الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الارهاب القاعدي – الداعشي ظاهرة اجتماعية ولدتها الانظمة الاستبادية الفاسدة

بهاءالدين نوري

2015 / 12 / 13
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



خيمت اجواء الرعب والقلق على الدول الغربية وعلى روسيا واستراليا وغيرها، خصوصا بعد سقوط الطائرة الروسية في سيناء وبعد العمليات الارهابية الاخيرة في باريس . ومما زاد من الرعب هو امتداد داعش جغرافيا الى بلدان أخرى في أسيا و أفريقا وحدوث التفجيرات الارهابية في المزيد من الدول كاليمن والسعودية وتركيا ومصر وليبيا وتونس وغيرها ، فيما ظلت الجهود الرامية الى طرد داعش من سوريا والعراق وليبيا تراوح في مكانها ، أوتتحرك ببطء . ويصرح أوباما وكاميرون وأخرون ان القضاء على الارهابيين يستغرق سنوات . بعد أن مرت 15سنة على تفجيرات 11 ايلول 2001 الارهابية في أمريكا وبعد اسقاط نظام طالبان و القاعدة في افغانستان .
هنا لابد من التذكير بأن حركة طالبان والقاعدة لم تنشأ ولم تستطع الاستيلاء على الحكم في أفغانستان الا كنتيجة للاتفاق والجهود المشتركة بين واشنطن والرياض وباكستان . انهم حفروا بئرا للنظام السوفيتي ولم يدركوا بأنهم سيقعون بدورهم في ذات الحفرة . وفي مجرى المساعي المكثفة للقضاء على القاعدة ، دون الاتعاظ بعبر التأريخ ، أوسعيا لصنع قوة قد يمكن استخدامها لتهديد واخراج البعض من الخصوم ، اقدم بعض الاوساط المخابراتية والدول الغنية على العمل لشق صفوف القاعدة وتوليد الابن الارهابي الجديد المسمى ( داعش ) ، زعما بأن هذا الاخير سينافس القاعدة ويتشابكان في صراع دموي لتصفية بعضهما . وبما أنه لم يعد هناك وجود لافغانستان محتلة ولا للنظام السوفيتي حتى يستهدف ايقاعه في البئر الجديدة فان المستهدف لن يكون سوى أصدقاء حافر البئر وحلفائه وبالتالي نفسه .
وأياكان الأمر فان السؤال الجوهري المطروح أمام الجميع اليوم هو : كيف السبيل الى القضاء على هذه التشكيلات الارهابية الغريبة ؟
وتتطلب الاجابة على السؤال المطروح آنفا أن نعرف أولا الأسباب المؤدية الى ظهور هذه التشكيلات الارهابية المعروفة باسم القاعدة وداعش ، وقد تظهر اشكال أخرى باسماء أخرى ايضا ؟
على امتداد التأريخ اقترن التقدم الاجتماعي بصراع عنيف بين القديم البالي من جهة والجديد النامي من جهة اخى . وشمل هذا الصراع كلتا ناحيتي البناء التحتي والبناء الفوقي . ففي مجرى هذا الصراع تطورت وسائل الانتاج الحرفية – اليدوية الى صناعة آلية ثم الكترونية ، وفي مجراه تغيرت العادات والتقاليد القبلية القديمة الى تلك التي تشاهد اليوم في المجتمعات المتقدمة ، وفيها تغيرت الدراسة والتعليم من كتاتيب تابعة للمعابد الى سلسلة شاملة من المدارس والمعاهد والجامعات الحديثة . وكانت هذه التطورات ما أصطلح على تسميته ب ( ظواهر اجتماعية ) حتمية الظهور . وليست ظاهرة الارهاب القاعدي – الداعشي الراهن الاواحدة من تلك الظواهر الاجتماعية المحتم ظهورها في المجتمع الدولي المعاصر . فالذي يجري اليوم في الساحات السياسية لبعض الدول الاسلامية وعلى المسرح الدولي انما هو فصل جديد من فصول التناقض والتصارع بين القديم البالي من جهة وبين الجديد النامي من جهة اخرى ، أي بين القوى الاجتماعية المحافظة التى ترفض التغيير وتصر على التمسك بأساليب الحكم البالية التي أكل عليها الدهر وبين القوى الاجتماعية التقدمية التي تريد أن يكون نظام الحكم اليوم متجانسا مع التطور العلمي – التكنيكي المعاصر ومتجاوبا مع متطلبات الحضارة الانسانية الحديثة . فهل يمكن الجمع بين هذين الطرازين من نظام الحكم ؟ هل يتوجب على الناس ان يتنازلوا عن حقهم في انتخابات ممثليهم الى البرلمان و المجالس المحلية ام يفرض عليهم مبايعة ( ابوبكر البغدادي ) الذي منح نفسه بنفسه لقب (( خليفة المسلمين )) كما كان ذلك قبل 14 قرنا ؟
هناك نقطة جديرة بالانتباه ، وهي اننا نعيش اليوم في ظروف عولمة متقدمة . فلا غرابة ان نجد التطرف و الارهاب ايضا كظاهرة عالمية . ويترتب على ذلك ان يكون الصراع ايضا عالميا ، اي بتضامن جهود الجميع من الدول المبتلاة بالارهابيين و من الدول الكبرى ذات القدرات العسكرية و المالية الضخمة .
