق هي، أن هذا الائتلاف باق لعدة دورات انتخابية قادمة، وليس لدورة واحدة (هذا إذا ظل العراق الحالي كما هو، ولم يصبح ألف إمارة وإمارة ).

هذا الائتلاف الذي وصل (أكرر مرة أخرى) بانتخابات ديمقراطية، إنما تشكل وفاز في ظل ظرف اجتماعي ثقافي نفسي استثنائي وغير طبيعي.

ومنذ لحظة فوزه بالانتخابات الأولى، وعلى مدى عشر سنوات، عمل الائتلاف ما بوسعه، وأكثر، وعلى كل الأصعدة، لكي يظل الظرف الاجتماعي الثقافي النفسي هو نفسه لم يتغير.
طوال السنوات العشر الماضية اندثر رجال الشيعة العقلانيون الحكماء و نستهم الأجيال الجديدة : السيد محمد سعيد الحبوبي ، الشيخ الوائلي ، محمد رضا الشبيبي ، علي الشرقي ، محمد مهدي البصير ...
وبدأنا نشاهد (إذا صحت المشاهد التي نراها على الانترنيت) طقوس شيعية جديدة يضرب خلالها الناس أنفسهم ب "النعل" ويتمرغون داخل الاوحال والطين.
ولم نسمع سياسيا أو حزبا شيعيا ينتقد هذه الظواهر ، لان هولاء السياسيين يبحثون عن من يقول لهم "نعم" في الانتخابات ، ولا يهمهم كيف يكون.

وليس مزحة سياسية عندما ردت أطراف في الائتلاف بثقة عالية ، في مسعى منها لتسفيه المظاهرات الاحتجاجية التي بدأت قبل أشهر : سّيروا تظاهرات بالآلاف ، ثم ماذا ؟ فنحن قادرون على تسّيير تظاهرات مضادة بمشاركة ملايين وليس آلاف.

أليس هذا هو المأزق عينه ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عودة على النشرة الخاصة حول المراسم الرسمية لإيقاد شعلة أولمب


.. إسرائيل تتعهد بالرد على الهجوم الإيراني غير المسبوق وسط دعوا




.. بتشريعين منفصلين.. مباحثات أميركية لمساعدة أوكرانيا وإسرائيل


.. لماذا لا يغير هشام ماجد من مظهره الخارجي في أعمالة الفنية؟#ك




.. خارجية الأردن تستدعي السفير الإيراني للاحتجاج على تصريحات تش