الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سلحفاة ... قصة قصيرة

محمد مهاجر

2015 / 12 / 26
الادب والفن




سلحفاة

-
قصة قصيرة
-

-

كان يرقد على الاريكة ممدا رجليه ومسندا راسه على وسادة كبيرة وثيرة غطت على جانب الأريكة الايسر كله . ولما جاءت الفتاة ذات القبعة الصوفية البيجية ، وضعت كأس الشراب على المنضدة بجانب شرابه ، ثم سحبت كرسيا وجلست قريبا من كتفه . وخلافاً للخارج كانت القاعة دافئة . وعدل الرجل من وضع جسمه حتى أصبح مواجها للفتاة. في البدء أكد لها بانه سيكون محايدا في سرده كما كان سابقا ولن يكثر من التفاصيل ثم زاد بأنه سيبدأ من جديد في سرد الأحداث . ولما أومأت بالموافقة تبسم ثم قال


تسلق صخرة ثم توقف حين شعر بانه قد إستقر في المكان الآمن. أرخى عضلات جسمه لكي ينعم بفترة راحة قصيرة، تحرك بعدها حتى إقترب من فتحة صغيرة بين صخرتين، فجعل ينظر من خلالها إلى مجموعة من الناس كانوا منهمكين في حوارات متعددة . إختبر وضع جسمه والمكان فاطمأن إلى إستحالة افتضاح أمره. ولانه كان واثقاً من نفسه تمام الثقة ، فقد أمضى فترة طويلة تمكن في غضونها من أن يفحص الناس والأشياء التي كانوا يحملونها ويتكهن بما يخططون

على الرغم من أنه قد فشل في التعرف على بعض المعدات الحديثة إلى أنه إستطاع أن يخمن أوجه استخدامها. لكن اكثر ما كان يشغل ذهنه في تلك اللحظات هو الفتاة الانيقة الرشيقة، إذ ساوره الشك في أن تكون قد انتبهت لوجوده. وركز بصره في عينيها بصرامة نادرة فازدادت شكوكه. وفي تلك اللحظات قرر أن ينهي المهمة، فتفحص الناس على عجل والتقط بعض العلامات الهامة ثم إنسل بهدوء عائداً إلى المكان الذي أتى منه . وفي أثناء ذهابه إنتبه إلي صوت الفتاة الرشيقة، لم يتبين مقصدها بالضبط لاًن المسافة كانت بعيدة نسبيا، لكنه أدرك أن المجموعة كانت تتابع حديثها باهتمام كبير، وهي تتكون من زمرة تربو على عشر رجال وامرأتين. وبرغم القيود فقد إجتهد كثيرا لكي يزيد من سرعته وهو يغادر

عندما ازداد يقين الفتاة الرشيقة من أن مصدقي روايتها هم الأكثرية ، اسهبت في وصف ما شاهدته وزادت عليه أشياء استنبطتها من تقييمها للوضع . وظن نفر من زملائها أنها قد تأثرت بقلة النوم أو الهلوسة أو الارهاق الشديد أو الهيام ، وشك البعض في جل تفاصيل الحكاية فطلبوا منها أن تحدثهم بدقة عن ماهيته . بسرعة هبت واقفة وعدلت من فستانها الجذاب ثم قالت: أنه حيوان كبير . ضحك الجميع وقهقة بعضهم وسالت الدموع وعم الهرج ، لكنهم دهشوا حين ظلت الفتاة واقفة في مكانها صامتة ، واثقة ومتماسكة. وحين هدأوا اخبرتهم أنه تحرك مبتعدا . وكان مبعث هزوهم هو يقينهم بان المنطقة خالية تماما من الحيوانات الكبيرة . ولانهم كانوا مدركين لأهمية رحلتهم العلمية، فقد كان كل فرد منهم في الاسابيع الماضية قد انكب باحثا في الكتب والانترنت، وظلوا على هذه الحال حتى اطمأنوا إلى انهم قد أوعبوا


حين هدأوا أخبرهم رئيس فريقهم بان يحزموا امتعتهم انتظارا لمغادرة المكان . ووقف الرئيس الوقور ذو الشعر الأبيض أمام الفريق وحدتهم باهمية التحرك العاجل وجمع أكبر قدر من المعلومات عن الحيوان وبان يعدوا أنفسهم للمفاجأت . وكان الرجل يعلم بان الفتاة الرشيقة طيبة القلب وجادة ورومانسية فاخبرها بحديث طيب خاطرها . وأسهب الرجل في سرد تفاصيل خطة التحرك والحديث عن مكامن الخطر . وحين وصلوا الى الصخرة وجدوا أن طريدتهم قد ابتعدت كثيرا على الرغم من بطء حركتها . وصاح احد الرجال قائلا: رجل غريب الهيئة . كان يصيح بصوت امتزجت فيه الدهشة مع الخوف. لكن الفتاة الاخرى كانت تستدير يمنة ويسرة وتتبسم وتضحك قبل أن ترد على زميلها بحزم : لا . بل سلحفاة . وهي تختلف تماما عن رفيقتها من حيث أنها كثيرة الهزل ومتهورة. ولم تنتظر الرد بل غرقت في الضحك فضحك الجميع على اثر ضحكتها على الرغم من أن أكثرهم كان خائفا . وبرغم الهزل فقد اصابت الفتاة إلى حد ما لان المخلوق كان كان يمشي بطيئا مثل السلحفاة