ايا كان الامر فان العراق و سوريا و عدد من البلدان الاخرى تعاني اليوم اشد المعاناة من تطرف و ارهاب الاسلام السياسي . ولم تسلم الدول الغربية و روسيا و غيرها من هذا الخطر . فاين هي الثغرات الاساسية التي تسللت منها الزمر الارهابية الى هذه البلدان و كيف بقيت هذه الفترة و تنامت ؟
ما من شك في ان الثغرات الرئيسية كانت ثغرات سياسية لدي الانظمة التي حكمت في هذه البلدان ، و هي وجدت وتو سعت في هذه البلدان الشرقية المتخلفة منذ عشرات السنين المنصرمة ، في ظل حكام دكتاتوريين امثال صدام حسين و حافظ الاسد و حسني مبارك والقذافي و على عبدالله صالح .. الخ . وقد رحل هؤلاء الحكام متخلفين وراء هم الكثير من المشاكل والازمات المتنوعة . وحل محلهم لاحكام ديمقراطيون منصرفون الى الاصلاح الحقيقي بجد بل من نفس النمط السابق الفاسد ، من الاسلام السياسي او من نفس الجماعة السابقة مع فوارق غير جوهرية . رحل صدام حسين ليحل محله الاسلامي الطائفي الاستبدادي نوري المالكي و ذهب حسني مبارك ليحل الاسلامي المرسي ثم الضابط المباركي عبد الفتاح السيسي و رحل القذافي لتحل الفوضى في ليبيا ... الخ . و اذا كانت هذه الشعوب موحدة بعلمانييها و اسلامييها ضد حكامها المستبدين سابقا فان رحيل هؤلاء الحكام قد نقل الصراع الى ما بين الاسلاميين المدعومين من قبل قطر و دول خليجية اخرى وانقرة وطهران وبين العلمانيين المشتتين الضعاف المنهكين الذيين لم يدعمهم أي دولة . وعجزت معظم الاحزاب السياسية العلمانيية ، الموجودة في هذه البلدان منذ السابق ، عن لعب دور يذكر في العمل الجماهيري وحتى في الانتخابات البرلمانية لأن الجماهير الشعبية كانت تنظر اليها كاحزاب تابعة بشكل من الاشكال الى الانظمة الدكتاتورية السابقة . في حين ان حركات الشباب الشعبية التي ظهرت في النضال الجماهيري اثناء الثورات الشعبية العربية لم تملك من الخبرة السياسية والتنظيمية ماقد يوطدلها أقدامها ، فضلا عد ان الحكام الجدد ركزوا على محاربتها باعتبارها الخطر الأول – كما شاهدنا في مصر .
