الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أحلام عباس زوره

صادق البصري

2015 / 12 / 13
الادب والفن


أحلام عباس زوره

يعيش - عباس زوره - مع أولئك الناس الذين يقيمون اليوم في بيوت على ( ارض التجاوز) أو ما يسمى اصطلاحا بأحياء التنك أو تلك العشوائيات التي بنيت عنوة على ارض تابعة للدولة خارج المدن بدون ترخيص في البناء .
تجمع تلك المساكن رجال ونساء وأطفال وشيوخ وعجائز ، يخرج الرجال والصبية مع بزوغ الفجر ويعودون مساءا إلى البيوت ،
في أماكن أعمالهم لايفكرون أنهم يسكنون بيوت التجاوز ولا يصرحون بذلك ، يعود عباس زوره ليجد إن زوجته أعدت له وجبة عشاء يأكل نصفها ويترك ما تبقى لأطفاله ومن ثم يتحدث مع زوجته عن يوم عمله وما صادفه من حوادث ، ويتطرق إلى طموحاته وآماله وخططه المستقبلية ويشمل الحديث الأطفال وسؤاله عن مدارسهم البعيدة المكتظة ، وبعد إن يفرغ يقلب قنوات التلفزيون بشيء من اللامبالاة وتبهره تلك الألوان والصور وحياة الناس والحوادث والكوارث والحروب والتفجيرات والجرائم المروعة التي تحدث هنا وهناك فيستقر أخيرا على قناة الحيوانات - كما دأب على تسميتها- والتي كان يفضلها من بين أكثر من ألف قناة تلفزيونية حيث تمنحه لساعة استقرارا نفسيا بعد إن تطارده تلك المشاهد المروعة والأخبار السياسية وقنوات الوعظ الديني ولعلعة أصوات المحللين التي يقرف من متابعتها ، يستقر على قناة الحيوانات وغالبا ما تستهويه لأنها تتسم بالهدوء وظرف الحيوانات وتنقلها في الغابات ووسط المساحات الخضراء وحريتها التي لا تحدها حدود كما يراها ، ويشغله طرق كسبها لقوتها وطرق تزاوجها وكدحها وحرصها على مواليدها ، وبعد إن تثقل جفونه يقول لزوجته تصبحين على خير بعد إن يخلد الأطفال للنوم ، هكذا في كل يوم عباس زوره يشتاق إلى النوم الذي يوفر له أحلاما بالأرض الواسعة الخضراء وفتاة حسناء وينبوع ماء وأشجار فاكهة قطوفها دانية ، وهو بذلك يكون فارس أحلامه بصورة لم يسبق لها مثيل تقريبا ، عندما ينام فانه يجد نفسه وسط مزرعة شاسعة يسير ساعات وساعات دون إن يصل إلى نهاية ، يرى في سمائها الطيور بألوان مختلفة وهي تحلق ، وأشجار الفاكهة ويقابل الحيوانات التي تتقرب منه بتودد وألفة ، يتنقل عباس زوره من مكان إلى مكان في مزرعته الشاسعة الحلم ، يقطف الفاكهة ويغرف من ماء النبع ومن ثم ينتقل إلى كوخه وسط المزرعة ليلاقي فتاته الحسناء يداعبها ويتبادل معها القبل وتحدثه بلغة يفهمها وحده بلهجة ساخرة ، يتضاحكان ويتبادلان النكات ثم ينزويان في كوخهما الصغير ليمارسا الحب في وداعة تامة ، وفي مرة من رحلات احلامه عباس زوره أصبح يرى أثناء تجواله وهو في مزرعته الشاسعة رجال غلاظ بلحى يرتدون ملابس غامقة يحملون بأيديهم الفؤوس والمطارق ونساء متوسطات في العمر دميمات بأردية سوداء يقفن في باب الكوخ يطيلن النظر إليه عن بعد ،وبعضهن يتجولن في المزرعة وحولهن صبية يزعقون ويثيرون الضوضاء يقتربن أحيانا منه بلا كلام ونظرات الغضب تشع من عيونهن ، ثم يجرين وكأنهن أ أشباح لاترى ولكنهن يقفن أحيانا لبرهة في مكان قرب ساقية النبع متوعدات يلوحن بأيديهن بغضب ويكيلن بالشتائم له، وهن يرتدين أردية سوداء وجوارب سوداء ويتلفعن بملاءآة سوداء ،ومن شدة هلعه يهرب عباس زوره وفي اللحظة ذاتها يسدل الستار على حلم ليلته تلك .