أعاد الرئيس جماعته الى المسار الصحيح فنهضوا مسرعين في أثر المخلوق . وواصلوا مطاردتهم له، لكن فريقا منهم كان خائفا يترقب وكان فريقا أخر ظل منهمكا في ألتصوير. وكان الحيوان يمشي على أربعة وأحيانا يقفز مثل الكنقرو وأحيانا يقلد حركة الدودة عندما تسحب مؤخرة جسمها إلى ألامام و المقدمة ثابتة ثم تسحب المقدمة إلى الأمام في الوقت الذي تثبت فيه المؤخرة ، ثم تعيد الكرة من جديد . وساعده تكوين جسمه على سرعة التسلق فتمكن خلال مدة قصيرة من أن يبلغ القمة . و إذا اعتمدنا على المعيار الافقي فإن المسافة التي تفصله عن مجموعة الفريق العلمي ليست ببعيدة ، لكن كان يتحتم عليهم عمليا أن ينزلوا ثم يصعدوا إلى القمة . وهو يدرك هذه الحقيقة لذلك هب واقفا وتمطى ثم رسم بسمة غريبة ساخرة وعريضة . ومط عنقه إلى ناحية اليمين ثم إلى اليسار ثم إلى الخلف ثم إلى الأمام ف إلى الخلف مرة أخرى ثم تركه حرا يتارجح . كانت حركة العنق تشبه حركة الزنبرك . وحين ظل العنق يتارجح لعدة دقائق اصابت الفتاة المتهورة حالة إغماء


بعد جهد تمكنوا من ترتيب اوضاعهم . وجمعوا معلومات بواسطة المناظير والكاميرات ثم انهمكوا في تحليلها. لكنهم لم يجمعوا أمرهم على رأي موحد حول ماهية الحيوان فتركوا المسألة مفتوحة. هو كان يعرف نفسه ويعرف بالضبط ما حادث له، لذلك لم يعر حديثهم أي إهتمام بل تركهم يتجادلون وذهب قاصدا مكاناً لكي يختبئ فيه . ولانه كان يعلم أنهم سيجدون مكانه عاجلا أم آجلا ، كان فكره مشغولا بالبحث عن كل المخارج والخطط


وكان المخلوق قد أمضى عقدين ونيف في هذا المكان بعد أن وجد أنه الأفضل في تلك السلسلة من الجبال الشاهقة . والذي ساعده على الاسقرار هو غنى المنطقة بالفواكه البرية والخضر والاعشاب الطبيعية الغنية بالفيتامينات والمعادن والمفيدة لصحة الجسم وبنائه ووقايته من الأمراض . وربما يكون المخلوق قد أفاض في إستهلاك بعض الأغذية ، الأمر الذي أثر تأثيراً كبيرا في التغيير الواضح الذي أصاب جسمه



دخل نفقاً قاده إلى كهفه الذي اعتاد أن ينام فيها. أسند ظهره على صخرة ملساء ثم وضع مؤخرة رأسه على يديه المشبوكتين . كان يعلم بانها فترة راحة قصيرة لان مطارديه سيأتون إلى هنا لا محالة . وكان الرئيس في ذلك الوقت قد نجح في ضبط النقاش وتحييد المنفلتين ، حيث كان البعض يرى أن القبض على المخلوق حياً أو ميتا هو عين الهدف . وبعد وقت قصير وزعت المهام وأصبح كل فرد مدركا لما ينتظر منه وواعياً لمكامن الخطر والخدع . وقال لهم الرئيس بوضوح لا أريد أن افقد أي فرد منكم . ولما توغلوا داخل النفق شعروا بأنه أصبح ضيقاً جدا ومظلماً وقليل الارتفاع. وكانوا يخلدون الى الراحة بين الفينة والاخرى نظرا للاجهاد الناتج عن الحركة بظهر محني . ولما سمع الطريد اصواتهم غادر مكانه


هرب المخلوق إلى قمة أخرى في الجبل . كان يأمل بان ينجح في تضليلهم حتى يحل الظلام . وكان خائفاً جدا لانه إعتقد أن هم الجماعة الرئيسي هو تحقيق إنجاز علمي حتى لو أدى ذلك إلى ازهاق روحه. وهو يعتقد كذلك بان مصيره سيكون كمصير فأر التجارب لان هؤلاء الناس جشعين أنانيين ذوي نفوس مجرمة وإن تدثروا بثياب العلم. وكان في نفس الوقت يامل أن يجد مطارديه شيئا أخر يشبع شبق البحث العلمي عندهم ، ولو إلى حين