ان حكام هذه البلدان المبتلاة شعوبها بهم وبالدواعش لم يفعلوا مايكسب عطف واحترام شعوبهم لهم ، بل انصرفوا الى الفساد السياسي والاداري وسرقة اموال الدولة ، الى الاتجاهات الحزبية الضيقة ولم المحسوبين والمنسوبين حول انفسهم . وفكروا في كل شيء عدا الديموقراطية والاصلاح الحقيقي . فكيف تستطيع حكومة كهذه تعبئة وتحريك شعبها للقتال ضد داعش ؟ كيف تستطبع اقناع السوريين بحمل السلاح ضد داعش دفاعا عن نظام لم يكن أفضل من الدواعش طوال خمسين سنة من حكم آل الاسد ؟ كيف تثير حماس الشباب المصرى لمحاربة الدواعش بعد أن سرق دكتاتور عسكري ثورتهم مستغلا صراعات القوى العلمانية الديمقراطية مع الاسلاميين؟ هل ثار المصريون لطرد حسني مبارك من الباب ليعود زميل له من الشباك؟ هل من المنطق أن تنتظر من العرب السنة في الموصل أن يتصدوا للدواعش في ظل حكم طائفي استبدادي كرهه السنة العرب اكثرمن كرههم للدواعش . هل نريد من الموصليين العزل ان يتصدوا للدواعش، وقد انهار جيش المالكي دون اطلاق رصاصة وسلم كامل سلاحه الى الارهابيين؟ كيف نحمل الشباب الخليجيين على التصدي للدواعش وحكامهم لايزالون يحكمون البلاد بأساليب القرون الوسطى ومحاكمهم تحكم بالسجن والجلد على فتيات لمجرد ابداء رأي لم يرق للأمراء؟ من يستطيع اقناع الشبان العرب بمحاربة دواعش أبوبكر البغدادي ونحن في عصر الانترنيت و الحكام العرب الوان من الدواعش؟ كيف نطلب من الشبان المسلحين ان يحاربوا الدواعش، وهم محرومون من حقهم في ابداء الرأي وانتقاد الانظمة الفاسدة والحكام الفاسدين وحقهم في حرية النشر والتنظيم؟
تلكم هي الحقيقة. فالمشكلة، أولا وقبل كل شيئ، هي مشكلة الانظمة البيروقراطية الاستبدادية التي تمارس سياسة مثيرة لغضب الغالبية من الشباب وتحمل فئة منهم على البحث عن أي طريق لتغيير الوضع. فالدين ليس العامل الرئيسي لحمل الشباب على الانخراط في النشاط الارهابي. الدين يستغل من قبل البعض لتحريض الشباب المتخلفين سياسيا والباحثين عن أي سبيل لتغيير الاوضاع، أي تغيير الانظمة الراهنة بأخرى تتعامل مع الناس على منوال مغاير. خذوا العراق كمثل: بلد يبلغ عدد سكانه 36 مليون ويملك ثروة نفطية هائلة وتأسس جيشه النظامي منذ مايقارب مئة عام. فكيف امكن لبضعة مئات، أو بضعة ألوف من الارهابيين (الدواعش) أن يستولوا على مدينة كبيرة يقطنها اكثر من مليوني شخص وفيها قوات عسكرية نظامية جيدة التسليح، دون ان تتصدى تلك القوات العراقية وشبيبة الموصل وتطلق رصاصة واحدة ضد تلك العصابة؟ يستحيل ذلك اذا أخذنا الامر بالمنطق العسكري. لكن الأمر يكون بشكل مغاير تماما حين نتناوله بالمنطق السياسي. فالعراقيون عانوا عشرات السنين من دكتاتورية صدام حسين الفاشية وحروبها المدمرة حتى 2003 ليجدوا انفسهم لا في ظل نظام يوفر لهم الديمقراطية والأمن والاستقرار، بل في ظل حاكم طائفي مستبد يتابع سياسة سلفه من حيث الجوهر. فيما ان الجيش الموجود في الموصل عبارة عن لملوم فاسد جمعه نوري المالكي من بقايا جيش صدام الذي حله الحاكم الامريكي بريمر، اذ عرف أنه ليس جديرا بالبثقة في دعم سياسة مغايرة لنهج صدام الذي كان كبير الدواعش في بلده. وضد شعبه طوال 35سنة. ولم يكن بشار الاسد والقذافي وزين العابدين وعلي عبدالله صالح ومبارك الا نماذج، كل في بلده، لصدام حسين: لنأخذ مثلا آخر – حسني مبارك في مصر، حيث انتصرت ثورة الشباب في طرده من عرش تربع عليه 33 سنة وهيأ لتوريث الحكم الى ابنه. فما الذي حدث؟ حدث، أولا، ان تعاون السيسي مع رئيس الوزراء الاسلامي في صفقة سرية لاقصاء قائد الجيش المصري حسين طنطاوي الذي اتخذ موقفا حياديا أثناء الثورة على مبارك، وتسليم قيادة الجيش الى السيسي نفسه. وحدث، ثانيا، أن استغل السيسي الاوضاع المضطربة في مصر، بسبب الصراع بين الاسلاميين وبين العلمانيين وبسبب حماقة الاخوان المسلمين، ليقوم بانقلاب عسكري في حركة ردة أعادت ضابطا جديدا من جماعة حسني مبارك الى دفة الحكم، وسرقوا ثورة مصر من أهلها عن طريق انقلاب عسكري لم يكن سوى مؤامرة على الثورة. وكانت النتيجة مانراه اليوم من نظام شبيه بنظام مبارك وبلاد غارقة في الاضطرابات الدموية والتفجيرات الارهابية اليومية وحكومة معزولة عن الشعب وعاجزة عن حل مشاكلها المتنوعة وتزداد عزلتها على مرالأيام كما أكدت الانتخابات البرلمانية الاخيرة حيث قاطعها الشعب ولم يشترك في التصويت سوى مايقارب ربع الناخبين الذين صوتوا لمؤيدي حسني مبارك!