عندما يكون عباس زوره منشغلا في عمله فانه ينسى تلك الأحلام ولا يشغله سوى عمله ولكنه عندما يعود إلى مسكنه في حي التجاوز والذي حصل عليه بشق الأنفس إذ باع كل ما يملك وما ادخره وما استدانه ثمنا له إذ إن لبيوت التجاوز أيضا أثمان حيث سلم الشيخ مبلغا من المال نظير قطعة الأرض الصغيرة التي بنى عليها غرفته وكان قد استحوذ الشيخ على ارض كبيرة خارج المدينة نظير لاشيء وباعها بالأمتار على زوره وأشباه زوره ممن يتعذر عليهم شراء بيوت ضمن التصميم الرسمي في المدن ، وشرط عليهم ذلك الشيخ انتخابه إن هو ترشح لمجلس النواب ، وكرد للجميل يقوم هؤلاء الناس بانتخاب الشيخ وأتباعه في كل انتخابات . قال عباس والشيخ في المقابل يضمن بطرقه الخاصة وعلاقاته عدم مسائلة الدولة أو أي سلطة لهم لتجاوزهم وضمان عدم ترحيلهم أو تهديم منازلهم .
أكثر ما يشغل عباس زوره هو الحلم لأنه ملاذه الوحيد وكيف انه تحول ألان إلى كابوس بعد إن ظهرت تلك الوجوه المرعبة ومطاردتها له ، وكيف يعود إلى حلمه الجميل ؟ تذكر وأنت تسكن هذه المدن
عليك بإقامة علاقة جوار وثيقة مع الموت
أكثر من أي شيء آخر ..
وهكذا يعود عباس زوره لمسكنه في حي التجاوز بعد عناء عمل يوم شاق يبدأ يتناول عشاءه ثم يجلس مع زوجته وأطفاله يتبادلون الحديث عن الآمال والطموحات وما صادف في يومه ويتحدث مع الأطفال عن مدارسهم البعيدة المكتظة ، ومن ثم يقلب قنوات التلفزيون بشيء من اللامبالاة تعود لتبهره تلك الألوان والصور ويطمئن إن الحروب لا زالت قائمة والتفجيرات والكوارث مازالت مستمرة وحياة الناس في باقي الأصقاع لا تختلف عن حياته ، الناس تركض مثله بالضبط لسد الرمق ، وان النساء لا تختلف عن امرأته بشيء ، فيستقر أخيرا إلى قناة الحيوانات تلك التي يعشقها وهو يفكر في الحلم ، وبعد إن تثقل جفونه يتمنى لزوجته ليلة هانئة بعد إن يخلد الأطفال للنوم ليرى ماذا حل بمزرعته وبفتاة أحلامه ونبع الساقية والطيور وخبر الوجوه المرعبة الأشباح والفؤوس والمطارق واللحى والأردية السوداء والنساء الدميمات التي تحتل حلمه إذ إن الأموات لهم البقاء يمثلون الوقت الذي لا نهاية له حتى في الأحلام .,








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج الاردني أمجد الرشيد من مهرجان مالمو فيلم إن شاء الله


.. الفنان الجزائري محمد بورويسة يعرض أعماله في قصر طوكيو بباريس




.. الاخوة الغيلان في ضيافة برنامج كافيه شو بمناسبة جولتهم الفني


.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء




.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في