الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التعارض بين العقل والإيمان، إلى أين يقودنا؟

ناصر ثابت

2015 / 12 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


التعارض بين العقل والإيمان، إلى أين يقودنا؟
بقلم ناصر ثابت

الدكتور خضر محجز، وهو شاعر وروائي وناقد أدبي وباحث في التاريخ من غزة، وضع على صفحته على الفيس بوك مقولة هامة، وهي كما يلي: " ليس بإمكان العقل وحده أن يتوصل إلى معرفة الإله، كما أنه ليس بإمكانه أن يثبت عدم وجوده. فتلك مسألة خارج الاختصاص، أو فوق الاختصاص. من هنا فمصدر الإيمان غيبي، هو الحدس أو الشعور الغامض بحتمية الوجود."
انتهى الاقتباس.
الجملة: ليس بامكان العقل أن يثبت وجود الإله، كما ليس بإمكانه إثبات عدم وجوده، تشكل مقولة من شقين تحتاج إلى إثباتين منفصلين.
لكن لو اعتبرناها فرضية وسلمنا بصحتها،، فيمكننا استخدامها في محاولة اثبات أشياء أخرى.
مثلا: ليس بإمكان العقل إثبات وجود الغول، وليس بإمكانه اثبات عدم وجوده
وليس بإمكانه اثبات وجود العنقاء ولا اثبات عدم وجودها
وهذا من الممكن أن ينطبق على أي شيء لم ندركه بالحواس
ولكن من أين أتت الفكرة أصلا؟
أقصد الغول.. العنقاء.. الإله... الجنة.. النار... الخ؟
الجواب: صنعها العقل حتى يغطي قصوره الخاص في الوصول إلى نتيجة مقبولة
أو صنعها من أجل المتعة
أو صنعها من أجل أن تقر نفسه لأشياء تشغله
مثلا.. الغول والعنقاء قصص ابتكرها العقل البشري حتى يصنع الحكايات والاساطير ويجعلها غاية في الغرابة والغموض.
مثلا.. الجنة والنار (أو بشكل عام المصير بعد الموت) ابتكرها الإنسان لإراحة نفسه والإجابة عن السؤال الذي كان وما زال يشغله بشكل مهين: ما الذي يحدث لنا بعد الموت؟
الضعف الشديد الذي اصابه عندما حاول الإجابة قاده إلى أن يخترع شيئاً ما... حتى يجيب به نفسه.
نظر حوله فوجد الظلم والعذاب: وجد الإنسان يظلم أخاه الإنسان، وغالباً لا يلقى المذنب عقابه لتجبره وقدرته على الفرار بفعلته.. فاخترع شيئا يريحه أن هذا المذنب يموت ويجد حسابه هناك ويودع في النار.. في جهنم كما كانت تسمى في التوراة، ثم تبعها القرآن. وفي نفس الوقت أراد أن ينصف المظلوم فاخترع العقل قصة أن هذا المظلوم يُجزى جنة لم ير أحد مثلها (في الوجود الحالي)... يخلد فيها إلى مالانهاية.
هذه الاختراعات أوجدها الإنسان للإجابة عن السؤال الخطير: ما الذي يحدث بعد الموت؟
فهو لم يستطع أن يتقبل فكرة اللاشيء.. أو فكرة عدم وجود إجابة على سؤاله.. فأراح نفسه بطريقة أو بأخرى.
مرة أخرى:ليس بإمكان العقل إثبات وجود الجنة والنار وليس بإمكانه إثبات عدم وجودهما... وهذه النظرية لا تفيد في الإيمان. إلا إذا أيقنا أن الإيمان هو إقرار داخلي بعيد عن العقل.
وكل شيء بعيد عن العقل يصعب إثباته أصلاً... ويصعب عدم إثباته...
هل الله موجود أم لا؟ لا نعرف... وعدم المعرفة يشكل بحد ذاته اجابة نصف شافية... أو أنه نصف الحقيقة
الحقيقة هي في أن نجزم او نؤكد الوجود أو عدم الوجود، ولكن هذا صعب. بل مستحيل... او أنه غير متوفر عندنا حتى هذه اللحظة.
ومن هنا نستطيع أن ننقل النقاش إلى درجة أعلى: هذا الإله الذي لا نستطيع أن نثبت إن كان موجودا أم لا... كيف يمكننا أن نقر بكل شيء جاء بعده؟