لو وجد في مصر والعراق نظام ديموقراطي مدعوم من الشعب لامكن لهما أن يضمنا الأمن والاستقرار في البلدان العربية المجاورة لهما أيضا وأن يقدما دعما مؤثرا للشعب الفلسطيني المنكوب. لكن كلا النظامين عاجزان عن توفير الصيانة لشعبيهما أيضا.
* * *
في ظروف العولمة المتقدمة اليوم، حيث تطورت المواصلات لدرجة خيالية وأصبح العالم اشبه بقرية صغيرة متلاصقة البيوت، أصبح من الطبيعي أن نرى الارهاب المتفاقم كظاهرة اجتماعية عالمية تشمل مختلف البلدان وتصدر الى شتى القارات ، بما في ذلك البلدان المتطورة في الشرق والغرب معا. وقد اكدت أحداث متلاحقة ، وآخرها سقوط الطائرة المدنية الروسية التي توفى فيها 224 شخصا والهجوم الارهابي في باريس الذي أدى الى مقتل 130 شخصا وعدد اكبر من الجرحى، أن تلك الدول ليست في مأمن من الارهاب. ويعود ذلك الى أسباب اهمها:
1- ان سيطرة الدول الاستعمارية لحقبة تأريخية طويلة على الشعوب العربية والاسلامية خلفت لدى هذه الشعوب ، وهي كانت متخلفة وتعيش مع العادات والتقاليد القبلية ، وما اقترن بها من اضطهاد وتجريح للكرامة الوطنية والاستقلال الاقتصادي ، .. ان كل ذلك قد خلف احقادا وأوضاعا نفسية معقدة لدى تلك الشعوب وغذى ثقافة الثأر ضدها، وبالاخض بسبب امتداد التسلط الاستعماري باشكال جديدة في سني مابعد حصول هذه البلدان على استقلالها وتشكيل انظمتها التي قادها اعوان وعملاء للاستعمار.
2-التخالط المتنامي سياسيا واقتصاديا وثقافيا وسكانيا بين الدول المتطورة من جهة والمتخلفة من جهة اخرى في ظروف العولمة المتقدمة وحاجة الدول الصناعية الى استيراد الايدي العاملة من البلدان المتخلفة للتعويض عما يترتب على ظاهرة تناقص السكان الاصليين، من جهة، والرغبة المتنامية لدى شبان البلدان المتخلفة الفقيرة للسفر الى البلدان المتطورة بحثا عن العيش الافضل وهربا من الفقر والحرمان والقمع السياسي.
3-تعطش الحركات الاسلامية ، سيما الاجنحة الاشد تطرفا ، الى السلطة ، بعد أن وجدت أمامها الجو مؤاتيا ، على اثر انحسار حركات اليسار السياسي في ساحة العالم الاسلامي، بالاخص بعد سقوط النظام السوفيتي في 1991، في حين يعتقد هؤلاء الاسلاميون المتطرفون بأن الدول المتطورة وما تقدمه من دعم للانظمة السياسية في البلدان المسلمة هي العائق امام الاسلام السياسي للوصول الى السلطة.