حين خرج الفوج الأول منهم وجدوا أنه قد تمكن من الصعود إلى قمة أخرى . في هذه المرة وزعوا همهم بين جمع المعلومات وتحليلها ومواصلة الملاحقة . اتضح لهم أنه يستخدم تقنيات عدة للحركة مثل الزحف والحبو والقفز والمشي على أربعة أرجل أو رجلين . أما تركيب جسمه فكان غاية في الغرابة . كان نحيفا جدا يكاد الناظر إليه يشعر بانه عبارة عن مجموعة عظام يكسوها جلد سميك جدا . وكانت لوحتا الكتفين كبيرتين غاية الكبر ومحدبتين . ونفس الشيء هو حال القفص الصدري . والكتفان مع القفص الصدري سويا يشبهان تماما النصف السفلي من مخروط . أما عظام الحوض فهي كذلك كبرت واستدارت حتى حاكت الاسطوانة في شكلها . ومجمل القول أن جسم المخلوق عبارة عن كرة في الأعلى مثبتة علي زنبرك جزء منه مثبت على نصف مخروط به يدان قصيرتان قويتان، أما الجزء الأسفل فهو متصل بالاعلى بواسطة الزنبرك، وهذا الجزء عبارة عن أسطوانة مثبت عليها أرجل قصيرة تستطيع الحركة في جميع الاتجاهات . وبرغم الهيئة الغريبة فان عزيمتهم في ملاحقته لم تتزحزح أبدا لانهم كانوا مدركين تماما أنه بطئ الحركة وجبان .


كانوا كلما اقتربوا منه كلما ازدادوا قناعة بانه حقا مخلوق غريب يشبه الرجل في التفاصيل العامة لتركيب الجسم . أما هو فكان مهتما بامور أخرى أهمها هو أن يجد مكانا يختبئ فيه حتى ينفضوا . وهو يعلم أنه لا يستطيع العيش في مكان أخر نظراً لاعتماده على النباتات التي لا توجد إلا في ذلك المكان وكذلك للقيود البيئية والجسمانية التي جلبها إلى نفسه . وفي لحظة انشغالهم تمكن من الهرب مرة أخرى. لكنهم كانوا أذكى منه هذه المرة . وعند القبض عليه وعدهم باخبارهم بحكايته فاعطوه الامان . بالطبع لم يصدقه إلا القليل منهم ، وحتى أنت مازلت تعتقدين أنه سلحفاة غريبة كما قالت من قبل الفتاة المتهورة



كان طالبا عبقريا في السنة الثانية بقسم الأحياء في الجامعة ، لكنه تركها وذهب إلى تلك المنطقة الجبلية النائية . كان دافعه أن المجتمع أصبح أنانيا جشعا لا يحس بمسؤوليته في الحفاظ على موارد الأرض وعلى البيئة النظيفة . وعندما نجح في تجربته أصبح يفتخر بإنجازه وأصبح يحدث نفسه بان المرء يستطيع أن يعتمد إعتمادا كليا على نظام غذائي بديل يحتوي على كل ما يحتاجه الجسم من مواد بناء وطاقة ووقاية، وفي نفس الوقت لا يساهم هذا النظام في تلوث البيئة . ولكي تكون القطيعة مع المجتمع نهائية، درس علم النفس ثم مارس تمارين ذهنية ونفسية ساعدته محو تاريخه تماما . وأصبح لا يحس بالزمن ولا يعرف غير المكان الذي يسكن فيه . وحين واجهته مجموعة البحث العلمي وطاردته وقبضت عليه، تمكن تدريجيا من إستعادة بعض الذاكرة



غرز كوعه في جسم الأريكة ثم التفت إلى الفتاة لكى يلاحظ رد فعلها ، لكنها كانت مشغولة بتدوين الملاحظات على كراسة صغيرة . ولما هم بالنهوض وجد أن الفتاة ذات القبعة البيجية كانت تضع قدميها الرقيقتين على الأريكة وتكاد تلصقهما بفخذيه . إعتدل واقفا فاتجه نحو دورة المياه لكنه توقف فجأة فاستدار وقال لها


تذكري .. إنه رجل غريب قد تحور جسمه وليس سلحفاة نادرة كما تعتقدين


-








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حفل تا?بين ا?شرف عبد الغفور في المركز القومي بالمسرح


.. في ذكرى رحيله الـ 20 ..الفنان محمود مرسي أحد العلامات البار




.. اعرف وصايا الفنانة بدرية طلبة لابنتها في ليلة زفافها


.. اجتماع «الصحافيين والتمثيليين» يوضح ضوابط تصوير الجنازات الع




.. الفيلم الوثائقي -طابا- - رحلة مصر لاستعادة الأرض