بمعنى: الفكرة نفسها تستولد أفكارا أخرى.. هناك اله وهناك ملائكة وهناك شياطين وهناك منظومة الثواب والعقاب والعدل والنشور والحساب وان الإله يراقبنا الإن وهو يريدنا أن نعبده وأوجدنا هنا فقط لعبادته وأقر لنا كل شيء حتى كيف نرث وكيف نحارب وكيف نعيش وماذا نفعل... الخ... الخ مما هو موجود في الكتب المقدسة عموما...
كل هذه الأمور قادمة من فكرة واحدة.. هي الإله. ولكن كيف نقر أن هذه الأفكار صحيحة وأن هذا المنتجات العقلية صحيحة وهي القادمة من (الإله الذي لا يستطيع العقل أن يثبت وجوده أم لا) بمعنى اننا نقر بعدم قدرة العقل على إثبات وجود شيء من عدمه ولكننا نؤمن بكل التفاصيل المتعلقة به ولا نسأل أنفسنا عنها!
تماما كما نتفق جميعا على أن العقل لم يثبت وجود الغول والعنقاء ولم يثبت عدم وجودهما... ومع ذلك تريدنا أن نؤمن ان الغيلان كائنات تأكل الأطفال وتخيف الناس والعنقاء تخرج من بين الرماد وتعيد تخليق نفسها... الخ... هل نؤمن بهذه التفاصيل دون القدرة على إثبات أن الغول والعنقاء موجودين؟ بالطبع لا. عدم قدرتنا على إثبات وجودها (أو عدم وجودها) لا يؤدي بالضرورة إلى إثبات التفاصيل القادمة منها... هذه نقر بها
ومن هنا.. نستيطع تغيير الفكرة إلى الصياغة التالية:
ليس بإمكان العقل أن يثبت وجود المنظومة الإلهية وتوابعها، ولا يمكنه أن يثبت عدم وجودها.
والسبب الذي قادني إلى الحديث عنها بهذه الطريقة هو استنتاجي أن هناك من يريدني أن أقتنع أن عدم قدرة العقل على أثبات وجود شيء من عدمه هو في الحقيقة ليس مهما... المهم هو الإيمان بهذا الشيء (مثلا: الإله ومنظومته والتفاصيل التي تتبعه)
وهذا برأيي فيه من الخطورة الكثير... بمعنى أن هناك من يريدنا أن نؤمن فقط بقلوبنا وعواطفنا... بواسطة طاقة معينة موجودة عندنا ونصل كلنا بواسطتها إلى نفس الفكرة.
ولكن كيف عرف أننا سنصل إلى نفس النقطة؟ بمعنى لو أننا كلنا آمنا بالعنقاء (مثلا) ايمانا يتجاوز القدرة العقلية فما الذي يجعلك تقر أننا في النهاية سنصل إلى نفس الشيء... نفس التفاصيل حول العنقاء (مثلا شكلها وخصائصها وقدراتها وما ينتج عنها)؟ ربما يصل أحدنا إلى أشياء مختلفة عما يصله غيره. والاختلاف هنا لا يكون مجرد اختلاف بين جماعة وجماعة إنما هو بين فرد وفرد. لأنه حتى داخل الجماعة الواحدة (جماعة المسلمين مثلا أو المسيحيين الخ) ما الذي يجعلك تقر أن كل فرد منهم سيصل إلى نفس النتيجة التي وصلها الفرد الآخر في جماعته؟
الجواب بسيط هم لا يصلون إلى نفس النتيجة. هم تُملى عليهم النتيجة. ويُعطون التفاصيل... باختلافات طفيفة جداً تتبع الفهم الذي يمنحه الملقن للمتلقي.. ولكن في النهاية يعطون نفس التفاصيل (نسبياً) وتُملى عليهم المظومة كاملة.. ويُسمى هذا.. ايماناً...!!!
الإيمان هو ارتياح نفسي لتفسير معين للوجود. وهذا الارتياح غالبا ما يكون ناتجا عن قدرة الملقن على إقناع المتلقي به.. وغالبا ما يُربى عليه تدريجياً حتى يصل إلى نفس الحالة... الموضوع لا علاقة له لا بالعقل ولا بالإثبات ولا عدم الإثبات. مع الاحترام للدكتور خضر، ولمحاوريه على صفحته ولكل أفكارهم.. وعدم الانتقاص من القدرات العقلية لكل منهم...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لابيد: كل ما بقي هو عنف إرهابيين يهود خرجوا عن السيطرة وضياع


.. عام على حرب السودان.. كيف يعرقل تنظيم الإخوان جهود الحل؟ | #




.. خالد الجندي: المساجد تحولت إلى لوحة متناغمة من الإخلاص والدع


.. #shorts yyyuiiooo




.. عام على حرب السودان.. كيف يعرقل تنظيم الإخوان جهود الحل؟ | #