وهكذا فان الدول المتطورة قد غدت – شاءت أم أبت – طرفا في الصراع الدائر عالميا بين الارهابيين وبين الشعوب، بما في ذلك شعوب البلدان المتطورة. ولم تعد الدول المتطورة مخيرة في أن تحارب الارهاب أو لاتحاربه ، بل اصبحت ملزمة بالمشاركة في محاربته لأنها جزء من القضية ومن المحتم ان تدافع عن شعوبها ومصالحا المهددة من قبل الارهابيين.
أما كيفية مشاركتها في التصدي للارهاب فان ذلك قابل للنقاش ويختلف باختلاف ظروف الزمان والمكان، ففي سوريا الممزقة عسكريا وجغرافيا وسياسيا واقتصاديا يختلف الأمر عما في جارها العراق المنهك والمحتفظ للأن بقدر من التماسك بحكم انحصار نشاط الارهابيين في محافظات العرب السنة دون مناطق الشيعة والكرد. وفي ليبيا الممزقة المليئة بالفوضى يختلف الأمر مقارنة مع السعودية أو تونس. ومن المهم ان يحدد بصورة صحيحة اسلوب ومقدار الدعم الذي تقدمه الدول المتطورة في التصدي للارهاب.
ان مشكلة الارهاب في بعض البلدان ازدادت عمقا وتعقيدا بسبب أدوار موثرة للاعبين من خارج البلد أيضا. ففي سوريا لعبت الصهيونية الحاكمة المتمثلة في حكومة نتنياهو دورا مؤثرا فعالا، عبر التاثير على السياسة الامريكية ، لغرض الحفاظ على نظام الاسد المنهك الظعيف الذي لايشكل أى خطرعلى اسرائيل. وتناغم هذا الدور مع دور النظام الروسي، رغم تباين الاهداف بين موسكو وتلأبيب، كما تفاعل ذلك مع توجهات القوى الطائفية- الشيعية المتحالفة من علويي سوريا وجعفريي ايران ( رسميا و شعبيا ) والعراق ولبنان لدعم نظام الاسد، وزاد من تعقيدات الوضع بروز قوى فعالة سياسيا وعسكريا من الكرد الطامحين الى حقوقهم القومية المشروعة وتدخلات حكومة انقرة الخائفة من اي انتصار للكرد في سوريا خشية تاثير ذلك على وضع الكرد في داخل تركيا حيث يحمل حزب العمال الكردستاني ألسلاح منذ عشرات السنين مطالبا بالحقوق القومية.
يخطئ الرئيس أوباما عندما يعلن ويكرر أنه لن يخوض بقواته البرية أي قتال في العراق أو في سوريا . ويخطئ رئيس وزراء العراق حيدر العبادي عندما يعلن رفضه لدخول أي قوة عسكرية برية الى أرض العراق. فالفرصة اتيحت للعبادي خلال مايقارب سنة ونصف لكي يطهر ارض العراق من الدواعش، ولكنه لم يملك من القوى العسكرية المنظمة مايمكنه من تحقيق ذلك. على العكس من ذلك فان داعش هي التي هاجمت واستولت من جديد على مدنية الرمادي في أيار 2015. ولم يكن هناك أي سبب لعجز العبادي رغم الدعم الجوي للتحالف الدولي عن استعادة الارض المحتلة سوى ضعف قواته المسلحة المؤلفة من وحدات نظامية محدودة العدد و الكفاءة ومن ميلشيات طائفية لايمكن لها ان تعوض عن الجيش النظامي ولا يعرف من يصدر لها الأوامر السرية. فالتغلب على الدواعش بالسرعة المطلوبة يتطلب قبل كل شيئ تدخل وحدات نظامية تابعة للدول المتطورة ومؤلفة من كافة الصفوف ، بما فيه صنف القوات البرية والدروع. ويمكن أن تكون مشاركة القوة النظامية للدول المتطورة بشكل مختلف عن مشاركة الجيش النظامي المحلي. وكمثال على ذلك: لايستطيع الجيش المحلي (العراقي مثلا) انزال قوات خاصة لاقامة مرتكزات على الأرض يقطع بها الصلة بين الدواعش في العراق والدواعش في سوريا، أو أنزال قوات خاصة لضرب طوق كامل على مدينة الموصل عند هجوم القوات العراقية على المدينة، لكن القوات الخاصة من الدول المتطورة تملك القدرات الكافية للقيام بعمليات ناجحة من هذا القبيل. وقد تكون النتيجة توجيه ضربة قتالة الى مسلحي داعش في المنطقة أو المدينة. ان فكرة أوباما الاخيرة في نقل عدد محدود من القوات الخاصة الى العراق للقيام بعمليات خاصة فكرة صحيحة ولكن مع بعض التعديل والقول صراحة أن التدخل البري ضروري ليس من قبل امريكا وحدها، بل من قبل سائر الدول المتطورة أيضا ، وبالاخض الدول الكبرى فالعمليات العسكرية التي قامت بها فرنسا خلال ايام ، حررت مالي من الارهابيين واعادت السلطة الى الحكومة التي كان قد أسقطها الارهابيون. ولم يكن بامكان القصف الجوي ان يحقق نتيجة كتلك ، في مالي وبخمسة آلاف جندي ، كما نرى في قصف قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن لسوريا والعراق والتحالف العربي بقيادة السعودية في اليمن. فالقصف الجوي يؤذي ولا يحسم ، والتدخل البري ضروري وليس من الكماليات .
اما الدول العربية التي تزيد عن عشرين دولة عدديا فانها ليست في وضع يؤهلها لتقديم عون عسكري جدي الى أي بلد ضد داعش. بل هي تستطيع في افضل الحالات و اقوى الدول منها الحفاظ على نفسها من الارهابيين. واعيد الاشارة الى حرب اليمن التي وصلت الى الركود والمراوحة بعد احراز بعض النجاحات في الفترة الاولى. والقرار الذي أتخذته الجامعة العربية حول تشكيل قوة عربية مشتركة لم يجد طريقه الى التنفيذ، فالانظار تظل متجهة الى التدخل البري من الدول المتطورة اذا أريد القضاء على الارهابيين أو اضعافهم وعدم ابقاء مدن وقواعد تحت تصرفهم.
أختم المقال بالتأكيد على ان خير السبل لقطع دابر الارهاب والوصول الى بر الامان في بلدان العالم العربي والاسلامي انما هو طريق الاصلاح السياسي- الاقتصادي- الاجتماعي واقامة نظام ديمقراطي حقيقي يتعايش في ظله جميع مكونات المجتمع من قوميات وطوائف واديان في وئام وتآخ واعتراف متبادل بحقوق بعضهم كما تعيش القوميات الثلات مع بعضها في سويسرا. وسيوفر ذلك الامن والاستقرار ويفتح الطريق لمعالجة المشاكل وتوفير العيش الكريم للمواطنين وانهاء التهالك على الهجرة المحفوفة بالمغامرات للوصول الى أوروبا بأمل الحصول على اللجوء. ان الديمقراطية هي الحل الافضل والمضمون لمشاكل جميع البلدان العربية والاسلامية. وفي ظل الديمقراطية يمكن حل المشاكل المتنوعة من منطلق التأخي والتعايش ونبذ العنف والارهاب.
وبالنسبة للعراق يمكن حل المشاكل بنبذ الطائفية وتعايش المكونات في ظل عراق فيدرالي ديمقراطي ينهي الحكم الفردي البيروقراطي ويجعل من صناديق الاقتراع حكما لحل المشاكل. وهذا هو الحل الافضل والضمان الاكيد لتهزيم قوى الشروالارهاب وبلوغ الامن والاستقرار. أما اذا لم يتحقق ذلك فان الصراعات الدموية، الطائفية والقومية والدينية ستستمر بهذا الشكل اوذلك والارهاب يبقى حتى دون وجود للدواعش والقاعدة، ولامفر في نهاية المطاف من انقسام البلاد الى ثلاث دول – شيعية وسنية عربية وكردية.
كردستان العراق
10 / 12 / 2015








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاب كويتي «مبتور القدمين» يوثق رحلته للصلاة في المسجد


.. القبض على شاب هاجم أحد الأساقفة بسكين خلال الصلاة في كنيسة أ




.. المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهدافها هدفا حيويا بإيلا


.. تونس.. ا?لغاء الاحتفالات السنوية في كنيس الغريبة اليهودي بجز




.. اليهود الا?يرانيون في ا?سراي?يل.. بين الحنين والغضب